في مصرف سورية المركزي: استطلاع رأي.. على الطريقة السورية!!
لا يختلف اثنان على أن معظم استطلاعات الرأي والاستبيانات التي تقوم بها مجموعات إحصائية، أو مراكز دراسات، أو باحثون مستقلون، تضم مجموعة كبيرة من الأسئلة المختلفة التوجه والرؤى، والبعيدة في الوقت نفسه عن آراء الباحث أو المركز، حتى تكون منصفة وعلمية، ولتحقق النتائج المرجوة من الدراسة أصلاً، لكن أن تقام دراسة تشمل 13 مصرفاً موجوداً في سورية، ويشوبها كل ذلك الارتباك والخلط في أسلوب طرح وتقديم الأسئلة، فهذا يجعلنا نتساءل عن العقلية التي تحرك مثل تلك الأنشطة الإحصائية، وتعيدنا إلى نقطة الصفر التي كتبنا الكثير عنها، لعلنا ننتبه إلى ضرورة تطوير أساليب استطلاع الرأي العام، التي تعد في بعض المجتمعات مؤثرة جداً في توجيه سياسة الحكومات، وطريقة تعاملها مع مختلف القضايا والمسائل التي تواجهها.
إن الاستطلاع الذي أجري لمديرية المصارف في سورية، والذي قامت به المجموعة المنظمة لمؤتمر «تحديات الشفافية والإفصاح في القطاع المصرفي»، حول قرارات وأداء مصرف سورية المركزي، جاءت نتائجه غريبة وعجيبة، أو بالأحرى حملت الكثير من «مسح الجوخ» على قاعدة «حكلي لحكلك»، وبالأخص الأسئلة التي جاءت بصدد تقييم أداء حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة، والتي أكدت أجوبتها بأن 60% من مدراء المصارف يعدون أداءه جيداً جداً، و40% منهم يصفونه بالأداء الممتاز. في حين جاءت الأجوبة عن أفضل قرار اتخذه الحاكم، بأن 40% من المدراء يرون أنه كان السماح بتسديد قيمة المستوردات بالليرة السورية، أما 20% منهم فقد رأوا أنه توحيد سعر صرف الليرة، ورأى 20% بأنه السماح للمقيمين من حملة البطاقات الدولية بسحوبات حتى 5 آلاف دولار شهرياً، في حين امتنعت نسبة الـ20% من المدراء الباقين عن الإجابة واعتصمت بالصمت، وهذا يتناقض تماماً مع أجوبة السؤال الأول حول تقييم أداء الدكتور أديب ميالة، ويؤكد بعمق الازدواجية التي يعاني منها مدراء المصارف، وإلا ما معنى أن يتحول الأداء الممتاز في جواب السؤال الأول، إلى الامتناع عن الإجابة في السؤال الثاني؟!!
ورداً على سؤال مدى استفادة المصارف من مركز التدريب والتأهيل المصرفي، فإن 80% من المدراء أكدوا بأن استفادتهم كانت محدودة، و20% منهم لم يستفيدوا أبداً، وهذا يعني بلغة الأرقام أن ما يقارب 10% فقط استفادوا بشكل أمثل من تلك الدورات، ولكن الطامة الكبرى ليست هنا بل في الرقم الذي تم تدريبه في مركز التأهيل والتدريب، فالدكتور أديب ميالة ذكر بعظمة لسانه بأن المركز قد نفذ بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في عام 2007 أكثر من 70 دورة تدريبية إدارية ومصرفية، شارك فيها نحو 1500 متدرب، وأكثر من 85 دورة تدريبية في العام 2008، شارك فيها أيضاً ما يقارب من 1000 متدرب، بمشاركة من موظفي المصارف العامة والخاصة والتقليدية والإسلامية، على مستوى الإدارة العليا والمتوسطة، وأن اهتمام المركز ينصب بالدرجة الأولى على تصميم وتنفيذ برامج تدريبية وفق منهجية علمية متوافقة مع متطلبات قرارات مجلس النقد والتسليف ومصرف سورية المركزي، كجهة إشرافية على المصارف العاملة في سورية، وبناءً على المرسوم التشريعي رقم /52/ لعام 2005 القاضي بإحداث مركز التدريب والتأهيل المصرفي... أي أن المصرف قد أقام ما مجموعة /155/ دورة تدريبية، بمشاركة 2500 متدرب، ولكن نسبة الاستفادة كانت ضعيفة ولا تذكر!!
وفي سؤال آخر، طُلب من المشاركين في استطلاع الرأي مطالبة الحاكم باتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً، فطالب 40% منهم بتحرير كامل للعملة السورية، و20% بضمان الودائع لمدة 3 سنوات لكافة المصارف السورية، و20% بإعادة هيكلة مصرف سورية المركزي، في حين امتنعت نسبة الـ20% الباقية كالعادة عن الجواب، أي أن هؤلاء قد اقتنعوا بعدم جدوى تحقيق أي مطلب، فلماذا المطالب أصلاً؟!!
ولكننا لن نعلق هنا على هذه النقطة، بل سنتحدث عن النسبة التي طالبت بإعادة هيكلة مصرف سورية المركزي، حيث أننا نرى أنها ليست بحاجة فعلية إلى رفع الصوت بمطالبها، فعندما يصرِّح الحاكم بأن مدى استقلالية المصرف المركزي تتحدد بقدرته على استخدام ما يراه مناسباً من أدوات في السياسة النقدية لتحقيق الأهداف المرسومة له، بغض النظر عن الجهة المناط بها تلك الأهداف، وأن المصرف قد توصل إلى مكسب مهم، وهو عدم الخضوع إلى وصاية شبه يومية من وزارة المالية والاقتصاد، والإعداد لأحداث مديرية للتدقيق الداخلي في المصرف؛ فإن هذا يعني بشكل أو بآخر أن المصرف يقوم أوتوماتيكياً بعملية إعادة هيكلة!!
إن ازدياد طلبات الترخيص لإقامة مصارف خاصة في السوق السورية، لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن هذه المصارف التي فتحت بمباركة من المصرف المركزي قد لعبت دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي، فبعد سنوات على إعطاء التراخيص العديدة لها، مازالت هذه المصارف تتأرجح في مكانها دون أية مشاركة حقيقية لها في التنمية، بحجة عدم وجود البنية التحتية وقاعدة الاستثمار، وبالتالي صدَّرت أخطاءها وسلبياتها إلى القطاع العام المصرفي بسب الغموض في طريقة نشر أعمالها وخططها، وقلة مساعدتها لأهم قطاع من قطاعاتنا الاقتصادية «القطاع الصناعي»، تلك المساعدة التي لم تتجاوز سوى 9 مليارات ليرة سورية فقط.
ومن الأسئلة المهمة الأخرى في الاستبيان، مسؤولية مصرف سورية المركزي عن التضخم في سورية، فجاءت الأجوبة بأن 60% يرون أن المصرف لا يتحمل أي مسؤولية، و20% يرون أن مسؤوليته هي بحدود و5%، فيما رأى 20% بأن مسؤوليته هي بحدود 25%، وبما أن الكلام يجرُّ كلاماً، فنحن مضطرون هنا إلى ذكر بعض الوقائع الدالِّة، فبعيداً عن لغة الأرقام المتعلقة بالتضخم، فإن ما يستخدمه الحاكم وحده من السيارات الفارهة على حساب الخزينة العامة، يثير بحد ذاته أكثر من علامة تعجب واستفهام، فقد وقَّع الحاكم مؤخراً على شيك خاص لشراء سيارة جديدة له، زيادةً على السيارات الخمس التي يملكها، ومع أننا نشرنا في قاسيون صورة عن الشيك وطريقة رفعه وصرفه، إلا أن الحاكم لم يبال أبداً، وقام بصرف الشيك وشراء سيارة جديدة من نوع 350/MT سوداء اللون، تحمل الرقم /000346/، وهذا يدل على أن الحاكم صرف الملايين من الليرات على سياراته فقط.
وفي الختام نقول إن الاستطلاع الذي قامت به المجموعة المنظمة لمؤتمر «تحديات الشفافية والإفصاح في القطاع المصرفي» قد فتح الباب على مصراعيه لإطلاق العشرات من الأسئلة حول أداء السياسة النقدية في سورية، وحول الطرق الأنجع في رسم تلك السياسة، وتنظيم حزمة القرارات التي تصدر يومياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 386