فنانة تشكيلية سورية تطرد القنصل الأمريكي من مطعمها: كم كنت أتمنى أن يكون جورج بوش مكان القنصل
«اذهب وقل لجورج بوش: إن تأييدكم الصارخ لاسرائيل لايسمح لي أن أستقبلكم في المطعم.. إنكم غير مرغوب بكم هنا. تفضل واطلع برا»
بعد أن تحول رعاة البقر الأمريكان إلى رعاة لشؤون البلاد والعباد.. ضاق الهواء.. اتسعت مساحات المجازر.. غطت رائحة البارود والدماء أرجاء الكون... أريق الدم الانساني من كابول حتى القدس... سال الدم الفلسطيني من جنين ورام الله والأقصى وكنيسة المهد... ليغطي شاشات التلفزة وحقول البرتقال... أسقط الصمت أوراق التوت عن خبايا الحكام... تُوّج شارون سفاح الألفية الثانية والثالثة بأنه «رجل سلام الكون» بالإرادة البوشية الأمريكية.. بعد أن تعمد بدماء أطفال الحجارة في فلسطين «مهد الإرهاب العالمي»!... وقف العالم على رأسه ليرى الحقائق بمنظار نظام عالمي جديد..
ضاق الهواء.. فاتسعت الشوارع والقلوب لتطلق الصرخة الانسانية المدوية بوجه الخراب الشامل الذي بدأ يبتلع الأجساد بعد أن أنهك النفوس...
ماذا يمكن أن أفعل أو نفعل؟؟!.. سؤال ارتسم بقدر الهلاك... لتبدأ المقاومة...
السيدة مجد نيازي الطباع، فنانة تشكيلية ترسم أحلامها باللون أملاً بالخلود للسكينة والأمان... لقبت زوجها الذي تحب بـ «أوكسجين» علها تتنفس الحياة.. وعند افتتاحه لمطعمه، أصرت كذلك أن تسمي المطعم بـ «أوكسجين»..
ومع بداية الاجتياح الشاروني لمدن السلطة الفلسطينية، لم تكن مجد الدمشقية تمتلك غير البكاء اليومي من صور المجازر والمذابح بحق أطفال ونساء وشباب وكهول فلسطين.. وكغيرها لم تكن تستطيع أن تفعل شيئاً..
فجأة.. تحولت تلك السيدة الباكية الى رمز للمجد.. في زمن ضاقت به كذلك مساحات الانتصار... وانهالت عليها وكالات الأنباء والصحف العربية والأجنبية لتسألها: كيف تمكنت من توجيه صفعة للصلف الأمريكي عبر طرد قنصلها من مطعمك، في زمن تخاذل الحكام والحكومات...
«قاسيون» بدورها التقت السيدة مجد، وسجلت هذا المشهد الوطني:
- تعددت الروايات حول قيامك بطرد القنصل الأمريكي.. منهم من أسماه بالسفير.. ومنهم من أضاف العديد من التفاصيل.. مالذي جرى؟..
ماجرى كان أمراً عفوياً.. ولم يتطلب مني جهد التفكير والحساب.. وأعتقد أن أي مواطن آخر لو كان مكاني لفعل الشيء نفسه.. فالمحطات الفضائية تتناقل صور المجازر الفظيعة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.. والحكام نيام وكأن شيئاً لم يكن.. والأمم المتحدة تقف متفرجة على تلك المجازر.. وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وتآزر المجازر الصهيونية بكل وقاحة لدرجة أن جورج بوش اعتبر شارون «رجل سلام في مواجهة الارهاب»!!.. يجري كل ذلك والحكام العرب يتفرجون.. وبعضهم متمسك بسفراء الكيان الصهيوني على أرضهم، بل ويقمعون التظاهرات المنددة بالولايات المتحدة الأمريكية وبالعدوان الصهيوني...
كنت أبكي بشكل يومي من هذه الفظائع.. لدرجة الاختناق... وفي مساء أحد الأيام كنت موجودة في مطعم زوجي عارف الطباع والذي أسميته «أوكسجين».. وشاهدت القنصل الأمريكي في دمشق روبرتو باورز يدخل الى المطعم، حيث يتردد لمطعمنا بين فترة وأخرى... لم أتحمل رؤيته كممثل لحكومة الولايات المتحدة الارهابية.. تقدمت نحوه وقلت له: «اذهب وقل لجورج بوش: إن تأييدكم الصارخ لاسرائيل لايسمح لي أن أستقبلكم في المطعم.. إنكم غير مرغوب بكم هنا. تفضل واطلع برا»!..
- وهل خرج فوراً؟!
لم يصدق ماسمعه.. ارتبك وامتقع لونه.. وخرج هو وصديقه بعد دقائق دون رجعة..
- أيرتاد المطعم أمريكيون آخرون؟!
نعم، ان غالبية رواد مطعمنا من الأجانب، ومنهم مواطنون أمريكيون.. وبالمناسبة أنا لست ضد الشعب الأمريكي، أنا ضد ممثلي الحكومة الأمريكية.. لأنهم يمثلون سياستها العدائية ضد الشعب الفلسطيني وشعوب العالم أجمع .. ولم أطرد القنصل بصفته الشخصية، وإنما لصفته الحكومية..
كيف كانت مشاعرك بعد طرده؟!
بصراحة أقول لك إنني أحسست بالحرية تغمرني واستعدت التوازن والانسجام مع ذاتي.. بعد أن عشش في أعماقي خجل داخلي نتيجة مايجري من مجازر وحشية.. نعم لقد أحسست بعدها أنني حرة.. ماقمت به هو موقف صغير وبسيط.. ومع ذلك من يومها لم أعد أبكي... لقد «فشيت قلبي» وقلت لممثل الحكومة الأمريكية «لا، حاج»!!
- وهل يتنافى طردك له مع «مفهوم الضيافة العربية» التي مازال يتمسك بها بعض الحكام العرب الذين لم يطردوا حتى الآن سفراء الكيان الصهيوني، ولايقاطعون الشركات والمصالح الأمريكية؟!..
السياسة الأمريكية سياسة وقحة تجاه الشعوب.. يريدوننا أن نقف صامتين ومتفرجين أمام المجازر التي يرتكبونها من خلال حصارهم وإبادتهم للشعب الفلسطيني.. وبكل وقاحة كذلك يتغزلون بالسفاح شارون ويصفونه بأنه رجل سلام وهو يقطر بالدم الفلسطيني.. وبوقاحة أيضاً يطلبون من الشعب الفلسطيني أن يتوقف عن ممارسة الإرهاب.. هذه هي الوقاحة بعينها التي تصدر عنهم.. إنهم يستفزون مشاعرنا.. كم كنت أتمنى أن يكون جورج بوش مكان القنصل..
السياسة الأمريكية تمثيل صارخ لازدواجية المواقف.. ولكن هناك الكثير من السياسيين المتملقين الذين يقولون شيئاً، ويمارسون النقيض..
- هذا صحيح.. وهذا النموذج يعبر عن ضعف في مقومات الشخصية وانتقاص في الحرية الداخلية.. وردود أفعالهم تحكمها الظروف المتغيرة والحسابات المريضة اللامتناهية.. وبالنتيجة هم غير قادرين على اتخاذ المواقف الحقيقية التي يجب أن تتخذ..
- كيف كانت ردود الأفعال لعملية الطرد؟!
لا أستطيع أن أصدق كم كان الاهتمام بما جرى كبيراً الى هذا الحد.. اتصالات وفاكسات يومية تأتيني من دول عربية وأجنبية من أناس لاأعرفهم.. وكتب أحدهم: «عار أن تفعل إمرأة مالم تفعله حكومات..».. كما اتصل بي مراسلو الكثير من الصحف ووكالات الأنباء.. رويتر، اسيوشيت بريس، الـ إم بي سي، وهيئة الإذاعة البريطانية... وأقرأ على العديد من مواقع الأنترنت: «إمرأة سورية تطرد القنصل الأمريكي»..
والأهم من كل ذلك أن زوجي وأبنائي والأصدقاء فخورون بي..
- ألم تواجهي موقفاً معاكساً؟!
نعم، لامني البعض قائلاً: لقد خسرت فرصة السفر لأمريكا وإمكانية متابعة أبنائك الدراسة بها!!..
أجبتهم: أنه شرف كبير لي في أن لايعطوني (الفيزا) لبلادهم.. بالأصل لايشرفني السفر الى هناك.. ومن المستحيل أن أقبل بإرسال أبنائي للدراسة عندهم..
- وما هي أخبارك الفنية كفنانة تشكيلية؟!
شاركت سابقاً بالعديد من المعارض الجماعية.. وكنت أحضر نفسي لافتتاح معرضي الفردي الأول.. إلاّ أنني أجلت ذلك الآن كي لايلوث البعض شرف ماقمت به ويعتبرونه دعاية فنية لمعرضي..
إنها وميض في زمن الصمت.. انها صرختنا.. انها مجد نيازي الطباع.. حقاً إنها مجد...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 174