كارثة «سد زيزون» تقرع ناقوس الخطر.. وتتطلب اصلاح اقتصادي حقيقي شامل

النهب والفساد.. يدمران السدود والبلاد!
يقارن البعض بين كارثة شرنوبل سابقاً، في الاتحاد السوفييتي، وكارثة سد زيزون مؤخراً في سورية، وقد يقصد من هذه المقارنة، الإيحاء بأن الكارثة الأولى كانت فاتحة لانهيار الاتحاد السوفييتي وقد تكون الثانية كذلك بالنسبة لسورية.

الكوارث المصنَّعة!!
كل الاتجاهات والتحقيقات اللاحقة في كارثة شرنوبل، أثبتت أن ما كان يجري لم يكن بريئاً أو عفوياً، فحتى الإهمال ـ إن كان الإهمال عذراً ـ قد كان متعمداً في جزء كبير منه، والمختصون السوفييت في علم النفس الاجتماعي، يرون أن هدف كارثة شرنوبل، تتمثل في تهيئة الرأي العام نفسياً، وتعويده على كوارث من هذا النوع ـ إن لم تكن أكبر ـ بحيث تشكل جزءاً من وعيه اليومي، فيجري بالتدرج، تبلد في أحاسيس المواطنين، مما يخفف ردود الفعل المحتملة، تجاه أي انهيار آخر في اتجاه لاحق.
وبالفعل، تتابعت بعد شرنوبل سلسلة من الكوارث من مستوى الكارثة الأخيرة (غرق باخرة الأدميرال ناخيموف في البحر الأسود بسبب سخيف، تأخر المساعدات إلى ضحايا الزلزال في شينابكرات في أرمينيا).

النهب.. والانهيار
وقد يعد في سياق المبالغة إجراء مقارنة بين حدثين، اجتمعا في مسبباتهما، واختلفا من حيث التباعد الزماني والجغرافي فيما بينهما. لكن  حتى لا تجري الاستفادة من مأساة سد زيزون بالخروج باستنتاجات توظف، بمنأى عن مصلحة البلاد وتطورها الاقتصادي، لابد من الاعتراف بصراحة، بأن الفساد الناتج عن النهب الجاري خلال سنوات طويلة، كان سبباً مباشراً وغير مباشر فيما حدث، فالمشكلة لا تكمن فقط في المواصفات الإنشائية الناقصة ـ إن حدث ذلك ـ وإنما تتعداها إلى شكل استثمار مياه السد، الذي كان يخزن منها كميات تفوق القدرة النظرية للسد على التخزين، لتأمين «احتياطات سوداء» تباع في «السوق السوداء» بالتواطؤ ما بين الإدارات المختلفة، وقوى من السوق. وتدل الحسابات التقريبية، أن عملاً كهذا، كان يؤمن لأصحابه نحو /200/ مليون ليرة سورية سنوياً من الأرباح الطفيلية على حساب ملكية الدولة ولقمة الشعب، مع العلم أن حجم المياه المحتجزة خلف السد تماثل حجم العرق المبذول من المواطنين لتوفيرها.

بني سد زيزون عام 1996 على نهر العاصي وذلك لري المناطق الريفية المحيطة بدلا من النواعير (السواقي) الخشبية القديمة التي أصبحت اليوم مزارا سياحيا.

وكان من المقرر أن يروي السد مساحة 14600هـ من مشروع الاستصلاح، وان يؤمن 36 مليون م3 تكفي لأربع ريات في الأراضي الزراعية خارج مشروع الاستصلاح.

تجاوزت كلفة السد 750 مليون ليرة سورية ولكن مع محطات الضخ والتوابع بلغت التكلفة ملياراً ونصف مليار ليرة، والغاية منه ري 14600 هكتار، ونموذج جسم السد (الحاجز) ركامي بنواة غضارية مركزية وارتفاعه يصل إلى 43 مترا، وطوله حوالي ستة كيلو مترات وحجم التخزين 71 مليون متر مكعب.

شركة الدراسات المائية، هي الجهة الدارسة للسد والتي أشرفت على تنفيذه من قبل فرع شركة ريما بحماة، مع وجود مراجع استشاري هندي هو مكتب «وابكس» حيث أن تمويل السدّ جاء أساساً من قرض قدمه الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الذي اشترط وجود مراجع استشاري.

إجراءات:
- تعويض لأسر ضحايا انهيار السد 6000 دولار.
- وصول عدد المعتقلين إلى نحو الخمسين.
- المباشرة بدراسة الموقع الذي ستقام عليه القرية البديلة لزيزون.
- وزارة الصناعة مستعدة لتقديم ملابس وأقمشة ومواد غذائية و مواد طبية.
- تأمين متطلبات إقلاع معمل السكر في دورة تصنيع الشوندر السكري.
- مؤسسة «صيدلية» توفر المستلزمات والأدوية الطبية.
- قدم محافظ إدلب بعض المعونات المالية والعينية للعديد من المواطنين المتضررين.
- قدمت غرفة تجارة وصناعة حمص تبرعات مالية لمساعدة المتضررين.
- دراسة إعادة تأهيل الشبكات المتضررة و استبدال التفريعات وعدادات المشتركين على نفقة شركات الكهرباء.
- فتح حسابات للمتبرعين في المصرف التجاري السوري والمصرف العقاري بحماة.
- وزارة الري شكلت لجنة طوارئ لتنسيق جهود الإنقاذ وتحديد سبب انهيار السد الذي شيد في عام 1996.
- ألقت مروحيات الجيش مواد غذائية وبطاطين وخياماً على المناطق المنكوبة التي انقطعت عنها الكهرباء وإمدادات المياه النقية.
- أجلي سكان بشيت وقاستون وزيارة وقرقور إلى مناطق بعيدة عن موقع المياه.
- التحقيقات تشمل وزير الري السابق المهندس عبد الرحمن المدني والمديريْن السابقين لحوض العاصي المهندس صافي خيربيك و المؤسسة العامة للإنشاء والتعمير (ريما) بسام الناصر و المؤسسة العامة للدراسات المائية مفيد ابراهيم، و احد المديرين في حوض العاصي رفيق أبو ديب ومهندسين في الدراسات المائية. و المدير الحالي للدراسات المائية المهندس غسان رستم.
- تغيير تسمية القرية من زيزون إلى الأمير الوليد بن طلال!!.

مساعدات:

- دعت سورية الأمم المتحدة إلى تقديم مساعدات عاجلة لمواجهة هذه الكارثة.
- أعلن الأمير الوليد بن طلال عن عرضه إعادة بناء نحو 500 منزل ومستشفى وعدد من المدارس والمساجد وإعادة تشييد شبكات البنية الأساسية للمرافق.
- مساعدات من البحرين عشر شاحنات من المواد الغذائية والطبية والخيام والحرامات والملابس.
- شحنة مساعدات طبية من رابطة الأطباء السوريين في النمسا.
- طائرة ليبية تحمل مساعدات للمتضررين 2000 حرام مزدوج.
- مساعدة من الحكومة اليابانية تتضمن أدوات منزلية ومواد غذائية إضافة إلى مجموعتي توليد كهربائيتين.
- الحكومة اليابانية سترسل مجموعة من الخبراء الفنيين لدراسة إمكانية إعادة تأهيل السد إضافة إلى تأهيل المنطقة. وسيتم إنشاء مركز صحي في قرية المشيك كمساعدة من الحكومة اليابانية.
- أربعون شاحنة فيها 800 طن من المواد الغذائية والطبية والمنزلية والخيام والبطانيات من الكويت وعشر سيارات نقل 1600 كغ لاستخدامها في عمليات الإغاثة.
- 24طائرة عراقية محملة بالمساعدات الإنسانية والطبية والمواد الغذائية وإرسال فريق طبي وصحي.
- المساعدات من الحكومة الإيطالية وعد بالمساهمة في الأمور الفنية المتعلقة بإعادة إعمار المنطقة وتأهيلها.
- الحكومة اليابانية قدمت 40 ألف دولار مساعدة أولية.
- الولايات المتحدة تنوي تقديم مساعدة مالية عن طريق الأمم المتحدة.

الخسائر

- وفاة 22 شخصا.
- أربعة في عداد المفقودين.
- فقدان 12121رأس غنم
- فقدان 319 رأس بقر.
- فقدان 3180 خلية نحل..
- تهدم 251 منزلاً تهدماً كاملاً.
- تهدم 129 منزلاً تهدماً جزئياً.
- تصدع وتشقق بعض المنازل.
- تضرر شبكات الكهرباء والطرق والمياه والهاتف والصرف الصحي.
- تدمير محطة ضخ سدي زيزيون وقسطون  (SPK1-3).
- تضرر المحطة (SPK 1-2).
- الإضرار بمشروع استصلاح 17400 هكتار الذي يشمل أنابيب ري مطمورة في الأراضي التي غمرتها المياه وشبكات الصرف المثقبة /PVC/ وشبكات وأقنية الصرف المكشوفة.
- أضرار مختلفة لـ 1700 مواطن.
- تضرر بعض المدارس ومركز الاتصالات الهاتفية ومركز إنعاش الريف الصحي والمستوصف ومستودعات المصرف التعاوني الزراعي.
- تلف كامل المواد الغذائية والتموينية لحوالي 67 مخزناً. و إتلاف أثاث حوالي مئة منزل.
- تلف محاصيل زراعية وأشجار ضمن مساحة قدرها حوالي ثلاثة آلاف هكتار.
- انهيار جزء من الجسر الروماني الذي لم يعد صالحا لحركة السير.
- فقدان السد لوظيفته في تأمين الري للقرى المجاورة وتضرر محطتي ضخ زيزون وقسطون.
- تضرر وغمر حوالي 5503 هكتارات من محصول القطن و 2795 هكتاراً من محصول الشوندر السكري و12250هكتاراً من محصول القمح و 952 هكتاراً من الخضار.
- الإضرار بالبنية التحتية لمشروع استصلاح 17400 هكتار من الأراضي الزراعية ضمن مشروع استصلاح الغاب.

مسببات!!..

- مشكلة إنشائية في القسم العلوي من السد.
- مشكلة استثمارية بسبب تخزين مياه تزيد عن الطاقة النظرية للسد.
- مضخات غير نظامية تضخ المياه من البحيرة.
- الأعمال المنقوصة به حالت دون استلامه النهائي والقانوني من المتعهد.
- شكوى منذ أكثر من سنة من سرقة 300 طن من الحديد.
- مصفاة السد كانت مسدودة منذ أيامٍ عدة بالبقايا والأوساخ.
- المؤسسة العامة للسكك الحديدية خاطبت المديرية العامة لحوض العاصي قبل عشرة أيام من الانهيار، لافتة انتباهها إلى عملية الترشيح والتسرب التي بدأت تثير الانتباه بشكل غير طبيعي وأنها قد تؤثر على خط سكة الحديد المارة من المنطقة.
- الأهالي حذروا المهندسين العاملين في السد من وجود تسربات في جسم السد لكنهم قالوا للناس: أنتم فلاحون لا تفهمون في هذه الأمور.
- سدا أفاميا B، وأفاميا C في حماة.. يعانيان من خللٍ ما يدل على عدم دقة بالدراسات.

الاصلاح الحقيقي الشامل.. في مواجهة الفساد المستشري

إن انهيار 4 حزيران الماضي بعد ثلاث سنوات على إنشاء السد كان سيحصل عاجلا أم آجلا بسبب العيوب الإنشائية، علما أن أي مشروع هندسي من هذا النوع يفترض أن يكون عمره الفني مئة عام. ويعود إلى سببين هما: الأول، إنشائي يكمن في سوء تنفيذ الجزء الأعلى من جسم السد والثاني، استثماري يتلخص في الاستمرار في عمليات الضخ لتأمين كميات إضافية من المياه لاستيعاب التوسع في شـــبكة الري إلى أراضي الغــاب القريبة مما رفع كمية المياه عن طاقة البحيرة البالغة كحـــد أقــصى 71 مليون متر مكعب، علماً أن المشرفين لم يوافقوا علي عمليات الضخ تلبية لحاجات الفلاحين. كما لم تجـــر الإفادة من وســـائل الحماية الإضافية لدي حصول تشققات في جسم السد لدى ملاحظة تسربات في المياه من تحت الجدار البيتوني في 28 أيار (مايو) الماضي.

بدأت شركة الإنشاء والتعمير (ريما) تنفيذ المشروع العام 1989 وفق تصميم مؤسسة الدراسات المائية الحكومية، حيث توقف العمل عام 1994 بسبب عدم وجود اعتمادات مالية. وحصل انفجار في طبقة الغضار مكان حصول الانهيار الأخير في شتاء 1995، إلى أن أنجز المشروع في العام 1996 بطول نحو ستة كيلومترات وارتفاع 43 مترا وكلفة تبلغ 750 مليون ل س.

خروقات..

كشفت وزارة الري السورية أنها تلقت في 11 شباط من عام 2001 كتابا من كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق يحذر من خروقات لاحظها الدكتور ميشل العيسي رئيس قسم الهندسة الجيوتكنيكية لدي زيارته عدداً من السدود بينها زيزون. ومن هذه الخروقات وجود محجوز مائي خلف السد لا يتناسب مع حجمه المبني ووجود تشققات طويلة أو عرضية وتسربات كثيرة عبر جسم السد وعدم وجود نظام مراقبة. حيث أن الإدارة المسؤولة عنه التي استمرت في ضخ المياه إلى بحيرة السد لتصل كمية تخزينها إلى 86 مليون متر مكعب، أي بزيادة 16 مليوناً عن الطاقة القصوى للسد.

وهنا تبرز نقطتان:

النقطة الأولى: إن المسؤولين على السدين يريدون تخزين مياه إضافية.

ويثبت ذلك ثلاثة أسباب:
أولاً: إن المؤسسة العامة للخطوط الحديدية أرسلت قبل عشرة أيام مذكرة خطية إلى مديرية حوض العاصي تحذرها من وجود تسربات مقلقة في جسم سد زيزون، وتسلمها رسالة من فرع مشروع الغاب عبر دائرة حوض العاصي تفيد أن الوضع سليم ولا خوف.
ثانياً: إبلاغ المواطنين المهندس حسين علوش مرات عدة عن وجود تشققات وتسربات في السد، وتحذيرهم المسؤول عن محطات الضخ بوجود ترشيحات في قمته، إضافة إلى أن إمام المسجد وقف علي مئذنة بلدة الزيادية قبل ساعات طالباً من الناس الهروب من منازلهم.
ثالثاً: ارتفاع المياه الموجودة في زيزون من 71 مليون متر مكعب إلى 86 مليوناً وفي سد قسطون من 27 إلى 30 مليوناً مع الاستمرار في إغلاق مفيض السد في القمة.

«تجارالحياة»
النقطة الثانية: أن أشخاصا يريدون التجارة بالمياه وتوفير اكبر كمية ممكنة منها لـ بيعها في اشهر الصيف، خصوصاً أن معلومات أفادت عن وجود مضخات غير نظامية تضخ المياه من البحيرة.
خاصة مع وجود صهاريج تبيع المياه الفائضة عن السد للمزارعين بما قيمته 200 مليون ليرة سورية على الأقل في الموسم الواحد.

التلاعب بالمساعدات!!
ومن الجدير بالذكر أن كميات كبيرة من المساعدات يجري التلاعب بها وذلك ضمن دورة الفساد المتكاملة بدءاً من الاستفادة من السد أثناء بنائه وأثناء وجوده وحتى عند انهياره وذلك عبر بيع المساعدات في السوق السوداء وسرقتها من قبل بعض المتنفذين. ويستطيع المراقب العادي مشاهدة حرامات المساعدات تباع في السيدة زينب وفي المنطقة المنكوبة ذاتها حيث يباع الحليب والمعلبات والحرامات على الطرقات هذا إذا نسينا التوزيع غير العادل لمواد الإعانه على العائلات الكبيرة والصغيرة.

المحاسبة.. والعلنية
وأخيراً لابد لنا من القول  أن أمرين قد يحدثا في البلاد، إذا عمل أحدهما «غرق» عمل الآخر، ألا وهما الإصلاح الاقتصادي الحقيقي الشامل، والفساد المستشري.
وإذا ما أرادت بعض الجهات  تغليب الأول على الثاني، وجبت محاسبة المسؤولين والمفسدين و«تجارالحياة»، وهذا لايمكن  أن يتم دون إتاحة الفرصة للمواطنين كي يساهموا في تطبيق هذا المبدأ، وذلك حفاظاً على لقمة المواطن، والملكية العامة.. فمحاربة الفساد والنهب، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، تتطلبان أكبر قدرٍ ممكن من العلنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
178