«خارج القانون».. مكاتب وشركات تعمل علناً بـ «المراهنات»!

«خارج القانون».. مكاتب وشركات تعمل علناً بـ «المراهنات»!

قد تبدو الحالة طبيعيةً في المقهى، بأن تكون العيون منشدة نحو الشاشة التي تعرض إحدى المباريات، وقد يبدو أيضاً تحمس البعض وامتعاض البعض الآخر من النتيجة، شيئاً طبيعياً بين المهتمين والمشجعين والمتابعين للشأن الرياضي، لكن ذلك قد يخفي وراءه ربحاً أو خسارة لبعض هؤلاء تبلغ الآلاف أو حتى ملايين الليرات.

 

انتشرت في سورية في الفترة الأخيرة بشكل علني وواضح، مايسمى «مكاتب المراهنات»، وغالباً تكون ضمن مقاهٍ مشهورة، أو مكاتب مستقلة، أو عبر وسطاء بالاعتماد على مواقع مختصة عبر الإنترنت أولاً وأخيراً، حيث تقوم بفتح باب الرهان على نتائج أو حيثيات المباريات الرياضية بشتى أنواعها، بمبالغ صغيرة أو كبيرة.

«فيسبوك» للترويج

إحدى الصفحات على «فيسبوك» وتدعى «مراهنات سورية – syrianbetting»، تقوم يومياً بعرض خيارات الرهانات، وشرح كيفية المشاركة و«الباكيج» أو أسعار الرهان وأسماء الفائزين، ويشارك بها الكثيرون، وخاصة من شريحة الشباب والمهمشين.

وتعتمد عملية المشاركة على دفع مبلغ معين من المال لوسطاء، يقومون بدورهم بالتعامل مع «صاحب المكتب»، وهو وسيط لإحدى المواقع العالمية المختصة بالمراهنات، والذي يجني مبالغ خيالية مع سماسرته يومياً، وذلك كله على مرأى ومسمع الجهات المعنية دون تحريك ساكن.

ويعتبر العمل في المراهنات والترويج له ضمن شبكة الإنترنت، وخاصة عبر «فيسبوك» وبشكل علني، من اختصاص فرع مكافحة جرائم المعلومات، بإدارة الأمن الجنائي، إلا أن الصفحة ما زالت تعمل ولا يوجد أي عائق أمامها. 

ويؤكد استطلاع «قاسيون»، أن أغلب المشاركين هم من طلاب الجامعات، أو الخريجين، الذين لم يحصلوا على فرصة عمل لائقة أو من المهمشين، وهؤلاء أصيبوا بنوع من الإدمان، سواء ربحوا مرة أو لم يربحوا نهائياً، فهم بالنتيجة أحرار بحجم الأموال التي يراهنون بها، كبيرة كانت أم بسيطة، حسب رأيهم.

فوق القانون!

أغلب المكاتب التي افتتحت في سورية، يديرها أفراد محسوبون على بعض المتنفذين، وهؤلاء قادرون على العمل علناً فوق القانون دون حسيب أو رقيب.. هكذا، وبالعكس، ازداد عملهم خطورة وانتشاراً وعلنية بعدما قامت شركات الاتصالات الخلوي في البلاد، باتباع الأساليب ذاتها في المقامرة والمراهنة.

 

رغم أن القانون السوري يمنع هذه المراهنات ويعاقب عليها، إلا أن شركتي الاتصالات الخلوي في سورية، وجدت بهذا الأسلوب طريقة إضافية لِدَرّ الأرباح الضخمة نتيجة ازدياد عدد الشباب المدمنين عليها، ومن يتم استقطابهم عبر أساليب االدعاية والترويج لديها، من بسطاء الناس والمهمشين، وكون هاتين الشركتين أساساً، محسوبةً على المتنفذين في البلاد، فهي لا تخشى القانون، أو هكذا يبدو.

وكما مدراء المكاتب، فإن عملهما علني، حيث ترسل يومياً رسائل للمشتركين تطلب منهم التوقع والمراهنة على نتائج المباريات الرياضية بمبلغ معين، دون أي تدخل من السلطات والأجهزة الرقابية.

وعداك عن المراهنات المباشرة، تقوم هذه الشركات، باستثمار المقامرة عبر أساليب عدة، منها مراسلة المشتركين عبر الـ sms بنصوص مختلفة، منها: «أرسل كلمة «كذا» إلى الرقم «كذا» واربح ذهب بقيمة كذا»، وبحسب العديد ممن اشتركوا بهذه «المسابقات» كما تسميها الشركات، فإن إرسالها أول مرة، يدفع الشركة لإرسال رسائل يومية للمشترك لإقناعه بإرسال المزيد والمزيد من الرسائل المأجورة، عبر اقناعه  بأن فرص الربح تزيد بإرسال رسائل أكثر، أو أن الرسالة التي اقتطع ثمنها لم ترسل، ويجب المحاولة أكثر من مرة، وما إلى ذلك من أساليب الاحتيال، بغاية جني أكبر قدر من الأرباح الإضافية على حساب الناس والمشتركين.

ضبط 5 مكاتب فقط!

رغم بدء الظاهرة منذ حوالي 3 سنوات تقريباً عند وجود مباريات كرة قدم هامة، وانتشارها مؤخراً بشكل علني ويومي، على أية رياضة ومباراةٍ هامة أو غير هامة، إلا أن رئيس قسم التزييف والتزوير بوزارة الداخلية وسيم معروف أكد:  «ضبط خمسة مكاتب للمراهنة في مقاهيٍ عامة في دمشق»، فقط، علماً أن المكاتب المعروفة علناً جميعها ما زالت تعمل في دمشق واللاذقية.

ويؤكد معروف أن: «عملية المراهنات تعود على بعض الوسطاء بمردود أسبوعي يتجاوز المليوني ليرة إلى ثلاثة ملايين»، حيث تتم العملية عبر وسطاء غالباً، كأن يتصل الشاب بالوسيط، ويطلب منه الرهان على نتيجة معينة بمبلغ معين، ليقوم الوسيط بالاتصال بصاحب المكتب، وحجز الرهان ريثما يتقاضى المبلغ من الزبون، وللمكتب والوسيط حصة معينة، حيث يحصل صاحب المكتب على 20% على الأقل من مبلغ الرهان، في حال الفوز أو الخسارة، إضافة إلى حصة السمسار التي يتقاضاها كعمولة من الزبون.

ثروات هائلة

 تجمع وتدار خارج القانون!

توسعت الحالة في دمشق واللاذقية بشكل سريع مؤخراً، وباتت تشبه الشبكات المترابطة التي يجني العاملون بها، من مكاتب وسماسرة ووسطاء، عشرات الملايين من الليرات خلال أيام معدودة فقط، مايعني تكديس ثروات هائلة خلال مدة قصيرة، وكلها عبر شبكة تعمل وتدار خارج القانون، وعين الرقابة والمحاسبة، ولا أحد يعلم كيف يعاد ضخها وتبييضها، باعتبار هذه الأنشطة مشبوهة وغير مشروعة، مثلها مثل أي نشاط مالي يعمل بالظل «وبالأسود».

ويرى «معروف» بهذه الرهانات «جرائم في بدايتها ونهايتها، كون أغلب المراهنين هم طلاب جامعيون، يقتطعون من مصروفهم أو أقساط جامعتهم ويراهنون بها، وعند الخسارة قد يضطرون للسرقة أو الاستدانة»، حسب رأيه، مشيراً إلى حالة من الإدمان تصيب هؤلاء.

حسب النص القانوني

بدوره أكد رئيس محكمة صلح الجزاء الخامسة «أحمد زهير بلوق»: أن «قانون العقوبات السوري العام، يعاقب ويمنع المراهنات التي هي نوع من المقامرة والتي انتشرت مؤخراً في مكاتب غير مرخصة»، مشيراً إلى أن «ألعاب الروليت والفرعون والبوكر والألعاب المتفرعة عنها، أو التي تشبهها، هي مقامرة أو مراهنة وهي ممنوعة بحسب القانون السوري».

وتابع: «يعاقب القانون السوري من تولى محلاً للمقامرة أو نظم ألعاب مقامرة ممنوعة في محل عام أو منزل خاص اتخذ لهذه الغاية بالإضافة للموجودين في المكان من إداريين وموظفين، أما بحال عدم معرفة صاحب المكان بحصول مقامرة بشكل سري فإن العقوبة لا تشمله».

عقوبة مشددة

ويعاقب القانون السوري المقامر بغرامة من 2000 ليرة إلى 10 آلاف ليرة، وتتضاعف العقوبة لتصبح 4 آلاف إلى 20 ألف، إن تمت عبر الانترنت، وهو النوع الرائج للمراهنات الحالية.

وتكون العقوبات الشديدة بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين لكل من تولى إدارة محل للمقامرة، والصرافين ومعاونيهم والعمال والمستخدمين في المحل، وتجب مصادرة الأشياء التي تنتج عن المقامرة، كالأموال والأشياء التي تستخدم فيها كالأدوات والأثاث، ويمكن للقضاء إغلاق المحل نهائياً، وتكون عقوبة مرتكبي الجرم على شبكة الأنترنت مشددة.

أخطار من الواجب لحظها

واقع الحال يقول: إن هذه العقوبات تبقى ضمن الإطار النظري، وحبيسة كتب القانون، طالما أنها لم تجد طريقها للتطبيق على أصحاب المكاتب، ومن خلفهم، الذين يعملون بشكل علني، كما ولا تطبق على شركات الاتصالات الخليوية أيضاً، بالإضافة إلى غضّ النظر عن الأرباح والثروات التي تجمع وتدار عبر شبكات تعمل بالظل، ما يعني إمكانية توسيع أعمال مثل هذه الأنشطة المشبوهة، ذات الصفة الجرمية حسب القانون، لمجالات ونواحِ أخرى من الأنشطة الجرمية العاملة بالظل، والتي قد تكون أكثر إجراماً ناحية التوصيف الجرمي، خاصة وأن الأنشطة غير المشروعة غالباً ما تجد طريقها للتشبيك فيما بينها، بما يتماشى مع مصلحتها واستمرار عملها (المقامرة- المخدرات- الدعارة- تهريب الأسلحة- التجارة بالأعضاء-... وغيرها)، وذلك كله على حساب جيوب المواطنين ومستقبلهم ومصلحة الوطن، وربما أمنه بالنتيجة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
794