وضاح عزام وضاح عزام

حوادث مؤسفة على طريق السويداء.. و«الأعمار بيد الله»!

يودعون أهلهم بحرارة.. بعضهم ذاهب إلى العمل، إلى الدراسة، الخدمة الإلزامية، أو لزيارة الأقارب في دمشق أو المحافظات الشمالية.

حرارة الوداع إحساس باللاعودة.. يقطعون التذاكر ويمضون لمقاصدهم.. فيكمن لهم الموت على طريق عام دمشق – السويداء الذي سفكت عليه دماء كثيرة، فيلقاهم ويسفك دماءهم.. و«الأعمار بيد الله».
الطريق البدائي.. أم السرعة الزائدة.. أم الطمع؟
في 4/6/2009، انطلقت حافلة تابعة لشركة الوسيم برحلة «السويداء – حلب»، الساعة الحادية عشرة مساءً، وقبل الانطلاق من مركز الانطلاق في السويداء، كانت الحافلة غير جاهزة من وجهة نظر السائق الذي نبّه الشركة للأمر، وفق شهود عيان، لكن الشركة أصرت على انطلاق الحافلة. ارتبك السائق، ولكنه نفّذ الأمر. وأثناء الانطلاق صدم ريكاراً كان أعلى من الطريق كثيراً، الأمر الذي زاد من توتره حسب شهود عيان أيضاً..
على الطريق.. السائق المرتبك يضغط على الوقود باللاشعور أكثر من اللازم والمسموح والعقلاني، وحسب الراكب الذي كان في المقعد رقم /3/، فإن عداد السرعة كان يشير إلى 180 كم /سا، فطلب من السائق أن يتمهل.. السائق يحاول أن يتجاوز شاحنة على الطريق.. فجأة تظهر أمامه سيارة صغيرة، يحاول السائق الابتعاد عن السيارة، فيصطدم بالشاحنة مما يؤدي إلى وقوع الحادث الأليم..
النتيجة السريعة وفاة السائق مع عشرة آخرين، وإصابة ثمانية عشر شخصاً بجروح مختلفة، أربعة منهم بحالة حرجة جداً..
الحادث بالطريقة التي وقع بها، وبنظرة غير عميقة، يتحمله جميع المشتركين به: سائق السيارة، وسائق الشاحنة، وسائق الحافلة المرتبك الذي دفع حياته ثمناً لتهوره..
ولكن في العمق، يتقاسم المسؤولية عن هذا الحادث المتكرر، طريق السويداء، أو كما يُلقب: طريق الموت.. هذا الطريق ذو المسرب الواحد.. بالإضافة طبعاً لشركة النقل المعنية..
 
مشكلة مزمنة..
منذ العام 2005 وبعد الحادث الأكبر الذي شهده طريق  السويداء – دمشق والذي راح ضحيته /31/ قتيلاً، تحاول الحكومة تحسين حال طريق الشام - السويداء واستصلاحه بشكل يقلل من نسبة الحوادث المرتفعة عليه قياساً بالطرق الأخرى بين المحافظات، حيث يجري العمل على توسيع هذا الطريق ليصبح مكوناً من مسربين عريضين.. وبعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى السويداء وإعطائه التوجيهات بضرورة الإسراع بالعمل على إنجاز هذا الطريق لأنه خطر على حياة المواطنين، تبنت المؤسسة العامة للطرق المشروع، ثم قامت بتعهيده القطاع الخاص – لا توجد معلومات عن ماهية المتعهد- والأهم ليس هناك مدة فعلية لإنجاز المشروع، وكذلك الكلفة العامة غير معروفة – خلافا للمتعارف عليه – وهكذا جرى العمل بالمشروع على نار هادئة، أما الطباخون فهم اثنان، محافظة دمشق مسؤولة عن القسم الذي يخصها من الطريق، والمؤسسة العامة للطرق مسؤولة عن الباقي، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها:
أليست المشاريع التي تتبناها الدولة تحدد ميزانياتها مسبقاً وتدرس وتناقش؟
أليست المشاريع التي يتعهدها القطاع الخاص تخضع لمناقصات تحدد فيها مدة التنفيذ والكلفة والشروط الجزائية على التأخير إن حدث؟
فلماذا هذا المشروع لا يوجد فيه أيّ من هذه الشروط، مع العلم أن محافظ السويداء قام الأسبوع الفائت بجولة على الطريق لمراقبة العمل القائم ببطء شديد، وأخبره متعهد المشروع أن العمل سينجز بالشهر العاشر- تشرين الأول القادم، فعلى من تقع مسؤولية هذا البطء وبرقبة من دماء الأعداد المتزايدة للضحايا الذين يسقطون بشكل مستمر على الطريق.
الجدل مفتوح، والأرقام لم تغلق بعد. ولكن على ما يبدو فإن دماء المواطنين رخيصة بالنسبة للمسؤولين الفاسدين الذين ما يزالون يتراخون في إنجاز هذا الطريق.

ليس آخراً
لا يزال أبناء السويداء يقطعون تذاكرهم ويقصدون وجه الكريم إلى المدينة الحلم /العاصمة، بدماء مباحة لطريق الموت، مستباحة من الفاسدين الذين يمتصون الأموال دون أن ينجزوا مهامهم، وتحت رحمة شركات سياحية لا تهتم  بآلياتها، وسائقين أقل ما يقال عنهم إنهم رعناء..

قال أحد ظرفاء المدينة بعد الحادث الأخير:
بعد قليل ستهدأ الجلبة، ولن يتغير شيء.. وطريق الموت سيبقى طريقاً للموت.. فاقطع تذكرة إلى دمشق واكتب عليها: «إنا لله وإنّا إليه راجعون».. فالأعمار بيد الله!؟. 

معلومات إضافية

العدد رقم:
408