برسم محافظة حمص: الحواضر الزراعية في البادية مهددة بالفناء.. بلدية «الطيبة الشرقية».. تطمس التاريخ وتشوّه الحاضر

تتربع قرية «الطيبة الشرقية» على الأطراف الشمالية للبادية السورية على الطريق التاريخية للقوافل المؤدية إلى الرصافة، وتقع شمال مدينة تدمر بنحو /100 كم/ تقريباً، وكانت في سالف الأيام تتبع إدارياً للقريتين، ثم لدير الزور، لتندرج بعدها في أعمال حلب زمن الدولة الحمدانية، والآن تتبع لمحافظة حمص..

يوجد في «الطيبة الشرقية» أوابد أثرية عديدة وعريقة كالسور الذي يحيط بالقرية الأثرية، ومنارة شامخة في وسط القرية أقيمت على أنقاض معبد وثني، ثم كنيسة، فجامع.. كما يوجد فيها العديد من الأقنية السورية من العصر الروماني، أهمها قناة أم الكالات، وهي شريان يربط الماضي بالحاضر، حيث لا تزال المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري، ويبلغ طولها نحو /850م/، ويتراوح عمقها بين الـ/15م/ في بدايتها ويتدرج ليصبح /1م/ في نهاية القناة، التي تروي نحو العشرة آلاف شجرة زيتون تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يمتد من النبع في أسفل القرية الأثرية لأكثر من /500م/، وهي منحوتة في الصخر، وفي أعلاها أقيمت آبار تسمى النقابات تبعد عن بعضها البعض من /10 ـ 15م/، وقد خصصت لأعمال الصيانة. والقسم الآخر كان مكشوفاً حتى الستينيات حيث قام الأهالي بتحديثه بالطريقة الأثرية ذاتها، ويبلغ طوله نحو /350م/، وينتهي ببركة تتجمع فيها المياه ليعاد توزيعها إلى البساتين، وأهم النقابات المقامة عليها نقابة الملايات.
المؤسف اليوم، أن هذه القناة تعرضت للدفن والتخريب وإلقاء النفايات وبقايا القمامة فيها، علاوة على تمرير الصرف الصحي من أحد أجزائها، وهي تتعرض الآن لعملية وأد تقوم بها البلدية أمام أعين من رمموها مرات عديدة بالتشارك بين الدولة والأهالي، وطمس معالمها عبر التزفيت ووضع المنصفات والأرصفة فوقها، لتطمس معها ماضي وحاضر ومستقبل هذه القرية..
وبناء على ما تقدم، فإننا نناشد جميع الجهات الرسمية المعنية للمبادرة لإنقاذ هذه القناة وإزالة المخالفات عنها، ومساعدتنا على إعادتها إلى سابق عهدها، ومحاسبة كل من له علاقة بارتكاب هذه الجريمة ليكون عبرة لمن تسول له نفسه بالعبث بالثروة الثقافية والبيئية الوطنية، وبتاريخ الوطن.
وفي هذا الصدد، يوجد في أعلى الجبل الواقع غرب القرية جامع أيوبي صغير يدعى مسجد «الشيخ إبراهيم» وهو بحاجة إلى ترميم.
من ناحية أخرى، يأتي في أعلى قائمة مطالب القرية إنشاء خزان مياه للقرية، وجر المياه الكبريتية إلى البساتين للاستفادة منها بري الأشجار، وتوسيع المستوصف ليصبح جاهزاً لاستقبال حالات الولادة نظراً للواقع الصحي الرديء جداً، حيث أن معظم حالات الولادة تتم على الطريق أثناء إسعاف من يأتيهن المخاض إلى السخنة التي تضم أقرب مشفى إلى الطيبة الشرقية، وهي على بعد /25كم/.
كما يطالب أهل القرية كسائر أهل البادية بإعادة النظر بقوانين البادية التي أتت على الأخضر واليابس في مناطق الاستقرار، وحولت البادية من محمية طبيعية تعج بالحياة إلى صحراء قاحلة خالية من الحياة البرية بسبب القرار الأعمى بمنع زراعة البادية، والذي طال الأراضي التي كانت زراعية تاريخياً، الأمر الذي أودى بالثروة الحيوانية ومنتجاتها وفرص عملها، دون أن يكون للأهالي أية بدائل، علاوة على أنه يزيد بسرعة خيالية من التملح والتسبخ الذي بدأ يهدد المياه الجوفية، وبالتالي استمرارية الحياة..
ولعل الأخطر في المسألة أن الكادر المعتمد في بلدية القرية، جلّ عناصره من غير المتعلمين، أو ممن يحملون شهادة الكفاءة في أحسن الحالات (رئيس البلدية)، مما يضعف الأداء الخدمي للبلدية ويؤدي لتفشّي شتى أنواع الفساد فيها، ولعل أبسط مظاهر ذلك يتجلى في كون معظم موظفيها لا يداومون بانتظام لأن الحبل متروك على الغارب، والأغلبية ينصرفون إلى أعمالهم الخاصة كالرعي أو نقل الماء إلى متعهدي الطرقات.. والعاملون عموماً لا يحصلون على رواتبهم إلا بعد انقضاء عشرة أيام من بداية الشهر دون أن يعرفوا السبب...
واجهت «الطيبة الشرقية» تاريخياً كل المصاعب البيئية والسياسية التي واجهتها، واستطاعت الاستمرار والبقاء، بل وساهمت مساهمات فعالة في كل الحضارات التي تعاقبت عليها كالآرامية والرومانية والتدمرية والأموية والعباسية والحمدانية والأيوبية وظهر منها العديد من العلماء والفقهاء، لأنها كانت طوال هذه الحقب مركز إشعاع علمي وديني وثقافي.. ومن غير المبرر اليوم، أن يقوم بعض الجهلة بإعدامها في ظل الدولة الوطنية!!
فليبادر أصحاب الجهود المخلصة، الرسميين وغير الرسميين، لإنقاذ «الطيبة الشرقية» مما يتربص بها.. فهي تستحق الحياة..

معلومات إضافية

العدد رقم:
410