«الجاني المجهول» أحرق ملايين الأشجار وعشرات الآلاف من الهكتارات؟!
سمير علي سمير علي

«الجاني المجهول» أحرق ملايين الأشجار وعشرات الآلاف من الهكتارات؟!

أتت الحرائق وألسنة اللهب على مساحات واسعة من المناطق الممتدة من رأس البسيط وصولاً إلى منطقة جبلة ومنطقة القرداحة، مع فوارق زمنية بسيطة بين الحريق والآخر، على طول محاوره وامتداداتها في ريف اللاذقية، وذلك لمدة أربعة أيام.

 

قرى: (الخلالة- المحمودية- قسطل معاف- غابة الشيخ حسان – القرعانية- دباش- الكفيرز- بيت سوهين- المعلقة- الجنجانية- طبرجة- الأريزة- الميسة- ديروتان- حرف المسيترة-  خريبات القلعة- حارة بيت صقر- الخشخاشة- وطى دير زينو- قلعة المهالبة- بقيلون- نقورو- بحوارا- الطيبة- القلمون- بيت عليا) وغيرها الكثير من القرى القريبة والملاصقة، كانت محاور انتشار الحرائق الممتدة، والتي أدت إلى خسائر كبيرة في الأشجار والأحراش والأحراج، بالإضافة إلى الأراضي وبعض منازل المواطنين.

تعاون واصل الليل بالنهار

اعتباراً من ظهر يوم الأحد 20/11/2016 ولغاية يوم الأربعاء 23/11/2016 وطواقم الإطفاء تعمل ليل نهار على إخماد عشرات الحرائق الحراجية التي امتدت للعديد من القرى في ريف اللاذقية، حيث تم إخلاء بعض القرى من سكانها، كما تعرض بعض المواطنين لحالات اختناق، وخاصة كبار السن والأطفال، وذلك بسبب قرب النيران وألسنة اللهب من المنازل السكنية في تلك المناطق.

تزايد اشتعال النيران وشدة الرياح وكبر المساحة وتوسعها، كانت من أهم الصعوبات التي واجهتها فرق الإطفاء، التي واصلت الليل بالنهار في سعيها من أجل تطويق الحرائق وإخمادها، حيث شارك في عملية إخماد هذه الحرائق بالإضافة إلى فوج إطفاء اللاذقية، أفواج إطفاء طرطوس وحمص وحماة ووحدتي إطفاء جبلة والقرداحة، وإطفاء الزراعة ومصلحة الحراج، بالإضافة إلى ثلاث سيارات إطفاء روسية بطواقمها قامت بالمؤازرة من مطار حميميم، كما كان لمساعدة الأهالي في تلك المناطق دور فاعل أيضاً على هذا المستوى، وذلك حسب فوج إطفاء اللاذقية.

بطولة حقيقية

كانت ملحمة بطولية من هؤلاء جميعاً في مواجهة كارثة كبيرة، اعتباراً من مواجهة النيران المستعرة، مروراً بإجراءات الإسعاف لمن تعرض من المواطنين لحالات الاختناق ونقلهم إلى المشافي، وليس انتهاءً بعمليات الإخلاء لبعض المنازل والبيوت من ساكنيها، حيث تعرضت بعض طواقم الإطفاء للحصار بوسط النيران، كما تعرضت سيارتان لأضرار كبيرة، حيث أتت النيران على إحدى السيارات التابعة لإطفاء الزراعة، فيما انقلبت أخرى تابعة لفوج اللاذقية على أحد محاور الطرق، وبالنتيجة اقتصرت الأضرار على بعض البيوت، بالإضافة إلى التهام الحريق لألاف الأشجار المثمرة والحراجية، وخروج مساحات واسعة من الأراضي عن الخدمة، على المستوى الزراعي والبيئي!.

مبررات لم تعد مقنعة

لم تعد المبررات التي يسوقها الرسميون حول التهام الحرائق للملايين من الأشجار وتصحير الآلاف من الهكتارات سنوياً مقنعة، وخاصة بالنسبة للمواطنين من الأهالي والقرويين والمزارعين، في المناطق الحراجية والملاصقة للغابات.

فلا الصدفة ولا القضاء والقدر ولا الماس الكهربائي ولا سرعة الرياح، وغيرها من الأسباب والمبررات، هي وحدها المتسبب والمسؤول الحقيقي عن هذه الحرائق كلها، التي ازداد انتشارها وتوسعت رقعها الجغرافية، وتواتر تكرارها خلال سني الحرب والأزمة تحديداً، وكأن كل تلك الأسباب والمبررات لم تكن موجودة في مرحلة ما قبل الحرب والأزمة؟!.

تصريحات متناقضة 

والتحقيقات مستمرة! 

المواطنون والأهالي ما زالوا مصرين على وجود أصابع خفية وراء اشتعال الحرائق وافتعالها، كما على تكرارها وتواترها وتزامنها، بالإضافة لوجود شريحة مستفيدة من كبار التجار والمنتفعين والمستغلين والفاسدين، فيما ما زالت بعض الجهات الرسمية تصر على أن تلك الحرائق نتيجة لعوامل الطبيعة، أو أن الكهرباء المتسبب بها، وكان تصريح مدير زراعة اللاذقية لإحدى وسائل الإعلام المحلية لافتاً بهذا الصدد، حيث قال: «لا نتوقع أن الحرائق بفعل فاعل، فنحن معتادون في كل موسم على نشوب الحرائق، وبموسم العام الحالي كان ذلك متوقعاً نتيجة الانحباس المطري، وعلى الأغلب الحرائق نشبت نتيجة ماس كهربائي»، كما حاول التخفيف من حجم الكارثة بقوله: «المشكلة التي اعترضتنا أننا كنا نتعامل في اللحظة نفسها مع 33 حريقاً معظمها حرائق زراعية، لكن مساحة الحرائق رغم كثرة عددها لم تتجاوز 1500 دونم».

وكأن 33 حريقاً في أوقات شبه متزامنة، و 1500 دونم، ليست كافية بتسمية ما جرى خلال الأيام الأربعة بالكارثة، ولا تستدعي التوقف عندها للبحث عمن يمكن أن يكون مستفيداً من خلفها بالنتيجة، فتم منح صك البراءة فوراً، فهذه الحرائق ليست بفعل فاعل حسب اعتقاد مدير زراعة اللاذقية!.

فيما صرح محافظ اللاذقية في مؤتمر صحفي: «أن الحرائق ألحقت أضراراً بحوالي /130/ هكتار، 60% منها أشجاراً حراجية، و 40% أشجاراً مثمرة كالزيتون، وغيرها من المحاصيل الزراعية» مضيفاً: «بأن التحقيقات ما تزال مستمرة لمعرفة أسباب اندلاع الحرائق، وستتم المباشرة بتقدير الأضرار التي لحقت بالمواطنين واتخاذ الإجراءات المناسبة».

إحصاءات في مسلسل غير منته

وفقاً لإحصائية وزارة الزراعة، حسب إحدى وسائل الإعلام، فإن أعداد الحرائق الحراجية التي نشبت خلال العام الماضي وحده كانت أكثر من 500 حريق، حيث التهمت هذه الحرائق حوالي 19 ألف دونم، فيما كان عدد الحرائق في منطقة اللاذقية بين عامي 2001 و 2011 قد بلغ 1039 حريقاً، وفي العام 2012 وحده كان هناك 257 حريقاً التهمت بحدود 5 مليون شجرة، وأتت على مساحة تقدر بحدود 10 آلاف هكتار. 

هذه الأرقام تعيدنا لمشهد اندلاع الحرائق خلال هذا العام، والتي أتت على الكثير من الغابات والأحراج في مناطق اللاذقية وطرطوس وحماة ومصياف وحمص وغيرها، في ازدياد ملحوظ لعدد الحرائق وللمساحات التي تأتي عليها التهاماً دون شبع، في مسلسل غير منتهي الحلقات في أجمل البقع والمواقع الطبيعية في البلاد، وبالنتيجة نخسر تباعاً تلك الأحراج والغابات والأشجار المعمرة والنادرة بأحيان كثيرة، مع كل ما تعنيه على المستوى الاقتصادي والبيئي، من آثار كارثية آنية ومستقبلية، وذلك كله يسجل ضد مجهول، على الرغم من وجود بعض المستفيدين، سواء على مستوى التفحيم، أو على مستوى وضع اليد، من تجار وسماسرة، والتي يحلو لبعض الرسميين تسميتهم «ضعاف النفوس»، على الرغم من عدم الإقرار بمعرفتهم.

التفحيم ليس المتهم الوحيد

يشير العديد من المتابعين بأن موضوع التفحيم ليس المتهم الوحيد خلف تلك الحرائق وامتداداتها كلها، حيث هناك الكثير مما يمكن استغلاله من خروج بعض المناطق عن كونها أحراجاً أو غابات محمية، سواء بوضع اليد من قبل البعض، أو بتعديل الصفة لاحقاً من أجل المشاريع الاستثمارية، سواء كانت عقارية أو سياحية وغيرها، وهو ما لم يظهر حتى الآن إلا عبر القليل من المخالفات البسيطة المسجلة رسمياً لدى وزارة الزراعة ومديرياتها.

مع الإشارة إلى أن عمليات التفحيم ازداد نشاطها خلال سني الحرب والأزمة عبر افتعال الحرائق، كما انتعشت تجارة الحطب، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وزيادة احتكارها، وخاصة خلال مواسم الشتاء. 

توجيهات مع وقف التنفيذ

كما يشار أن الحكومة كانت قد شددت، بشهر تموز من هذا العام، على ضرورة محاسبة كل من يقف وراء الحرائق المفتعلة، واتخاذ إجراءات حازمة لمنع التعدي على الحراج وقطع الأشجار، والتشدد بالعقوبات الرادعة بحق مفتعلي الحرائق، وذلك على أثر العديد من الحرائق التي سبقت هذا التشديد في حينه في كل من حمص وطرطوس واللاذقية وحماة.

إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا التشديد الحكومي لم يجد له مكاناً على مستوى التنفيذ، على الرغم من الاعتراف الرسمي بوجود مفتعلين لهذه الحرائق، كما بوجود متعدين على الحراج، حيث ما زال مسلسل الحرائق مستمراً بحلقاته تباعاً، كما ما زال المفتعل لهذه الحرائق مجهولاً، بانتظار القادرين على التعرف عليه!.

وكأن هؤلاء الكبار من المستفيدين والمستغلين والسماسرة والتجار والفاسدين، المجهولين رسمياً، أو ممن يطلق عليهم «ضعاف النفوس» حسب التصريحات الرسمية بأحسن الأحوال، مصرين على استكمال الدمار على المستويات كافة، فلم تكفهم استفادتهم مما سببته الحرب من دمار وتشرد وجوع استغلالاً لحاجات المواطنين، ولم تكفهم الامتيازات كلها التي حصلوا عليها عبر السياسات الليبرالية للحكومات المتعاقبة من أبواب النهب الواسعة التي فتحت على مصراعيها أمامهم على المستوى الاقتصادي والمعيشي اليومي للمواطن، ليأت دورهم الأكثر فجاجة وقذارة على مستوى الحاضر والمستقبل بسلب الأجيال القادمة غابات وأحراج وأشجار عمرها مئات وآلاف السنين، عبر تدميرها تباعاً حرقاً واستنزافاً وتصحراً، في مسلسل زادت حلقاته خلال سني الحرب والأزمة بفعل الانفلات، سبباً في المقدمات، ومبرراً ومسوغاً في النتائج والتبعات.

كلمة أخيرة

لا بد من التذكير بأهمية دعم منظومة أفواج الإطفاء بالوسائل والمعدات والتجهيزات والآليات الضرورية كافة، من أجل أن يقوموا بعملهم على أتم وجه، وخاصة تلك الضرورية للأماكن والمناطق الوعرة أو كثيفة الأشجار، بما في ذلك حوامات الإطفاء، حيث خرجت حوامات الإطفاء كلها عن الخدمة خلال الحرب والأزمة وبسببها، بالإضافة لأهمية توفير وسائل الحماية والتواصل، فهؤلاء الأبطال المجهولين والمغيبين يعملون بما تيسر لديهم من معدات وتجهيزات، رغم تواضعها، على حساب أمنهم وسلامتهم الشخصية غالباً.

كما لا بد من التذكير بضرورة زيادة أعداد العاملين في حماية الحراج والغابات ورقابتها، ومنع التعديات عليها، حيث من المفترض أن يكون هؤلاء جرس الإنذار المبكر لأي شرر متطاير يمكن أن يتسبب بكارثة، بالإضافة لدورهم على مستوى مخالفة المسيئين.

 وأخيراً لا بد من أن تقوم الجهات الرسمية بدورها وواجبها، على مستوى استكمال التحقيقات لمعرفة الفاعلين الحقيقيين ومن خلفهم من المستفيدين، من كل الحرائق المفتعلة والمنفلتة والمتزايدة كلها، فعبارات: «قيدت ضد مجهول» و«ضعاف النفوس»، لم تعد مقنعة بالنسبة للمواطنين، وخاصة للمتضررين المباشرين منهم.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
786