معالجة أزمة طارئة بمياه الشرب في السويداء.. ثقة المواطن بالحكومة تكمن أيضاً بالتفاصيل!

«على الأقل بتنا نحصل ولو على رائحة المازوت من صنابير المياه المنزلية، لا بأس إذاً ولنعتبرها خدمة جديدة للمواطنين».. هكذا علّق أحد المواطنين ساخراً من حادثة تلوث مياه الشرب التي شهدها القسم الشرقي من حي (الأرصاد الجوية) الذي يقع جنوب مدينة السويداء.

ففي يوم الجمعة 2/3/2012  تفاجأ بعض السكان في هذا الحي بوجود بقع عائمة من المازوت في مياه الشرب، يرافقها رائحة واخزة قوية، الأمر الذي خلق قلقاً حقيقياً لدى الأهالي نظراً لخطورة حادثة من هذا النوع. هذه المرة لم تتكاسل الجهة المسؤولة في التعامل مع المشكلة- على غير عادة معظم الجهات الحكومية، وخصوصاً في فترة الأزمة الأخيرة- والجهة هنا كانت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، فقد حضرت مجموعة من موظفي المؤسسة مساء ذاك اليوم وأخذت عيّنات من المياه للاختبار، وفي اليوم التالي أُعلِم السكان المعنيين بالمشكلة أنه فعلاً توجد زيوت عضوية في المياه بنسب قليلة، وتابعت اللجان من المؤسسة الحضور إلى الحي على مدى الأيام الأربعة التالية، وتعهدت لمن تضررت المياه المحفوضة في خزاناتهم بتعبئة تلك الخزانات بعد أن يتم تنظيفها من قبل أصحابها، وفي المؤسسة أطلعنا المسؤولون على مجمل الإجراءات المتخذة لحصر مصدر التلوث وجميع الاختبارات التي أجريت، ليتبين أن مصدر التلوث هو عملية حفر غير نظامية قام بها أحد المواطنين قرب الخط المغذي للمنطقة، وتركت الحفرة مفتوحة ما أدى بعد هطول الثلج وتراكم المياه الآسنة في الحفرة إلى ترشح تلك المياه إلى الخط عبر ثقب صغير في الخط ناتج عن عملية الحفر تلك.

حسب الاستقصاء الذي أجرته «قاسيون» فإن عدد البيوت المتأثرة بهذه الحادئة تجاوز الـ150 بيتاً، وخلال لقائنا مع الأهالي كان المزاج العام يعبر عن عدم الثقة بالحلول المتخذة من قبل الجهاز الحكومي عموماً، أو على الأقل عدم المعرفة التامة والتواصل الصريح بين الجهاز الحكومي والمواطنين، وغياب الثقة هذا يذهب بعيداً في التاريخ وقد تعزز في فترة الأزمة الوطنية الأخيرة، وبالرغم من المعالجة المسؤولة والسريعة التي اتخذتها المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في السويداء، إلا أن الأغلبية العظمة من المواطنين المعنيين بمعرفة تفاصيل الحادثة سوف يعلمون الأسباب الفعلية للتلوث وإجراءات المعالجة من خلال هذا المقال، وقد علّق أحد الأهالي خلال الحديث: «حتى لوكتبت كل هذا الكلام في الجريدة وفي كافة وسائل الإعلام فإن الجهات (فوق) لن ترد أو تكترث...»، وهو ما يدلل أكثر على انعدام الثقة بالجهاز الحكومي وغياب قنوات الاتصال البينية، وإذ نقدّر الجهود المبذولة من المؤسسة المعنية في هذه الحالة ونعطيها حقها كاملاً، يجب التأكيد على أن تلك الجهود هي واجب على المسؤولين والموظفين وحق للمواطنين، وأيضاً أن آلية العمل هذه يجب ألا تكون حالة استتثناية نتندر بها وإنما هي الحالة الطبيعية التي يجب التزامها بالتعاطي مع كل المشاكل والهموم المطلبية.

من أخطر الملاحظات التي رشحت عن الأزمة الطارئة، وعن الأحاديث التي أجرتها «قاسيون» مع المواطنين المعنيين، كانت تدني مستوى إدراك المواطن لحقوقه لدرجة أن بعضهم عبر عن إمكانية تقبل شرب هذه المياه والاستسلام للأمر الواقع، وذلك يئساً من جدية الجهات الحكومية في التعامل مع قضاياهم المعيشية مهما صغرت، ولذلك فإن إسراع المؤسسة العامة للمياه في معالجة هذه المسألة كانت حافزاً لا بأس به لإعادة دفع الناس نحو منح هذه المؤسسة- وربما غيرها لاحقاً- بعض الثقة للتعامل مع قضاياهم المعيشية الصغيرة، ومن ثم الكبيرة.. ويتضح من هذا أن حصول الحكومة على ثقة مواطنيها يبدأ حتماً من معالجة التفاصيل الصغيرة، وطبعاً عدم الاكتفاء بهذا الحد الأدنى، فدون الثقة المتبادلة لا يمكن الوصول إلى حلول حقيقية للأزمات الطارئة والعالقة- وما أكثرها- التي يعيشها المواطن السوري على امتداد مساحة الوطن.

 

■ السويداء/ مراسل قاسيون

معلومات إضافية

العدد رقم:
544
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 13:22