مشكلة محو الأمية .. الواقع وآفاق المستقبل
كانت مشكلة الأمية ومازالت من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع العربي، وتقف عائقاً في طريق نموه وتطوره. وإن قراءة علمية واعية لما يصدر عن المكتب المركزي للإحصاء، تجعلنا نصاب بالذهول، فقد بلغت نسبة انتشار الأمية 46% في سورية، بالرغم من توسع التعليم أفقياً وعمودياً. ولكن كيف حدث ذلك وثمة وزارة للثقافة، ومديرية لمحو الأمية وتعليم الكبار تضع الخطط لمكاتب محو الأمية في المحافظات ومجلس أعلى لمحو الأمية برئاسة رئيس مجلس الوزراء؟ إنه سؤال كبير، ولايمكن الإجابة عنه إلا إذا عرفنا حزمة من المعطيات والأسباب التي أدت إلى هذه النتائج.
قطع روافدالأمية بشكل حاسم، بوضع قانون التعليم الإلزامي موضع التطبيق العملي ..والانطلاق نحو محو الأمية الثقافية والتكنولوجية.. حينئذ يصبح شعار العلم للجميع ليس مجرد حلم بل حقيقة واقعة
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا استطاعت بعض الشعوب أن تمحو أمية شعبها قبل نهاية القرن التاسع عشر كالشعب الياباني؟ حيث نفذت اليابان برنامجاً وطنياً لمحو الأمية استغرق تنفيذه ثلاثة عقود بين عامي 1865 ـ 1895. مع العلم أن مشروع النهضة العربية ابتدأ قبل مشروع النهضة اليابانية.
للإجابة على هذا السؤال، نقول: بالرغم من صدور قانون التعليم الإلزامي منذ عام 1974، وتشكيل مكاتب محو الأمية في جميع المحافظات منذ أكثر من عقدين إلا أنه لا يوجد برنامج وطني لمحو الأمية على مستوى سورية، يهدف فيما يهدف إليه القضاء على الأمية ضمن فترة زمنية محددة. وليس هناك التزام بتنفيذ الخطة السنوية الموضوعة من قبل اللجنة العليا لمحو الأمية أو اللجان الفرعية في المحافظات.
وإن ما تقوم به مكاتب محو الأمية مقارنة مع الأعداد الهائلة من المتسربين من المرحلة الإبتدائية، يشبه إلى حد بعيد سباق الأرنب والسلحفاة، ففي عام 1994 والنصف الأول من عام 1995 بلغ عدد المتحررين من الأمية 70164 متحرراً منهم 37685 متحرراً و 32479 متحررة، بينما بلغ عدد المتسربين من المرحلة الإبتدائية لعام 1995 / 360000/ تلميذ.
وفي الحقيقة إذا ما أردنا القضاء على الأمية، لابد من توفر الإرادة والقرار السياسي والبرنامج الوطني الذي يجب أن نوفر له كل عوامل النجاح وليكون شعبنا في قلب العصر شريكاً مع بقية شعوب العالم في صنع الحضارة الإنسانية.
ولكي نضمن نجاح البرنامج الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار، ينبغي القيام بسلسلة من الخطوات التنفيذية، وبدعم لا محدود من كافة الوزارات، والجهات الرسمية، ورئاسة مجلس الوزراء. أهمها:
1. القيام بإحصاء الفئات العمرية ما بين /13 ـ 45/ سنة في المدينة والريف على مستوى سورية، الذين يصنفون في عداد الأميين.
2. إعداد نموذج للبطاقات الخاصة بكل مواطن أمي، والسجلات اللازمة التي تتضمن كافة المعلومات والبيانات الخاصة بالأميين.
3. إصدار قوانين تقضي بأن من لا يلتزم بحضور الدروس في صفوف محو الأمية، لايوظف في أي من قطاعات الدولة أو القطاع الخاص. ولا يحصل على وثيقة رسمية حكومية أو أي قرض من البنوك، ويعرض نفسه للغرامة والسجن يرافق ذلك بعض التشريعات التي تشجع وتحفز على الانخراط في صفوف محو الأمية، التي تتضمن إعفاء الفلاحين من بدل سقاية أراضيهم الزراعية بنسبة معينة، وبيعهم البذار بأسعار تشجيعية خاصة، ومنح العمال الدراسين في صفوف محو الأمية ساعات إضافية مأجورة لقاء قيامهم بعملية التعلم، ومكافأة العمال الذين يتقدمون في عملية التعلم بشكل ملحوظ.
4. إعداد أجهزة محو الأمية الإدارية والتنفيذية إعداداً علمياً، وذلك باتباعهم دورات تأهيل يشرف عليها ويحاضر فيها أساتذة مختصون في مجال محو الأمية وتعليم الكبار. كل ذلك للنهوض بمستوى الأجهزة العلمي وتحسن أدائها وحتى تكتمل عملية الإعداد، لابد من توفير الحوافز المادية لهذه الأطر القيادية حتى تتمكن من تنفيذ البرامج والخطط بشكل جيد.
5. تخصيص جزء من موازنة الدولة يتناسب مع حجم المشكلة، وهذه المبالغ المرصودة تصرف على تمويل دورات تأهيل الأطر المكلفة بالتعليم في صفوف محو الأمية وتعليم الكبار، كما يخصص جزء منها لمكافأة المحاضرين في هذه الدورات بصورة تتناسب مع ما يقدمونه من خبرات وجهود، وكذلك للمعلمين الخاضعين لهذه الدورات لتكون حافزاً لهم للبذل والعطاء بشكل يتلاءم مع مشاريع التنمية.
6. قيام بعض الكليات في الجامعة وبخاصة كلية التربية بإعداد وتدريب الأطر العاملة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، بما ينعكس إيجابياً على عملية التعلم، ويتناسب مع خطورة مشكلة الأمية على المجتمع والدولة.
7. إن لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة دوراً مهماً في عمليات محو الأمية وتعليم الكبار، ويجب أن يشرف على التخطيط له أناس ذوو خبرةعالية في إنتاج البرامج التفزيونية والإذاعية التي تستهدف شرائح الأميين في بيوتهم وأماكن عملهم، كما يجب إنتاج بعض الملصقات المعبرة يقوم بتصميمها فنانون مبدعون، تتولى المؤسسة العامة للإعلان إبراز هذه الملصقات في كل المدن والبلدات والمناطق.
8. بموازاة المدارس الإبتدائية الرسمية يجب بناء مدارس خاصة لتعليم الكبار، تتألف من ثلاثة صفوف وغرفة للإدارة بالحد الأدنى، ويتوفر على إدارة هذه المدرسة مدير مؤهل تأهيلاً تربوياً، يشرف وينفذ خطط وبرامج اللجنة العليا الوطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار، ويقوم بالتعليم في هذه المدرسة معلمون مدربون ومتفرغون حصراً لتعليم الكبار. وهذه المدرسة يجب أن تتوفر فيها كل وسائل راحة المتعلم، وكل وسائل الإيضاح والتقنيات الحديثة المساعدة على نجاح عملية التعلم والتعليم على حد سواء.
وحتى تكلل هذه الخطوات المذكورة آنفاً بالنجاح، لابد من قطع روافدالأمية بشكل حاسم، وذلك بوضع قانون التعليم الإلزامي موضع التطبيق العملي وبصورة أكثر جدية من ذي قبل.وننطلق نحو مرحلة أعلى ألا وهي محو الأمية الثقافية والتكنولوجية، ومن ثم وضع المجتمع بأكمله في قلب العالم المعاصر، وحينئذ لا يصبح شعار «العلم للجميع» مجرد حلم بل حقيقة واقعة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 178