قبل أن يصبح وزيراً

نشرت الزميلة «تشرين» في عددها يوم 5/10/2004 مقالاً تحت عنوان: «قبل أن يصبح وزيراً الدكتور المهندس محمد غسان طيارة خواطر حول احداث سوق للأسهم والسندات والأوراق المالية».. فيما يلي مقطعاً مطولاً من هذا المقال:

...‏ وكنتيجة يمكن التأكيد على اننا تأخرنا كثيراً في احداث سوق الاسهم والسندات والاوراق المالية حتى اصبح تجنب الأزمة المالية مع بدء عمل السوق من الامور المستحيلة، وسيصاب المساهمون في بعض الشركات بصدمة مالية كبيرة. ‏ ‏ 

ان اوضاع معظم الشركات المساهمة التي احدثت بتشريع خاص او بموجب القانون 10 لسنة 1991 سيئ للغاية ولا يبشر بالخير، ويمكن تقسيمها الى الفئات التالية: ‏ ‏ 

1 شركات لم تدفع ارباحاً للمساهمين منذ انشائها وحتى تاريخه، وعلى سبيل المثال شركتا كيمياء وابن زهر، والشركة الاولى لم تدع جمعيتها العامة للانعقاد من قبل مجلس ادارتها ولو لمرة واحدة، وقد اكل الصدأ آلاتها، ولم نسمع ماذا فعلت وزارة التجارة وقبلها وزارة التموين بشأنهما، ومن الطبيعي ان يتخلص معظم المستثمرين في مثل هذه الشركات من اسهمهم عبر سوق الاسهم فور احداثها. ‏ ‏ 

2 شركات وزعت ارباحاً لفترة وجيزة على جميع المساهمين وبسبب الاوضاع غير المريحة وضآلة الارباح قررت ادارة الشركة توزيع ارباح ضئيلة على صغار المساهمين او وزعت اسهماً مجانية على المساهمين على مسمع وحضور وزارة التموين في حينه، وهذا الوصف ينطبق على معظم الشركات الزراعية، فقد وقعت هذه الشركات في مطبات حكومية عند تخصيص الاراضي لها في مناطق متباعدة يصعب معه احداث مشاريع زراعية رائدة او استخدام الزراعة الحديثة، ويقع جزء كبير من اللوم على مجالس ادارة تلك الشركات، فعلى سبيل المثال: ‏ ‏ 

 زرعت احدى الشركات ارضاً صغيرة الحجم مخصصة لها من قبل الحكومة بأشجار الكرز والتفاح والاجاص والدراق والسفرجل كما لو ان الارض كانت حديقة خاصة برئيس مجلس الادارة، وبعد سنة من تنبيه بعض اعضاء الجمعية العمومية مجلس الادارة على هذا الخطأ الفادح، عاد مجلس الادارة عن خطئه وقرر قلع الشجيرات وزرع الارض بنوع واحد من الاشجار المثمرة، فأضاع بذلك سنة كاملة على المساهمين من دون مسائلة اي جهة حكومية. ‏ ‏ 

 قدمت شركة اخرى الى الجمعية العمومية تقريرها متضمناً ما انتجه معمل الكونسروة التابع للشركة الذي يظهر تنوعاً كبيراً في الانتاج ولا تزيد كمية انتاج اكبر منتج على عدة اطنان ولم يزد انتاج اصناف اخرى على 500 كيلو غرام فقط، ما ادى الى ضياع القسم الأكبر من الوقت على تحضير التجهيزات للانتقال من منتج الى آخر، كما لو ان المصنع ورشة صغيرة او مطبخ لسيدة فاضلة تحضر لنفسها معلبات الكونسروة. ‏ ‏ 

وسيعمد المساهمون في مثل هذه الشركات حتماً للتخلص من اسهمهم عن طريق سوق الاسهم عند احداثها. ‏ ‏ 

3 شركات توزيع الارباح كنسبة من قيمة السهم الاسمية ما بين 5% و12% بينما قيمة السهم بعد علاوات الاصدار بحسب قرارات مجلس الادارة التي حددت كل القيمة بمعرفة وموافقة وزارة التموين، في حينه عند فتح الاكتتاب للمرة الثانية او للثالثة، اضعاف القيمة الاسمية للسهم، ومن الطبيعي ان يفكر المساهمون بالتخلص من اسهمهم في سوق الأسهم وتجميد اموالهم في المصارف الحكومية فذلك اربح لهم بعدة مرات حتى بعد تخفيض الحكومة لفوائد حسابات الأموال المجمدة او على شهادات الاستثمار. ‏ ‏ 

4 شركات توزع ارباحاً تزيد على 12% وتصل الى 25% من قيمة السهم الاسمية وهي لا تزيد على 5% من قيمة السهم مع علاوة اول اصدار بالمقارنة مع الفوائد التي تمنحها اليوم المصارف الحكومية على حسابات التوفير والمجمدة بعد التخفيض وللتوضيح أبين الآتي: ‏ ‏ 

 القيمة الاسمية للسهم 50 ليرة سورية، وتدفع الشركة ارباح السهم الواحد بنسبة 25% من تلك القيمة، اي مبلغ 5،12 ليرة سورية لكل سهم، بينما اصبحت قيمة السهم بعد اول علاوة اصدار 250 ليرة سورية. ‏ ‏ 

‏ عند توظيف مبلغ 250 ليرة سورية في حساب التوفير نحصل على مبلغ 5،12 ليرة سورية بما يعادل المبلغ الذي تدفعه الشركة، واذا تم توظيف المبلغ في شهادات الاستثمار نحصل على مبلغ 25،16 ليرة سورية اي ان الاستثمار في شهادات الاستثمار افضل من توظيف الاموال في مثل تلك الشركات وسينخفض الربح الى 5،2% من قيمة السهم للاصدار الأخير لتلك الشركة البالغة 500 ل.س. ‏ ‏ 

ويمكن ان نستنتج انخفاض قيمة بيع الأسهم لأفضل الشركات المساهمة القائمة وستكون الحكومة اكبر الخاسرين ولهذا فإن الزلزال الاقتصادي سيحدث خلال فترة وجيزة من بدء عمل سوق الأسهم والسندات والاوراق المالية، ويعود في معظم اسبابه إلى الحكومات المتعاقبة التي سمحت بتقويم موجدات الشركة من دون رقابة فعلية وبالتالي سمحت باصدار اسهم جديدة بعلاوات مضخمة بعيدة عن الشفافية التي يجب ان يرافق العمل المالي بشكل عام وفي الشركات المساهمة بشكل خاص، وكان من الافضل احداث تلك السوق بالتزامن مع الحديث عن التعددية الاقتصادية ومع صدور القانون رقم 10 في سنة 1991 حتى ولو كانت السوق في بداية عملها على شكل الدكان الذي كان موجوداً في اربعينات القرن الماضي. ‏ ‏ 

لقد اوضحت، وباختصار شديد، الوضع الحالي للشركات المساهمة ومنه يمكن ان نستنتج بأن وضع شركات الافراد التي تدفع بأسهمها للبيع في هذه الايام من دون تقديم ميزانيات واضحة ومدققة من قبل شركات تدقيق محلفة للحكومة اولاً وثانياً لمكتتبي المستقبل لن يكون بأفضل من الشركات المساهمة القائمة، والأمر الطبيعي ان يتم طرح الاسهم للاكتتاب العام بعد موافقة الحكومة على ذلك بالاستناد الى دراسة تقويمية تقوم بها جهة مخولة ومحلفة، ولهذا من حقنا ان نسأل عن الطريق التي سمحت به الحكومة لأصحاب تلك الشركات بطرح اسهمهم على الاكتتاب العام وتحديد قيمة السهم وعلاوة الاصدار وقيمة الاسم التجاري. ‏ ‏ 

 

وبعد اثارة الموضوع اولاً في نشرة «كلنا شركاء» وثانياً في باقي الصحف المحلية تنبهت الحكومة للأمر فطلبت تقويم اوضاع تلك الشركات من قبل لجنة وزارية خاصة وبعد هذا التأخير نسأل الحكومة: ماذا ستفعل تلك اللجنة والحكومة نفسها اذا تبين ان هناك اخطاء في التقويم وفي قيمة الاسهم المطروحة؟ ‏ ‏

معلومات إضافية

العدد رقم:
232