مع 40 ألف حالة طلاق في عام... الأزمة تهدد بتفكك المجتمع السوري
أثرت عدة عوامل سلباً على الوضع الاجتماعي للسوريين، حيث ساهمت الظروف المختلفة ومفرزات الحرب والأزمة في إضعاف الروابط الأسرية وتفكيك عددٍ من الأسر، الأمر الذي بات معروفاً من حيث النتيجة والسبب إلى حد ما.
وسلطت إحصائيات -منشورة حديثاً- الضوء على حجم المشكلة التي يواجهها المجتمع السوري، حيث تجاوز عدد حالات الطلاق في العام 2016 الـ40 ألف حالة، ووصل عدد المخالعات (تفريق بالتراضي بين الزوجين) إلى حوالي 10 آلاف حالة.
فقر وحرمان
وبحسب الأرقام المنشورة، فنسبة كبيرة من حالات الطلاق في البلاد جاءت على خلفيات الشقاق بين الزوجين، أهمها: عدم توفير الأمور الضرورية، ما يعكس أثر الوضع الاقتصادي المعيشي على استمرارية الحياة الزوجية والأسرية.
وبالاعتماد على دراسة للأمم المتحدة نشرت في شهر أيار من الـ2016، والتي قالت: إن 83% من السوريين هم تحت خط الفقر، يبدو من الجلي أن الوضع المعيشي والاقتصادي للأسرة السورية تغير بدرجة كبيرة.
ويلعب العامل المادي دوراً أساسياً في استمرارية الحياة الزوجية، لأهميته في تأمين متطلبات الحياة أولاً وقبل كل شيء، إلا أن انعكاسات الخسائر الاقتصادية على المستوى الفردي، ومن ثم على المستوى العام، امتدت إلى داخل الأسرة، وأدت لتفككها وتفريقها في كثير من الحالات، إذ لم يعد الزوج قادراً على تأمين متطلبات أسرته، مع الغلاء وفقدان قيمة مدخراته وممتلكاته، كما لم تعد الزوجة قادرة في كثير من الحالات على تحمّل الفقر والحرمان، بينما كان الطلاق والفراق حلاً لعدد من العائلات، التي لم تعد تجد أي أمل أو طريق يمكنها من الاستمرارية، بعد خسارة كل شيء بالكامل، وذلك في ظل انعدام الاهتمام والرعاية الحكومية، وتزامناً مع سياسات اقتصادية اجتماعية لم تضع مصلحة المواطن في أولوياتها.
المشكلة اقتصادية..
وفي حديث لجريدة (قاسيون) مع الأخصائية والباحثة الاجتماعية «فاديا ديوب» أكدت على الدور الكبير الذي يلعبه الجانب الاقتصادي في الحياة الزوجية، معتبرة أنه «متجذر ومرتبط بالعديد من العوامل والظروف، لأن الكثير من المشاكل والخلافات يمكنها أن تتخذ شكل العامل الاقتصادي وتؤدي للطلاق، في حين أنه من الممكن أن يكون العامل الاقتصادي هو السبب في الفراق بشكل أساسي».
فبعد سنوات من التقدم والتطور والاعتياد على نمط حياة معين، كان كل من الزوج والزوجة العاملين، قادرين على تأمين الجزء الأعظم من متطلبات حياتهم الزوجية قبل بدء الحرب في سورية، إلا أنه ومع زيادة الخسائر الاقتصادية وتراجع مستوى العملية وخسارة مصادر الدخل وارتفاع الأسعار وتضاعفها، بات من غير السهل تأمين أساسيات الحياة وليست الكماليات، وبالتالي انقلبت أحوال عائلات بأكملها وانحدر مستوى معيشتها كثيراً، الأمر الذي كان صعب التقبل على أفراد العائلة بالكامل، وكان أصعب على رب الأسرة الذي بات حمله ثقيلاً، ذلك كله أدى إلى جعل الأسرة بالكامل في دائرة التهديد والخطر، جراء القلة وعدم الشعور بالاستقرار.
وعند اجتماع الظروف الاقتصادية السيئة، وغيرها من عوامل اجتماعية وعاطفية ومن خسائر بشرية في العائلة والمقربين، تتولد الضغوط والانفعالات الشديدة لدى المرء، ما قد يدفعه لاتخاذ قرار بالانفصال، لعدم قدرته على مواصلة العيش مع المشاكل والمآسي كلها التي لا يبدو لها أمل بالانفراج.
«العين بصيرة والإيد قصيرة»
وأشارت الأخصائية الاجتماعية إلى أن لوسائل «التواصل الاجتماعي والفضائيات وما يعرض عبر تلك القنوات، من مظاهر اجتماعية ورفاهية وغيرها من صور ترسم واقعاً متخيلاً لدى المرء، يدفعه في حياته الواقعية لمحاولة الحصول على ما يراه أو تحقيق تلك الخيالات، لكنه يصطدم بالواقع البعيد عن ذلك كله، ومع تردي الواقع الاقتصادي، لن يكون بمقدور الزوجة مثلاً، الحصول على ما تراه في المسلسلات أو الأفلام وغيرها، الأمر الذي يولد مشاكل مع زوجها وبالتالي تنشأ الخلافات بينهما وتتطور، وصولاً لحد الطلاق في بعض الحالات».
انعدام التوعية
وألقت «ديوب» الحمل على الحكومة بمؤسساتها ووزارتها، التي «تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، وتحديداً من الناحية التوعوية، حيث لم تعمل عبر أي من أجهزتها على ترسيخ وبناء الوعي الاجتماعي والأخلاقي الكافي لدى الشباب عبر تهيئتهم للحياة الزوجية والتعريف بماهيتها، والمسؤوليات المترتبة على الزواج، وكيفية التعامل مع الظروف المختلفة، بغرض الاستمرار، وحماية الأسرة من التفكك».
نسب وأرقام صادمة!
تبدو المنعكسات الاقتصادية والاجتماعية للحرب التي تعيشها البلاد كبيرة، منذ حوالي ست سنوات، فقد قدّرت عدة دراسات أن نسبة البطالة في سورية قاربت الـ53 %، لتشير هذه المعطيات مجدداً إلى سوء الحال الاقتصادي الذي يعانيه المجتمع السوري، وتراجع الدعم الحكومي في كثير من الحالات، فضلاً عن مختلف الأزمات وصعوبات الحصول على ضروريات المعيشة إن توفرت؟ من مياه وغاز وكهرباء ومازوت وغيرها..!
بطالة فهجرة فطلاق
ورغم ذلك كله، لا تزال الحكومة بعيدة في توجهاتها واهتماماتها عن إغاثة المواطن وحمايته، ولم تعمل على منح تعويض حقيقي وكافٍ لمن خسر عمله، أو منزله، نتيجة الحرب، فازدادت البطالة بعد أن كانت إحدى أكبر التحديات التي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من التعامل معها بالطريقة الصحيحة، وعملت عكس ذلك بتكريسها وتعميقها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى خسارة البلاد نسبة كبيرة من شبابها نتيجة الهجرة، التي كانت حلاً لبعض العائلات، هرباً وخوفاً من الموت فقراً، أو من التشرد..
لكن السفر كان في أحيان أخرى سبباً للشقاق والخلاف، بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تعذر لم شمل العائلات في عدة مواقف، ما دفع بالطلاق ليكون خياراً مفروضاً على الزوجين، في حين كان غياب الزوج لفترة طويلة، بغرض تأمين عمل ومردود مادي محفزٍ للمشاكل، إما بسبب شعور الزوجات بالوحدة والعزلة والحاجة لشريك حقيقي في الحياة، أو لأن السفر لبلد مختلف ومقابلة الآخرين فتح المجال أمام بعض المهاجرين أو المهاجرات، للارتباط بأشخاص من البلد المستضيف وهجر عائلاتهم.
المشكلة في التواصل
ولم تكن سنة 2016، الوحيدة التي ظهرت فيها مفرزات الأزمة على العائلة السورية والمجتمع عموماً، فقد كان العام 2015 سباقاً كذلك بمعدلات الطلاق التي شهدها، وبحسب تصريحات للقاضي الشرعي الأول في دمشق «محمود معراوي»، سجلت المحكمة الشرعية في دمشق 7028 حالة طلاق في عام 2015 مقابل 5318 في عام 2010، أي بزيادة قدرها 25 في المئة.
وكانت العوامل الاقتصادية في ذلك العام متصدرة لمسببات الطلاق، تماماً كما هو الحال في 2016، حيث أرجع المعراوي ارتفاع نسبة الطلاق، إلى «أسباب اقتصادية وعدم إمكانية تأمين مسكن مستقل، إذ تضطر العائلة لتقاسم المسكن أو الانتقال للسكن مع الأهل، فضلاً عن عدم قدرة الزوج على إعالة زوجته بعد الأزمة التي أفقدت الكثيرين أعمالهم. ويضاف إلى ذلك، تأثير الهجرة السلبي في العائلات».
وتتيح المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية «التفريق للغيبة»، حيث بموجب ذلك يحق للزوجة أن تحصل على طلاقها بعد أن تثبت غياب زوجها لمدة تزيد على السنة بشكل قانوني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 794