سورية في المرحلة الحرجة: التحديات والفرص

الزمن: زمن الشرق العربي، والبيئة الإقليمية الحاضنة، يعمل على إيقاع متسارع، بينما سورية وإدارتها تعمل على إيقاع زمن متباطئ إلى حد «الملل».
كتب وقيل الكثير عن سورية والزمن وقدرتها وآلياتها على الاستثمار فيه، وكثيرا ما حملت النتائج مفاجآت بالجملة، لم تك كلها في صالحها وخياراتها، وطريقتها في الاستثمار بالزمن.
وصفت وقيادتها بأنها رجل الربع الساعة الأخيرة، وقيل إن «الأجندة» السورية وتوقيتها بحكم تصرفاتها لا ردود الأفعال وما يفترضون، والمؤكد أن سورية كانت لا تقيم الكثير من الأهمية لعمل الزمن، وفرص نفاده، لأسباب وتفسيرات مختلفة، يصح فيها توصيف أحدهم: أن السوري لا يأكل الفاكهة إلا في موسمها «ناضجة ورخيصة الثمن» و«يا خبر اليوم بفلوس بكرا ببلاش».

تلك أمور مشهودة يمكن تلمسها في تفاصيل الحياة السورية، وتقاليدها، ناهيك عن المعاملات الحكومية، وتعقيداتها والزمن المطلوب لإنجاز أبسط معاملة، مضافا عليها طريقتها في التعامل مع التكنولوجية ومنتجاتها، فلم تدخل واحدة منها إلا بعد أن نسقت أجيالها من البلدان الأخرى: الفاكس، الحاسوب، الخلوي، الماستر كارد، الانترنت، الإعلام الخاص....
إذاً: هذه طريقة سورية، وهذا تقليد متوارث صار عادة، على عكس ما قيل فيها إنها قلب نابض والأكثر دينامية وحيوية، متخصصة في إنتاج الحضارات وتفاعلها، واحتضان الديانات، والعقائد القومية الملتهبة.
سورية المطمئنة إلى حماية الله، على توصيف الرئيس في خطاب مدرج جامعة دمشق ساعة كانت الكلمة حاسمة في تقرير مسارات أحداث الإقليم، وما تلاه من خطب ومقابلات، يبدو أنها لم تعد حرة في اختيار الزمن المناسب للرد المناسب، ولا هي باتت كما كانت، كلمة الفصل، وجامع الأضداد، وحارس التضامن العربي والقطب الثالث في نظامها الأمني، والممسك بعصا المجد من أطرافه، تجيد لعبة التوازنات الدقيقة فلا ترمي ورقة إلا بعد أن تقبض ثمنها وبعد أن تمسك بثلاثة بدائل.
سورية اليوم، في حال مختلفة في بنيتها وتوازناتها وتاليا في خياراتها وفي بيئتها، والزمن يعمل معها وعليها، بطريقة مغايرة.
فهل ترتقي إلى ما يجب أن تكون؟ وهل تتنكب مسؤولية النهوض بالمهام الملقاة عليها؟ بل هل تستطيع أن تلبي الحاجات الضاغطة، والارتقاء إلى دور قيادي شاركت في صناعة مقدماته؟
أسئلة كثيرة تطرحها المرحلة الحرجة التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية عامة، وبلاد الشام، وفي القلب سورية، فما كان قد رحل، وما أسهمت بإنجازه صار في الماضي يضعها أمام مهام من طابع جديد، إن نجحت تكون قد استثمرت بما أنجزت، وأجادت البناء على البناء، وإن تلكأت تكون قد فرطت، لا يعوضها العيش في أهواء الماضي وعلى هوامشه، وقول الشاعر محفوظ: لا تقل أصلي وفصلي أبدا إنما أصل الفتى ما قد حصل.
 
من قلب الأمة إلى قلب الأزمات!
تقع سورية في قلب أزمات متفجرة، ليست ببعيدة عن مؤثراتها، ومطلوب منها التزامات، ورؤية، ومشروع، وبنية، وجهد، ودينامية مختلفة تتناسب مع التحديات، وتستثمر بالفرص.
سورية بيت قصيد التحالف العربي الأميركي الإسرائيلي المقام باستعجال، وزيارة رايس الأخيرة، وقبلها التحالف الفرنسي الأميركي مرورا بقرار ,1559 إلى الحرب العدوانية الإسرائيلية وقرار 1701 والحشود الأطلسية في بحر لبنان، وأرضه، مؤشرات وأحلاف، وخطط لإسقاطها، عبر الاحتواء والتفخيخ أو عبر التفجير والحروب، فالهدف واضح وان اختلفت الوسائل.
كتبنا في المنبر ذاته بعد انسحاب سورية تحت عنوان: «سورية بعد الانسحاب لن يدعوها تستريح ولو سدت منافذ الريح»، ثم كتبنا تحت عنوان: «سورية المستعجلة إلى اقتصاد السوق تنعطف يمينا أم تنفجر» وصح ما عالجنا وما استنتجنا يومها، واليوم لا بد من إثارة نقاش جدي، في سورية، ومع سورية، وحول سورية، عن مستقبلها، وعن مدى قدرتها على تجسيد خيار المقاومة، والالتزام بما قاله الرئيس في خطابه أمام الصحافيين عن ولادة الشرق العربي الجديد، وعن مسارات المستقبل الذي تقرره المقاومات، ومن يراهن عليها، وعن أنصاف الرجال، وعن المنتج الإسرائيلي في لبنان.
في البيئة معطيات جديدة تجعل ما كان من طريقة في إدارة الصراع قاصراً ومأزوماً:
انتصار المقاومة على إسرائيل في حرب شبه نظامية، أحدث تغييرات في البيئة الاستراتيجية للصراع العربي الصهيوني، وفي قدرة مشاريع الغرب للمنطقة، وتاليا في المخططات والاستهدافات ووسائل تحقيقها.
 
انتصار ولكن..
أدخل الانتصار المنطقة في قطبية التجاذبات، واستعجل ولادة حلف عربي إسرائيلي أميركي أوروبي، لا يخفي أن هدفه سورية ودورها في حماية المقاومات واحتضانها، ولا يخفي خططه لاحتواء الصراع العربي الصهيوني <الاعتدال> بإعادة تفويض أميركا لتسويق المشروع الإسرائيلي، بما في ذلك انخراط إدارات عربية وازنة في مهمة تصفية المقاومة الفلسطينية، وشطب حزب الله، والعمل على إنضاج بيئة مناسبة لحرب ضد إيران، أو سورية، أو كليهما. أي أننا دخلنا مرحلة حرجة وجادة جدا، فعرب النظم والمشروع الغربي برمته يدركون أن مشروعهم ومصالحهم ومستقبلهم في ساعة حاسمة إما أن ينتزعوا النصر أو الهزيمة المحتومة، والنصر أو الهزيمة تاريخية مؤسسة لعصر آخر على ما قاله السيد حسن نصر الله.
الحملة على إيران بلغت ذروتها، والمؤشرات تتقاطر عن عمل عدواني قاب قوسين يستهدفها، والفتنة المذهبية جار تحضيرها وتخليق عناصرها المؤسسة على قدم وساق، امتدادا من باكستان، مرورا بلبنان، وبينهما العراق الذي يسهل اصطياد إيران فيها، وكذلك الإساءة إلى شيعية حزب الله ودوره في الحركة التحررية العربية والإسلامية.
بيئة بلاد الشام، ومحيط سورية المباشر، هي الساحات المتفجرة، وعليها وفيها ومعها تجري الحروب العسكرية، أي الصدام الجبهي المباشر، فالعراق من ناحية، ولبنان من الأخرى، وفلسطين من الثالثة، والأردن المتطوع هجوميا من رابعة، وتركيا المرتبكة بين ما يجب أن تكون وما هي عليه من خامسة، وفي الوسط سورية، والمعارضات السورية والحملات الإعلامية قائمة ومدعومة من البيئة ينخرط فيها شيراك وبوش وملحقاتهما الكثر.
في سورية نظامان، يمكن وصفهما للتخفيف من ثقل التوصيف بتيارين، واضحي المعالم، والمشاريع، والالتزامات، يمكن لأي متابع أن يقبض على عشرات الأدلة، والوثائق، والمؤشرات في توصيفهما والتعرف إليهما في زوايا سورية، ومؤسساتها، ودوائرها:
1ـ نظام وطني، ما زال على التزامات سورية القومية والوطنية، بل يرى في الجاري معطيات جديدة تؤكد صحة التزاماته، وخياراته، ويسعى لرفع وتيرة الاستعداد للمواجهة المحتومة على شاكلة ما، وفي ساحة ما ليست سورية نفسها بعيدة عنها، عماد هذا النظام/ التيار ثلاثة: الرئاسة وخطابها والتزاماتها الاجتماعية والسياسية، والوطنية. القوات المسلحة التي وصفها سيد المقاومة السيد حسن نصر الله بأنها جيش المقاومة وسياجها. الشعب السوري الذي يكشف يوميا عن روح وطنية قومية وثابة لم تهدأ ولم تتبدد، وأقرب الأمثلة ما فعله المواطنون مع النازحين اللبنانيين، امتدادا إلى ما يتحمله الشعب السوري من ضيق عيش، وضيق مساحات الحرية، وبلطجة الإدارة، وفساد كبير وصغير امتلك أصحابه الوقاحة والصفاقة إلى حد ممارسته جهارا نهارا دون رتوش.
2ـ النظام الآخر/ التيار الآخر/ نظام مضاد قوامه دعاة الليبرالية، ومواقع في السلطة التنفيذية والتشريعية «مواقع مفتاحية» وفي وسائل إعلامية، ولوبيات ضغط لتمرير وتزين الصفقات «للهبيشة»، مما يعزز بيئة الفساد المعمم في الإدارة والمجتمع، وما بينهما تيار لا يكف عن الترويج لمشاريع الصلح، والمساومة، وقبول الشروط الأميركية الإسرائيلية، والتساوق مع حلف المعتدلين، و«الانحناء» للعاصفة الأميركية وركوب قطارها. من علامات هذا النظام ما تم على مستوى الشراكة السورية الأوروبية، وما صارت عليه حزمة القوانين والمراسيم «الإصلاحية» التي جاوزت الألف منذ تسلم الرئيس موقعه، دون أن تترجم في أرض الواقع تحسنا ملموسا في حياة الناس أو علاقة الدولة بالمجتمع، مما دفع بالرئيس في مقابلته الأخيرة مع «البايبس» للاعتراف صريحا بأن مشروعه للإصلاح متعثر.
على أن هذا التيار، الليبرالي اقتصاديا، وسياسيا، هو في موقع متعارض حديا مع التيار الآخر في المسألة الوطنية والقومية انسجاما مع طبيعة الأشياء «كل إناء ينضح بما فيه»، يمكن تلمس الفوارق الحدية بين التيارين من وشوشات وإشاعات وحملات على خطب الرئيس وما يقال عنها من توصيفات تلامس التطاول والإساءة القاسية. والسؤال: كيف يستوي الأمر في سورية وهي واقعة على خط الفصل بين تيارين وازنين مدعومين بقوى وعناصر نوعية؟
 
واقع المبادرات الغائبة
معرفة هذا الواقع يساعد في تفسير حالة الارتباك، وغياب المبادرة، بل عدم الاستفادة من الزمن، والمناسبات، والفرص، وشاهدنا الطازج: غياب سورية عن قمة عدم الانحياز، وغياب الفاعلية السورية وافتقادها لأية مبادرات دبلوماسية وسياسية، ناهيك عن غياب المبادرات العملية على الاستثمار في الانتصار الذي هي شريك فيه كما يقول الإسرائيليون وكما قال السيد حسن نصر الله، وتاليا تراجع حضور سورية في الشارع العربي والإسلامي التحرري، والأنكى من هذا وذاك قبول سورية أن تظهر بمظهر التابع والملحق في الملف الإيراني والصراع والتسويات على دور إيران الإقليمي وفي المنطقة وما يمس الصراع العربي الصهيوني.
سورية أمام التحديات والفرص، لا تستطيع إلا أن تكون مبادرة، أي مبادرات ممكنة:
تواجه سورية تحديات نوعية بذاتها وبطريقة تعاطيها معها هي عمليا وبذاتها فرص، والمسألة أن تجيد الاستثمار في الفرص، وجبه التحديات أو تذهب بقدميها إلى المستنقع.
 
التحديات
1ـ أولى التحديات، والفرص، وأكثرها إلحاحا، وخطورة، تتقدم مهمة تحرير الجولان، فقد صارت تحدياً سافراً أمام الشعب والقيادة ولم يعد من مفر، فإما قبول سورية التخلي عن الجولان وافتقاد نظامها وحزبه لمشروعياته التاريخية الوطنية والقومية التي أمنت استقراره ورياديته، أو العمل الجاد على استعادة الجولان، بالمقاومة، وبالحرب إذا عجزت المقاومة بسبب تعقيدات الجولان، أو ولدت حرباً مفتوحة. فالاستثمار القومي في الساحة اللبنانية، والفلسطينية والعراقية على أهميته ومشروعيته لم يعد يعفي سورية من أن يكون لها دور مباشر عسكري بعد أن فرغت جعبتها الدبلوماسية والسياسية ووضعت وجولانها على رف المحاور الجديدة التي قررت أن إسقاطها أو احتواءها هو الهدف المعمول عليه، (لا يعنينا أن يقال إن المقاومة والحرب خيار مكلف، أو مغامرة وفي غير أوانها) فتلك بعد حرب لبنان، والجاري في فلسطين والعراق وما حققته المقاومة صارت ذرائع وحجج العاجزين بل المستسلمين.
2ـ ثاني التحديات والفرص: تظهير التحالف السوري الإيراني على حقيقته، وعبر تفاهمات والتزامات سياسية استراتيجية معلنة، بما في ذلك تحديد ما هو متفق عليه، وما هو أولويات، وما هو مختلف عليه، ما يلامس الصراع العربي الصهيوني، إلى إملاء الفراغ في الإقليمي، مرورا بالعراق، والتطمينات لمواطني منطقة الخليج، والشراكة المعروضة من قبل إيران في الملف النووي وعلومه، فالعرب كانوا، واستمروا، وسيكونون عنصر الحسم في نهوض المنطقة أو نكوصها، في بلورة تحالف أمن إقليمي، أو تدميره، في النهوض بالعرب والمسلمين أو في سقوطهم النهائي، وفي التاريخ شواهد كثيرة حاكمة يعرفها الإيراني والسوري والتركي، وغيره. فلم تقم حضارة وإمبراطورية في الإقليم لم يكن العرب أساسها، كالأموية والعباسية التي نتجت عن تفاهمات عربية فارسية، والعثمانية نتيجة تفاهمات عربية عثمانية، والأيوبية بتفاهمات عربية كردية، وامتدادا يقول الأستاذ أبو يعرب المرزوقي ان فتح الأندلس وسيادة العربي في أوروبا ما كانت لتكون لولا تفاهمات العرب والبربر. هذه حقائق لا بد أن تنجلي، وأن يعاد تلميعها واستحضارها، وكذلك حقيقة، أن أوراق إيران القوية في مفاوضاتها، وفي شق طريقها لحريتها ومكانتها هي بالأصل عربية، وساحات المواجهة والدماء التي تسفك هي عربية امتدادا من أفغانستان، إلى بيروت، والقدس مرورا بالعراق، وإذا كانت إيران تجيد الاستفادة والاستثمار في الفرص فعلى العرب، وفي مقدمهم سورية، أن يتقنوا هذا الفن السياسي المتقدم بامتياز.
3ـ قرر الرئيس الأسد أن عرب الأنظمة أنصاف رجال، وان 14 شباط منتج إسرائيلي، وسبق أن دعا إلى قيام جبهة مقاومة عربية عشية العدوان على العراق في مقابلة مع جريدة «السفير»، والتزم باسم سورية خيار المقاومة خياراً استراتيجياً، وتاليا وعلى نفس المنوال فالسلطة في العراق وفلسطين ليست بأفضل حالا من لبنان، وقد أعلنت رايس والاتحاد الأوروبي، وتحالف العرب «المعتدلين» أن مشروعهم يتركز في هذه النظم ورموزها، وهذا يفترض بسورية أن تبحث عن البدائل، وبدائلها المنطقية هي المقاومات والشعوب، ومستلزماتها إزاءهم كثيرة ليس أقلها السعي الدؤوب لحل مشكلات المقاومات في الدوائر المتفجرة، لجهة السلاح، وتأمين المنصات الإعلامية، وتاليا إنتاج المشروع السياسي الجامع الوطني والموحد، والمؤسس لإطلاق مرحلة مد قومية عربية تحررية متفاعلة ومتفاهمة مع البيئة الإقليمية، عماده التفاعل بين تيارات الأمة الحية الثلاثة، فليس غير سورية قادرة على لعب هذا الدور لما لها من علاقات مميزة ووثيقة مع طرفي الجهادية الإسلامية السنية والشيعية، ولكونها نظاماً علمانيا يقودها حزب قومي تحرري، في هذا يكتب ويقال الكثير، فلم تعد ذات أهمية نوعية أن تدعم سورية شرعية المقاومات، وان تحتضنها، وان تدافع عن خياراتها، فقد أنجزت المقاومات الكثير وظفرت، وفرضت نفسها سلطة في فلسطين، وعلى طريق فرض نفسها في لبنان، وكذلك في العراق، أي ان المقاومات أنجزت ما عليها لجهة تدمير المشروعات الاحتلالية والغربية، غير أنها لأسباب كثيرة غير قادرة على توليد برامج النهوض، وتوفير آلياتها، وانتظام قواها لتصبح مهمة سورية أولا وأخيرا، فمتى تتقدم لها وكيف وبأيه رؤية وأدوات؟ مهمة بقدر ما هي تحد هي فرصة تاريخية.
 
كيف؟ كيف؟ كيف؟
4ـ في سورية خيار رسمي للمقاومة، غير أن هذا الخيار ما زال معلقا يافطة على أبواب القصر، وفي تصريحات وخطب ومقابلات الرئيس لم تصل روحه ومنطقه إلى أي من مؤسسات الدولة، وعلاقتها بالناس، لا على مستوى المؤسسات الإعلامية ولا على مستوى تلبية الاحتياجات الأساسية والضرورية للطبقات والفئات الشعبية التي هي مادة المقاومة ومستندها على ما قالته تجربة حزب الله وآلياته بالتعامل مع ناسه، وأزماتهم وحاجاتهم، فهل تستقيم الأمور في استمرار حالة الازدواج في النظام، وفي البنية العامة والمجتمع. كيف يقاوم مجتمع؟ كيف تقاوم دولة؟ من أين تأتي عزيمتها؟ ومن هم مادة المقاومة إن لم تكن الناس، عموم السوريين، وهل من عاقل يفترض أن مواطنا بلا فرصة عمل، وآخر يلهث ليل نهار لتلبية أبسط الاحتياجات، وثالثاً يرى بأم عينه كيف ينهب المال العام، وكيف يجري الاستيلاء على مدخرات المواطنين وأرزاقهم وقدرتهم الشرائية «كما في الشكوى العارمة من ارتفاعات الأسعار الفلكية»، هل من عاقل يقبل افتراض أن خيار المقاومة الذي قال به الرئيس والتزمته سورية جرياً على طبيعتها وحاجاتها، وقدراتها، وآليات عمل نظامها ودينامياته، يمكن أن يتحقق وأن ينتصر بلا الناس، بلا المجتمع والشعب، والسؤال يظل: هل من توجهات جادة لتلبية الاحتياجات ووقف البلطجة على المجتمع وتاليا بذل الجهد وتركيزه في تأهيل الدولة وأجهزتها حتى تكف عن أن تكون واسطة الإساءة للناس والتمسح بالرئيس فتغرف من رصيده وتصرفه في حسابات النافذين المحظوظين، فبناء دولة ونظام المقاومة تأسيساً لما بعد إنجاز مهمتها، لجهة ضرورة بلورة مشروع القيام، فرصة لسورية بقدر ما هي تحد قاس واجب الانجاز.
5ـ وأهم التحديات الفرص، معرفة أن الزمن استثمار ينضب بسرعة قصوى وبنتائج قاسية، خاصة في المراحل الحرجة والانتقالية التي سورية في قلبها، والآن تصوغ مستقبلها ومعها مستقبل المنطقة بقدر تأثيرها وموقعها المركزي في الأحداث الجارية والفعل فيها لا مجرد الانفعال.
سورية على منعطف حاد، ما كان بالأمس على أهميته، وأهمية ما أنتج لم يعد قادراً على حمل مشروع الغد.
المعركة قاسية، وسورية في عين العاصفة، عدتها في المواجهة قيادة ثاقبة الرؤية لم تحد عن التزامات الإجماع الوطني السوري، قادرة على معرفة الواقع ومتغيراته، وشعب صبور، تلتهب مشاعره الوطنية والقومية، وجيش من أبناء الشعب، وما بين الأركان الثلاثة شيء متعارض يقبع في مكان آخر، وفي التزامات أخرى، وفي سياسات ومشاريع مختلفة تماما.          

معلومات إضافية

العدد رقم:
284