نجوان عيسى نجوان عيسى

الإصلاح الشامل في سورية.. من أين نبدأ؟

مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية في البلاد بشكل متسارع، يغدو الإصلاح الشامل لمؤسسات الدولة وإداراتها مطلباً أكثر إلحاحاً. ويعد الإصلاح القضائي أحد الشروط الأساسية للبدء بعملية الإصلاح الشامل، لأن القضاء هو المؤسسة المعول عليها في محاصرة الفساد ومحاسبة الفاسدين.

ويتمتع الإصلاح في المؤسسات القضائية بخصوصية تميزه عن الإصلاح في سائر المؤسسات الأخرى. وتنشأ هذه الخصوصية عن عاملين أساسيين مترابطين، الأول يتعلق بكون القضاء واحداً من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. بمعنى أن انتشار الفساد في القضاء يعني فساد ركن أساسي من أركان الدولة، ويعني شلَّ قدرة أجهزة الدولة على تنظيف وتجديد وتطوير نفسها. أما العامل الثاني فإنه يتمثل في حقيقة أن عملية الإصلاح الشامل تتطلب محاسبة جدية وحقيقية ومكافحة فعالة للفساد والفاسدين، وإن المؤسسات القضائية هي المؤسسات التي تناط بها مهمة المحاسبة تلك. فإذا كان الفساد وسوء الإدارة يجتاح المؤسسات القضائية نفسها، فكيف يمكن الاعتماد عليها في القيام بعملية المحاسبة والضرب على أيدي الفاسدين والمسيئين؟.
وهكذا فإن إصلاح القضاء هو إحدى البوابات الضرورية وأحد الشروط الأساسية لأية عملية إصلاح مفترضة، وهنا تبرز إشكالية غاية في الدقة والحساسية في عملية الإصلاح القضائي، إذ لا يكفي رفع رواتب القضاة لتحصينهم مالياً – رغم أهمية هذا الأمر – للبدء بعملية محاسبة جدية، لأن المحاسبة يجب أن تبدأ وبشكل فاعل من داخل القضاء نفسه، وهذا يتطلب إيصال أشخاص على قدر عال من الكفاءة والوطنية إلى المناصب القضائية الحساسة، كما يتطلب رقابة جدية على نزاهة واستقلال القضاء من السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب، ومن قوى المجتمع الحية من خلال الأحزاب والمؤسسات الأهلية، أو بمعنى آخر إخضاع عمل القضاء لرقابة الشعب بشكل فعلي.
إن توفير المناخ العام الملائم لتحقيق هذه الشروط في البلاد هي مسألة في غاية التعقيد دون شك، إلا أن نقطة البدء فيها هي القيام بعملية إصلاح سياسي شاملة، من خلال إطلاق الحريات العامة، وإفساح المجال أمام الحراك الاجتماعي والسياسي ليصبح حراكاً فاعلاً ومؤثراً. وهذا يتطلب إصدار قانون أحزاب جديد يكفل للشعب حقه في تنظيم نفسه في أحزاب ومؤسسات تقودها النخب السياسية والثقافية الحقيقية بما يضمن صنع قرار سياسي حازم بالسير قدماً في قطار الإصلاح. ويتطلب إخضاع السلطات الثلاث وعلى رأسها السلطة القضائية لرقابة السلطة الرابعة من خلال إطلاق الحريات الصحفية والإعلامية بوجه عام في البلاد.
 كما أن تفعيل دور السلطة التشريعية لتأمين رقابة حقيقية للشعب على عمل المؤسسات، ولإقرار حزمة قوانين جديدة تكفل إطلاق الحريات العامة، يتطلب إيصال ممثلين حقيقيين لأصحاب المصلحة الفعلية في عملية الإصلاح إلى مجلس الشعب. وهذا يبدو مطلباً غير واقعي في ظل قانون الانتخاب الحالي الذي يحابي أصحاب رؤوس الأموال ومراكز القوة والسطوة في البلاد. أو يمكن القول إنه قانون يوصل أشخاصاً لا مصلحة لهم في عملية إصلاح حقيقي إلى عضوية مجلس الشعب. وبهذا يكون تعديل قانون الانتخاب بما يضمن وصول ممثلين حقيقيين لأبناء الشعب شرطاً جوهرياً آخر للسير قدماً في عملية الإصلاح. وهنا تبدو المسألة أكثر تشابكاً وتعقيداً، لأن أي قانون أحزاب جديد يجب أن يمر أولاً تحت قبة مجلس الشعب المنتخب وفق القانون الحالي، بمعنى أنه لن يمر مطلقاً دون ضغط شعبي حقيقي. وهذا يقودنا إلى القول بضرورة إخراج الحوار حول الإصلاح إلى العلن، والبدء بتحويله إلى مطلب شعبي أساسي، والعمل على تكوين رأي عام  يمارس ضغطاً حقيقياً وفاعلاً يؤدي إلى اتخاذ قرار سياسي نهائي في إطلاق الحريات العامة، ومن ثم الانطلاق إلى تحقيق بقية الأهداف بدءاً من تشريع قوانين جديدة، وصولاً إلى البدء بالإصلاح الفعلي.
إن إصلاح القضاء هو شرط لازم لأي عملية إصلاح قادمة، لأن فساد القضاء يحول دون إيقاف عملية الفساد والإفساد المتنامية، إلا أن الإصلاح السياسي بدوره هو شرط لازم للبدء بإصلاح القضاء وسائر مؤسسات البلاد، وهذا يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن عملية الإصلاح ستدخل في حلقة مفرغة إذا لم تبدأ من خلال أصحاب المصلحة الفعلية فيها، وأعني الفئات الشعبية العريضة المتضررة من الفساد وسوء التنظيم وتخلف الإدارات. أما إذا بقيت عملية الإصلاح رهينة في أيدي الفاسدين والمستفيدين من تخلف إدارات الدولة أنفسهم، وإذا بقي الحوار حول الإصلاح حبيس الصالونات المغلقة للنخب الثقافية أو السياسية، فإن رقعة الفساد سوف تستمر في الاتساع، وسيبقى الإصلاح في سورية شعاراً رناناً فارغاً من أي مضمون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
414