حي الهلالية في القامشلي.. مأساة أم ملهاة؟!
تداعب هواجس أهالي مدينة القامشلي أمنيات عدة بشأن أوضاعهم على مختلف الأصعدة، ومن بين تلك الأمنيات الشعور بالاستقرار النسبي فيما يخص تنظيم وتخطيط مدينتهم الصغيرة، أسوةً بالكثير من المدن السورية الأخرى، كي ينتهي مسلسل مخالفات البناء في مختلف أحياء هذه المدينة، وتنتهي معها حجج مجلس المدينة بتهديد المواطنين بين الحين والآخر بهدم منازلهم ومحلاتهم التجارية المخالفة لتخطيط المدينة.
ومن بين تلك الأحياء حي الهلالية الذي يعتبر أقدم أحياء المدينة عمراناً، فأهالي هذا الحي وبالتحديد القاطنون في عقارات واقعة في المدخل الغربي للمدينة هم الأكثر تضرراً جراء سياسات مجلس المدينة ومجلس محافظة الحسكة، والضرر هنا لا يقف عند الضرر المادي فحسب، وإنما يتخطى إلى المصير المجهول لهذا الحي ذلك أن أصحاب العقارات التي شملت منازلهم ومحلاتهم التجارية التنظيم الجديد القديم للشارع لم يعد باستطاعتهم بناءها من جديد أو استثمارها بشكل أو بآخر بسبب عدم قيام مجلس المدينة بوضع مخطط جدي للمشروع الموعود به. فخطة مجلس المدينة بدأت بالهدم بالفعل للمنازل والمحلات منذ أكثر من عشر سنوات. ومن تاريخه إلى هذا اليوم لم تصدر من أي جهة مسؤولة أي قرار باستكمال ما بدؤوا به.
إنذارات مستعجلة
وإيماناُ بالمثل القائل: (لا يموت حق وراءه مطالب)، فإن أهالي هذا الحي لم يبقوا مكتوفي الأيدي بل ثابروا وتابعوا الموضوع بأنفسهم لسنوات عدة، ولكن دون أية نتيجة تذكر، فقد كانوا في كل مرة يصطدمون بأباطيل ومراوغات من المسؤولين عن تنفيذ المشروع المؤجل.
فبتاريخ 25/4/1995 تلقى أهالي حي الهلالية القاطنون في العقارات الكائنة بمدخل مدينة القامشلي الغربي طريق قامشلي ـ عامودا إنذاراً من مجلس المدينة يقضي بوجوب الهدم خلال عشرة أيام للبناء الواقع في منطقة /شارع وحديقة حماية/ وذلك بناءً على القانون رقم /15/ لعام 1971م ولائحته التنفيذية. وعلى القانون رقم /44/ لعام 1960 وتعديلاته، وعلى قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية رقم /1776/ تاريخ 12/9/1962 وتعديلاته.
وعلى أثر ذلك تم الهدم تماشياً مع تطبيق القانون، ونتيجة لذلك فإن الضرر الذي ألحق بالأهالي كان متفاوتاً بين عقار وعقار آخر، فمنهم من خسر نصف مساحة عقاره، وبعضهم ربع العقار، ومنهم من خسر ثلاثة أرباع العقار، والمحظوظ من بقي لديه ما يكفي لإيواء أسرته. وبالرغم من هذه المعاناة لم يكترث أحد من المسؤولين سواء في مجلس المدينة أو مجلس المحافظة للوضع المتردي الذي آلت إليه أوضاع المواطنين، فلا الخطة التنظيمية المرسومة استمرت للنهاية ولا الجهات المعنية عوضت الأهالي بديلاً لعقاراتهم المهدورة. وقد توجه بعضهم إلى مجلس المدينة حاملين مطالب باسم أهالي الحي مكتوبة أصولاً ومختومة بتواقيع جميع المتضررين. لكن بقيت هذه المطالب للأسف مجرد مذكرات منسية في دروج موظفي مجلس المدينة.
وتعاطف متأخر
بعدها كان التفكير في اللجوء إلى مجلس المدينة وكان لهم ما أرادوه، فقد تعاطف السيد المحافظ مع مطالبهم وبناءً على ذلك بعث كتاباً إلى مجلس مدينة القامشلي طلب فيه موافاته عن الموضوع مع الاقتراحات المناسبة، ولكن لم يتغير من حقيقة الأمر شيء، فالمشكلة بقيت قائمة والمنازل المتهدمة أصبحت أشبه بآثار للحضارات القديمة، ولم يتوضح مصير المشروع التنظيمي.
توجه المتضررون إلى العاصمة دمشق متأملين الإنصاف في وزارة الإدارة المحلية، وعلى أثر الشكوى التي تقدم بها الأهالي قام السيد وزير الإدارة المحلية بإرسال كتاب يحمل الرقم /ص/ت/1/ إلى محافظ الحسكة تضمن «التوجيه بتعويض المتضررين الذين تم هدم بيوتهم سابقاً بالسرعة الكلية وفق الأنظمة النافذة وتأمين المقاسم وتوزيعها على المتضررين».
اختفى المشروع بعد إقرار الكلفة
وبناءً عليه جرت مراسلات بين محافظ الحسكة ومجلس مدينة القامشلي لبيان ملابسات الموضوع، وجاء جواب رئيس مجلس المدينة على كتاب المحافظة ليوضح ما كان غامضاًَ، فقد أرسل توضيحاً يحمل رقم /1284/11/5 إلى السيد محافظ الحسكة من ضمن ما جاء فيه: «... نبين لكم بأن مشروع شارع مدخل مدينة القامشلي الغربي (طريق قامشلي ـ عامودا) يعتبر المدخل الوحيد دون تنفيذ حتى الآن منذ صدور المخطط التنظيمي عام 1994 حيث نفذت المداخل الأخرى في الفترات اللاحقة....».
بالإضافة إلى ذلك فقد أرفق مع هذا التوضيح مراحل تنفيذ هذا المشروع بالتفصيل الدقيق ابتداءً من تكلفة استملاك الأراضي وانتهاءً بأعمال التزفيت والأرصفة والإنارة... إلخ. فقد كانت الكلفة النهائية للمشروع (بحسب ما قدره مجلس المدينة) مائتين وخمسين مليون وأربعمائة ألف وثمانمائة ليرة سورية لا غير.
وبعد إطلاع مجلس المحافظة على تكلفة المشروع لم يسمع أحد شيئاً بعد ذلك، وبعد الاستفسار عن الموضوع أوضح مجلس المدينة بأنه ليس بمقدور المحافظة الدخول في مثل هذا المشروع بحجة عدم توفر مثل هذه الميزانية، ومنذ تلك اللحظة صمت الآذان وأقفلت الأفواه وبقي حلم إنهاء المشروع حكايةً يرويها الآباء لأطفالهم أمام موقد النار في ليالي الشتاء الحزينة.
ما الحل؟!
والسؤال: أما كان على مجلس محافظة الحسكة أن يقدر كلفة المشروع بالنظر لقدراته المادية ومن ثم يقرر إن كان قادراً على إتمام مثل هذا المشروع أو لا، بدل أن يبدأ بالهدم ثم يدير ظهره ويرحل؟!
إننا نضم أصواتنا إلى أصوات المواطنين في حي الهلالية ونتوجه باسمهم إلى الجهات المعنية ومن بيدهم زمام الأمور لتشكيل لجنة تزور المدينة لتقدر الكلفة الحقيقية للمشروع، ثم المباشرة بإتمام ما لم ينجز، مع التعويض العادل لكل المتضررين، فإن ماتت الضمائر مات الوطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 386