حزمة قرارات حكومية متأخرة لمحافظة الحسكة وغياب قضية الإحصاء الاستثنائي (1962) والحلول الاستراتيجية!
توافدت إلى محافظة الحسكة في السنوات الأخيرة وفود حكومية عديدة لدراسة متطلبات المحافظة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية, وكان آخرها زيارة اللجنة الوزارية في الشهر الماضي، والتي صدرت على أثرها جملة قرارات من مجلس الوزراء تتعلق بالعديد من جوانب الواقع الاقتصادي الاجتماعي في المحافظة.
ولدى الوقوف على هذه القرارات، يمكن القول إنها تشكل متطلبات الحد الأدنى التي تفصح عن إلمام واسع بواقع المحافظة المنكوبة بكل معنى الكلمة، رغم تجاهل إحدى أهم القضايا الحساسة فيها وهي الإحصاء الاستثنائي.
وسنستعرض فيما يلي تلك القرارات التي تمَّ إجمالها في سبع نقاط:
النقاط السبع بعد سبعٍ عجاف
لأهمية القرارات الوزارية سوف نستعرضها كاملة.. ومن ثم نناقش بعضها..
أولاً: في الحلول العاجلة:
- منح مساعدة غذائية عاجلة للأسر المتضررة في محافظة الحسكة كل شهرين، على شكل سلة غذائية مكونة من الطحين والبرغل والعدس والسكر والشاي والزيت أو السمن النباتي، على أن تكون المساعدة دائمة مادامت الظروف قائمة، وتكليف هيئة تخطيط الدولة بتجهيز الأعداد المطلوبة من السلال الغذائية، بحيث يتم توزيع هذه المساعدات وإيصالها إلى الإخوة المواطنين بإشراف محافظ الحسكة مباشرةً.
- تكليف وزارة المالية بالتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والاتحاد العام للفلاحين بإعداد الصك اللازم لإحداث صندوق للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية التي تواجه الإنتاج الزراعي، وتكليفها أيضاً بالتنسيق مع هيئة الاستثمار السورية بإعداد الصك القانوني اللازم لإعفاء المشاريع الاستثمارية المشمولة بقوانين الاستثمار، والتي تقام في المنطقة الشرقية (دير الزور-الحسكة-الرقة)، من الضرائب والرسوم ولمدة عشر سنوات، وذلك لجذب الاستثمارات إلى هذه المنطقة بهدف تنميتها.
- تكليف وزارة المالية بالتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والاتحاد العام للفلاحين بإعداد الصك القانوني اللازم لجدولة ديون الفلاحين في محافظة الحسكة (سبع سنوات للقروض المستجرة على الزراعات المروية، وعشر سنوات للقروض المستجرة على الزراعات البعلية).
- تكليف السيد وزير المالية، بالتنسيق مع حاكم مصرف سورية المركزي، لإعداد القرار اللازم لإعادة النظر بموضوع تطبيق نظام رسملة فوائد قروض المصرف الزراعي التعاوني، واعتماد نظام التقسيط في الدفع .
ثانياً: في المجال الزراعي:
- الموافقة على تأمين رأسمال بحدود 2 مليون ليرة سورية على الأقل في كل قرية متضررة، لتنفيذ مشروع تمكين المرأة الريفية من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
- تكليف وزارة الزراعة بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لإجراء مسح ريفي سريع للأسر المهاجرة من محافظة الحسكة إلى المحافظات الأخرى، للوقوف على مكان توطنها الحالي، وأوضاعها المعيشية، ومستلزمات عودتها إلى المحافظة.
- تكليف وزارة الزراعة بمنح الموافقة اللازمة للمصرف الزراعي التعاوني لتمويل واضعي اليد على أراضي أملاك الدولة، وذلك وفق الشروط التي تضعها لهذه الغاية.
- الموافقة على إعفاء الفلاحين الذين يستثمرون مساحات من أراضي أملاك الدولة البعلية، في محافظة الحسكة، من الأجور العقدية، وأجور المثل المترتبة عليهم للموسم 2008-2009، بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم 220 لعام 1963، ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار رقم/280 ت/ لعام 1963، وتكليف وزارة الزراعة بتنفيذ ذلك.
- الموافقة لوزارة الزراعة على استمرار تقديم المقنن العلفي للمربين في المحافظة، وفق الأسس المعتمدة لدى المؤسسة العامة للأعلاف.
ثالثاً: في مجال الري والمياه
- تكليف وزارة الري بمتابعة إنجاز اعتمادية تحديث دراسة محطة الضخ على نهر دجلة، ومشروع تغذية نهر الخابور من مياه نهر دجلة، ودفتر الشروط اللازم للإعلان عن تنفيذ مراحل هذا المشروع، وذلك بالتنسيق مع هيئة تخطيط الدولة، لتأمين التمويل اللازم من الصندوق الكويتي والصناديق العربية الأخرى.
- الموافقة على تسوية الآبار المخالفة والمستثمرة في محافظة الحسكة، والبالغة حسب إحصائيات عام 2008//9733 بئراً، بحيث لا تتم تسوية أكثر من بئر واحدة لكل عائلة.
- الموافقة على السماح بحفر آبار مياه الشرب وفق خطة يعتمدها محافظ الحسكة بعد التنسيق مع وزارة الإسكان والتعمير وطبقاً لأحكام التشريع المائي.
- الموافقة على معاملة الآبار الواقعة في زمام شبكات الري الحكومية، والتي كانت محفورة قبل إنشاء هذه الشبكات، معاملة الآبار المرخصة في المحافظة وليس اعتبارها آباراً مساعدة لحين تأمين مصدر مائي لشبكات الري الحكومي.
رابعاً: في مجال التعليم:
بالنسبة لطلب توفير الكادر التعليمي الكافي للمدارس، وموضوع تثبيت الوكلاء القائمين على رأس عملهم، وفي ضوء المقترحات التي قدمها السيد وزير التربية والمتضمنة إمكانية تثبيت الوكلاء من حملة الشهادة الثانوية، فيمكن دراسة إمكانية قبولهم في كليات التربية قسم معلم صف، شريطة ألا تقل خدمة الوكيل عن 500 يوم، وألا يزيد عمره على 35 سنة، وألا يقل معدل نجاحه في الشهادة الثانوية العامة عن 50 بالمائة، دون النظر إلى عام الحصول على الشهادة، فقد تقرر تكليف وزارة التربية بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي لتقديم ورقة عمل مشتركة لعرضها على مجلس الوزراء، تتضمن الآليات اللازمة لتأمين الكادر التعليمي على المستوى المتوسط والبعيد المدى.
خامساً: في مجال الإدارة المحلية:
- اعتبار الموضوع المتعلق باستبدال المدارس الطينية متحققاً، على اعتبار أن العقود المتعلقة بذلك تنفذ حالياً، وفق خطة واعتمادات وزارة الإدارة المحلية المرصودة لذلك.
- الموافقة لوزارة الإدارة المحلية على تقديم الدعم المالي اللازم لإنجاز البنى التحتية للمنطقة الصناعية (الصرف الصحي، الأرصفة، الإنارة، صيانة المرافق العامة) في كل من القامشلي والحسكة.
- تكليف وزارة الإدارة المحلية بتشكيل لجنة فنية لدراسة وضع الآليات والسيارات العائدة لمديرية الخدمات الفنية، ورفع المقترحات اللازمة لشراء الآليات الهندسية والخدمية والسيارات الحقلية الجديدة بدلاً منها، لتنفيذ خطة العمل المقررة لأعمال الصيانة والخدمات العامة، وذلك في ضوء نتيجة الدراسة.
- الموافقة على تأمين الاعتمادات اللازمة لتأمين مياه الشرب للقرى العطشى (حفر آبار، تأمين صهاريج) بالتنسيق بين وزارة الإدارة المحلية ووزارة الإسكان والتعمير، على أن يتم توفير الاعتمادات من الاعتمادات المرصودة في موازنة وزارة الإسكان والتعمير لهذا الغرض.
- تكليف وزارة الإدارة المحلية بالتنسيق مع الجهات المعنية بتقديم التسهيلات لتطبيق القانون 49 المتعلق بالمناطق الحدودية، وذلك بغية تسهيل حركة البناء والاستثمارات.
سادساً: في مجال الصحة:
تشكيل لجنة برئاسة معاون وزير الصحة، وعدد من الفنيين المعنيين، لزيارة جميع المشافي والمراكز الصحية التابعة للمحافظة، لتحديد الاحتياجات اللازمة لها، والمعالجة الفورية لمشاكلها، وتأمين سيارات الإسعاف، وإحداث قسم للمعالجات السرطانية، وتأمين الأجهزة الصحية اللازمة (رنين مغناطيسي، أجهزة تنفس اصطناعي... الخ) من الإمكانيات المتوفرة لدى الوزارة حالياً.
سابعاً: فيما يتعلق بالبوابات الحدودية والمنطقة الحرة:
- تكليف وزارة الاقتصاد والتجارة (المؤسسة العامة للمناطق الحرة) بمتابعة بناء المقاسم المخصصة في منطقة اليعربية وفق المهل القانونية المحددة.
- تكليف وزارة الاقتصاد والتجارة بالتنسيق مع هيئة الاستثمار السورية بالترويج للاستثمار في المنطقة الحرة باليعربية.
- ولأهمية الإسراع بتنفيذ مشروع نهر دجلة، قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة من وزيري المالية والري ورئيس هيئة تخطيط الدولة، تتولى مهمة بحث سبل وآلية تأمين التمويل اللازم للبدء بهذا المشروع التنموي والاستراتيجي من مصادر محلية أو خارجية.
تمكين المواطن أهم من السلة الغذائية!
نستغرب اكتفاء المجلس بهذه النقاط السبع الواردة رغم أهميتها، ونذكِّره أن هناك أكثر من مائتي ألف من مواطني محافظة الحسكة محرومون من حق الجنسية، بموجب نتائج الإحصاء الاستثنائي 1962، وللتذكير أيضاً هؤلاء «الأجانب» السوريون، مجردون من حقوقهم الإنسانية كافة، الطبيعية منها والمدنية: حق الهوية السورية، حق خدمة العلم، حق الملكية، حق الانتخاب والترشح، حق السفر، حق تسجيل عقد الزواج.. وحقوق أخرى عديدة من الصعب حصرها، لكن الأخطر بالتأكيد هو ملكية الأرض، وكذلك الحقوق القانونية لصكوك الزواج التي تمنع الأجنبي من تسجيل زواجه في السجلات العامة للدولة، وهنا تبدأ مأساة الأسر «الأجنبية»، ورحلتها الطويلة بحثاً عن أية ورقة أو وثيقة رسمية تثبت نسب أطفالها لها، وهناك الآلاف من الأطفال «الأجانب» اليوم، الذين لا إثبات لديهم بنسبهم لآبائهم وعائلاتهم.
فهل هناك ما هو أخطر من أن يكون المرء عديم الجنسية، لا انتماء لديه؟ ومن له المصلحة في استمرار هذه الجريمة؟ إنها العقوبة الجماعية التي طالت عشرات الآلاف من المواطنين منذ قرابة نصف قرن.
لاشك أن ما اتُخذ من قرارات على درجة عالية من الأهمية، وينتظر الشروع بتنفيذها في أسرع وقت، ولكن من يريد تصحيح الأوضاع الاقتصادية والتنموية وغيرها في محافظة الحسكة، ومساعدتها على النهوض، عليه الوقوف أولاً عند مشكلة أجانب تلك المحافظة، ووضع حد نهائي وبلا رجعة لنتائج الإحصاء الاستثنائي عام 1962.
من محافظة الخبز والنفط إلى خيمة بالية
إذا كانت الحكومة تريد حقاً إيجاد الحلول المناسبة ووقف هجرة أبناء محافظة الحسكة، عليها التفكير جدياً بالمشاريع التي تساعد أبناء المحافظة في البقاء في قراهم ومزارعهم، ومن هنا نقول: إن ما يحتاجه أبناء المحافظة ليس سلة غذائية كل شهرين، إنما تصحيح الأخطاء المتراكمة خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها تثبيت ملكية الأرض.
وهنا نتساءل: لماذا لا يهاجر الملاكون من أراضيهم؟ إن هجرة أبناء محافظة الحسكة الفقراء لأراضيهم ليست بسبب مواسم الجفاف فقط، إنما لأسباب أخرى كثيرة، لعل أهمها أن حيازاتهم للأرض عبارة عن ملكيات صغيرة لا تسد الجوع (أراضي انتفاع، أملاك دولة، وضع يد.. أو غيرها)، أما الملاكون الكبار فهم قابعون في قراهم، وما فقدوه من مواسم ومزروعات بعلية في سنوات الجفاف، تم تعويضه بالمواسم المروية (مياه الآبار)، أما الفلاح فعليه أن يضع يده على خده ويندب حظه العاثر، لأنه لا يملك الحق في ملكية الأرض، وبالتالي لا يحق له البحث عن حلول أخرى تجعله يستفيد من الأرض (حفر الآبار مثلاً)، والحل الوحيد هنا هو الهجرة التي تكون في أغلب الأحيان إلى العاصمة، وإذا حالفه الحظ سيجد غرفة في أحد أحياء «أحزمة الفقر» الملتفة على خاصرة دمشق، أما إذا فشل فسينضم إلى عشائر (النَوَر) تحت خيمة رثة تمت حياكتها من بقايا الملابس القديمة!!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 408