أما من حل لمشكلة الدراجات النارية المهربة إلا على حساب الفقراء؟
الحملة التي تشنها وزارة الداخلية في هذه الفترة للقضاء على ظاهرة الدراجات النارية غبر النظامية والمهربة، والتي استدعت مؤازرة جهات أخرى ذات صلة، كان البارز فيها المطاردات العنيفة لراكبي الدراجات والتربص لهم على مفارق الطرق وداخل أحياء القرى والأرياف، ونتج عنها في كثير من الأحيان إثارة الرعب والذعر في قلوب المواطنين الآمنين..
هذا القرار الذي اتخذ على عجل دون أن يخضع لدراسة كافية، والحملة التي تصر الوزارة على السير فيها حتى آخر دراجة، تسبب بشلل تام للحركة الاقتصادية في معظم أرجاء الريف السوري، كون الدراجات النارية تعد الوسيلة الوحيدة التي يستخدمها ذوو الدخول المحدودة والحقوق المتآكلة من أبناء الريف، وخاصة الفلاحين الذين تفصلهم مسافات بعيدة عن حيازاتهم الزراعية.
قرارات متسرعة وغير مدروسة، لم تراعِ واقع الريف ومدنه التي لا تحصل من توصيفها كـ«مدن» سوى على الاسم، فكم من بلدة أطلق عليها هذا الاسم ولا تتوافر فيها من الخدمات ما يدل على أنها مدينة سوى عدد سكانها الكبير.. وما يهمنا هو خلو تلك المسماة مدناً من وسائل النقل الجماعي التي تربط الأحياء والمزارع، وتنقل السكان إلى أعمالهم. فما العمل بهذه الحالة؟ وكيف سيتدبر المواطن أمره في الوصول إلى عمله وقضاء حاجاته اليومية؟ هذا بالنسبة للمدن الريفية، أما بحالة الريف وقراه، فالقضية تأخذ أبعاداً أكثر كارثية، وخاصة عند الفلاحين، فالدراجة النارية هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأراضي الزراعية والعناية بالمزروعات، من نقل العمال، إلى نقل الأسمدة والبذار والإشراف على المحصول... فهل فكر من اتخذ هذا المنحى في معالجة ظاهرة الدراجات النارية المزعجة، أنها تشكل في الريف مصدر راحة ووسيلة نقل وحيدة؟ هل فكر من يشن هذه الحملة أن الفلاح الذي تصادر دراجته النارية سيضطر إلى استخدام سيارة مأجورة لتقله إلى أرضه التي لا تبعد عن منزله أكثر من سبعة كيلومتر مقابل 300 ل.س للذهاب ومثلها للإياب؟ وهل يعلم القائمون على أمر هذه الحملة أن آثارها على الفلاحين قد تفوق آثار رفع الدعم عن المازوت ومستلزمات الإنتاج الأخرى، إذا لم يتم تدارك الأمر باتباع طريقة أخرى تناسب وضع الفلاحين في معالجة هذه الظاهرة؟
إن عدد الأسر السورية يفوق الخمسة ملايين أسرة، 60% منها يعيش في الريف، ووفق عملية إحصائية بسيطة طبقت على عدد من القرى، تبين أن كل أسرة في الريف تملك دراجة نارية، وبعض الأسر تملك أكثر من دراجة، وبالتالي إذا لم يتم التعامل مع الدراجات المهربة بطريقة صحيحة تؤدي إلى تسجيلها برسوم بسيطة تراعي حالة المواطنين المرهقين، فإن ذلك سيؤدي إلى هدر أكثر من 62 مليار ليرة سورية ثمن مليوني دراجة يملكها المواطنون، ويساهم بفقدان مثل هذا المبلغ مرة أخرى عبر إعادة تغذية السوق الخاوي من الدراجات بواسطة التهريب. فالطريقة الوحيدة المتبعة حالياً هي إتلاف الدراجات، سواء بطريقة الصهر، أو بتكديسها في العراء ليأكلها الصدأ، وهذا غير صائب، ويجب العمل بما يناسب الظروف السورية، كأن يتم تسجيل الدراجات النارية في الوحدات الإدارية لقاء رسوم محددة وميسرة تدخل خزائن هذه الوحدات الفارغة والعاجزة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيها!!. أما مشكلة الحصول على شهادة السوق المرهقة والمكلفة، فالاقتراح أن تعمل هذه الوحدات بالتعاون مع مديريات المواصلات بالمحافظات على تشكيل لجان تعمل لحل هذه المشكلة عبر منح شهادات السواقة في أقرب مكان يخصص لهذه الغاية. وقبل هذا وذاك، العمل بجدية على منع التهريب، فالأمر ليس بهذه الصعوبة إذا ما توفرت إرادة العمل وتضافرت الجهود لمنع التهريب والقضاء عليه بشكل تام، لأن الجهات التي تلاحق الفلاحين وتداهمهم في قراهم، تستطيع بالتأكيد فعل ذلك مع المهربين فيما لو أرادت ذلك.
يبقى أن نسأل: هل هي مصادفة توافق الحملة المحلية على الدراجات النارية مع الحملات الإقليمية لمكافحة الدراجات أو أصحابها، مع اعتزام الشركات المصنعة لهذه الدراجات على زيادة الطاقة الإنتاجية السنوية بنسبة 20% عبر التوسع في خطوط الإنتاج التي تنوي شركة هيونداي موتورز القيام به في فروعها المنتشرة في آسيا، وكذلك الشركات الصينية المصنعة لهذه الدراجات؟.
أخيراً، نذكّر أن الدراجات النارية لا تستخدم فقط لأغراض غير شرعية كما جاء على لسان أحد قادة الحملة، فهذه الوسيلة بسيطة وقليلة التكاليف، وهي مناسبة لواقع الريفيين وضرورية لهم، وهي كذلك وسيلة مستخدمة في جميع الدول وأكثرها تقدماً، وما يجب أن ينتظرها في بلدنا هو تنظيمها وفق أسس تراعي حال المواطنين الذين لا قدرة لهم على اقتناء السيارات..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 430