من أكل قوانين الإدارة المحلية؟ العشوائيات في قانون جديد.. ومخالفات المرحلة الصعبة

يشير الرجل الأربعيني إلى فسحة خضراء كانت هنا..الأصابع الخمس المفروشة لا تغطي سوى مساحتها في الفراغ، ولكن الرجل يعيد الإشارة إلى مجموعة من البيوت المتهالكة التي تشبه حياً، ويقول كمن ينكأ ذاكرته بقسوة مشرط: هنا كنا نلعب في الربيع، وهنا كانت تغطي الأعشاب الأرض، ونعبث بدود الأرض، ولكنها كما ترى تحولت إلى صحراء من أسمنت.
تلك حكاية العشوائيات التي أكلت الأراضي الزراعية مقابل أموال في جيوب المرتشين، وبسبب عجز الحكومات والإدارات المتعاقبة عن إيقاف هذا السرطان، و عدم قدرتها على التشريع، وتقاعسها في تنفيذ القرارات التي اتخذت بعدما تفشى الوباء.

توجيه حكومي..وبعد
وجه رئيس الحكومة إلى ضرورة التشدد في إزالة المخالفات، وهذا ليس التوجيه الحكومي الذي يصدر ولا صدى له على الأرض، وليست الصرخة الأولى التي تريد الحكومة أن تسمعها هي أولاً لتصدق أن خطراً حقيقياً يأتي من تلك العشوائيات التي يتراكم فيها الناس في انتظار الخطر الذي لا يعرف أحد من أين سيأتي، وماذا سينتج عنه من مصائب لا حصر لها، وأهمها ضحايا وأرواح بريئة لا ذنب لها سوى أن الفساد يساهم في طردهم إلى حتفهم تحت أسقف مهددة بالسقوط.
التوجيه الحكومي إلى ماذا سيؤدي، وإذا ما كان مصيره مصير التوجيهات السابقة ستبقى الحكومة مجرد جهاز إنذار لا يسمعه أحد، وستوافق على قانون جديد يلحق بسابقيه إلى أدراج الانتهازيين الذي سيبحثون عن ثغراته، ويجيرونها لخدمة جيوبهم.
 
الإدارة المحلية..تصوغ
الإدارة المحلية تقدمت إلى الحكومة بالصيغة النهائية لمشروع قانون جديد غايته قمع المخالفات وإزالتها، وأوضحت الأسباب الموجبة لإصداره هذا القانون.
القانون رقم 1للعام 2003 لم يتمكن في حينه من إسدال الستارة على فورة العشوائيات بل أدى إلى زيادة رقعتها مما حدا بإصدار قانون جديد في 24/9/2008 تحت رقم 59 ألغى النصوص السابقة ونص على إزالة أية مخالفة بناء شيدت بعد صدوره، ولكن المعضلة أن استشراء الفساد في مفاصل الوحدات الإدارية المضطلعة بهذا الشأن جعل من كل ما صدر مجرد حبر على ورق.
الأزمة التي تمرّ بها البلاد الآن وفرت منذ أيامها الأولى أجواء لا يمكن أن يفوتها أصحاب المصالح الضيقة وتجار البناء، وأوهنت من عزيمة بعض المخلصين في الوحدات الإدارية لوقف التعدي على القانون، وهذا ما أدى إلى ظهور أحياء جديدة، وخرائب يتم استثمارها من تجار العشوائيات وبالإضافة إلى هذا مخالفة التراخيص، وبناء طوابق مخالفة في قلب العاصمة.
 
 بين التسوية والمخططات التنظيمية
 مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد والمتعلق بما يخص مخالفات مناطق السكن العشوائي أورد ضرورة تسوية هذه المخالفات بعد تأهيلها، وتسوية أوضاع الملكيات القائمة عليها، وإدخالها في المخطط التنظيمي عن طريق دراسات تنظيمية تتوافق مع المخطط العام للوحدة الإدارية المعنية.
مشروع القانون يؤكد على ضرورة فرض غرامة مالية على المخالف إضافة إلى إجراءات التسوية المسموح باتخاذها، ويعاقب بالغرامة من خمسة وعشرين ألف ليرة إلى خمسين ألف ليرة كل من مالك العقار والمتعهد والمهندس المشرف عند القيام بإنشاءات دون الحصول على رخصة بناء نظامية أو مخالفة للترخيص الممنوح.
على الأرض قضايا لم تنته حتى اللحظة، وخلافات وصلت إلى القضاء بين مالكين متعددين، ورخص منحت بشكل مخالف للقانون، وشكوك في صحة بيانات إخراجات القيد الصادرة عن المصالح العقارية، وأخطاء بأسماء المتوفين والورثة في خلط غريب للجهات المسؤولة عن هذه الأخطاء، ومصلحة البعض في هذه الأخطاء التي تدر عليهم عقارات مخالفة وأموالاً طائلة.
أما المخططات التنظيمية التي أفردنا لها في (قاسيون) تحقيقاً كاملاً فهي تحتاج إلى جيش من المراقبين والمقررين والموظفين الذين يهم بعضهم إدخال أراضٍ وإخراج غيرها من هذه الرسومات التي لا تنطبق على أرض الواقع.
الإدارة المحلية تتحدث عن أن القانون جاء ليرسخ مبدأ الملكية المستقرة المبنية على أسس قانونية تستهدف توثيق الملكيات بما لها من شروط وما عليها من التزامات، وبما يحقق شيوع الطمأنينة في انتقال الملكيات وشعور المواطن المالك لبناء غير مرخص بالمساواة في الحصول على هوية قانونية وفنية لبنائه، وإسهام ذلك في تمكين الوحدات الإدارية من إدارة أراضيها، وتقديم الخدمة انطلاقاً من توافر البيانات الموثقة والدخل المادي اللازم لذلك، إضافة إلى معالجة الوضع الراهن للأبنية المشيدة دون ترخيص، أو المخالفة للمخطط التنظيمي العام، أو التفصيلي ولنظام ضابطة البناء بما لا يتعارض مع الأسس القانونية الفنية.
على الأرض ما يعيق تنفيذ هذه النصوص التي تبدو منصفة وعادلة وأنها ستحقق نقلة نوعية في التطوير العقاري يواجه التنفيذ بعراقيل إدارية ومصلحية، ويمكن التدليل على ذلك من خلال مجموعة القضايا التي تعرض على القضاء والمتعلقة بتثبيت الملكيات، وإفراز العقارات، والملكيات بصكوك قانونية أو إدارية، وخصوصاً في أماكن السكن العشوائي التي تقع تحت بند (كاتب بالعدل)، ويبدو من يحمل هذه الوثيقة كمن لا ملكية له، وهذا ما يجعل علاقات البيع والشراء وكذلك الأسعار تتعلق بمثل هذه الثبوتيات.
 
مسؤولية المجالس المحلية
قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 للعام 2011 والذي أعطى المجالس المحلية صلاحيات ومسؤوليات واسعة يربطها مشروع القانون الجديد بدور لهذه المجالس في إزالة المخالفات وقمعها.
القانون الجديد نص على  إزالة الأبنية المخالفة مهما كان نوعها وموقعها وصفة استثمارها أو استعمالها بالهدم، وترحل الأنقاض على نفقة كل من كانت المخالفة لمصلحته، وضرورة تنظيم ضبط بالمخالفة من شرطة الوحدة الإدارية أو البلدية، أو الجهات المختصة بمراقبة البناء والمخالفات، ويتم بموجب توصيف المخالفة بشكل دقيق كما يمكن تنظيم ضبط بالمخالفة من العاملين في الوحدة الإدارية أو البلدية المكلفين بمراقبة وضبط المخالفات بعد قسمهم اليمين القانونية أمام القاضي المختص مع إصدار قرار فوري بالهدم خلال أوقات الدوام الرسمي من تاريخ ضبط المخالفة، ويتم الهدم مباشرة على مسؤولية مدير البلدية، ويحال المخالفون والمسؤولون عن ارتكاب المخالفات إلى القضاء.
ولكن.. السؤال الذي يتجاوز القانون والنصوص هو لماذا تتكاثر المخالفات عندما تصدر التشريعات التي تمنعها، وهل ستقوم هذه الوحدات بتنفيذ القانون والقيام بما أوكلها إياه من مهام ومسؤوليات؟
في ريف دمشق الغربي تتطاول الأبنية على الشوارع الرئيسية، وتغيرت أشكال الأحياء وعناوين البيوت في بعض مدن هذا الريف، وضواحٍ ظهرت أكبر من المدن التي تحيط بها كإسوارة بالية في يد عجوز متهدلة اللحم.
بعض هذه الضواحي ما زالت بلا طرق معبدة، والشتاء كشف عريها من كل شيء، وشبكات الكهرباء التي تنير بيوتها الخافتة تمتد على مسافات طويلة، وأما شبكات الصرف الصحي فيمدها المواطنون على حسابهم أو يستخدمون الحفر الفنية التي تفسد الأرض، وتنشر الأوبئة والأمراض.
 
التطوير العقاري..شاهد يتهم
مدير هيئة التطوير والاستثمار العقاري يحمل الوحدات الإدارية مسؤولية إعاقة عمل هيئته، ومن أهم المعوقات كما يقول ياسر السباعي: تأخر الوحدات الإدارية التابعة لوزارة الإدارة المحلية عن إصدار دفاتر الشروط الفنية والمالية والحقوقية لمناطق التطوير العقاري، والإعلان عن تنفيذها حيث تضم هذه المناطق ما يزيد على /118/ ألف وحدة سكنية نسبة السكن الاجتماعي منها 90%.
وهذا ما يعيدنا إلى المربع الأول وهو ما مصلحة الوحدات الإدارية في عرقلة مشاريع التطوير العقاري؟، وفي المدى القريب من نظرنا على سبيل المثال التي تضم 5 مناطق للتطوير العقاري، وهذا ما يؤكد أن تفاقم أزمة العشوائيات يخدم المصالح الضيقة للمجالس المحلية التي وحسب وزير الإدارة المحلية السابق ذهب ثلاثة أرباع رؤسائها إلى السجون بسبب الإهمال وعدم تطبيق القوانين الناظمة لضابطة البناء، وعدم قمع المخالفات بما يتوافق مع القانونين رقم 1 لعام 2003 ورقم 59 لعام 2008.
يرى الدكتور أكرم الحوراني في لقاء صحفي أنه يجب أن يشمل عمل هيئة التطوير العقاري مجال تطوير مناطق السكن العشوائي بمعنى إعادة النظر في المخططات التنظيمية في تلك المناطق الواقعة على تخوم المدن من خلال إيجاد شكل قانوني يسهم في حل مشكلة الملكيات وتقدير حقيقي للقيمة وتعويض المالكين.
الحوراني يتهم البلديات بالتلكؤ في توسيع المخططات التنظيمية،والحكومة التي كانت تشجع على المضاربات العقارية والاستثمار العقاري، وكذلك نشوء مجموعات من الشركات والجمعيات الخاصة التي نفذت مشاريع عقارية عديدة في تخوم المدن في إطار تركيبة ما لا يخلو معظمها من بعض جوانب الفساد، أسهم في تفاقم مشكلات السكن، وأدت إلى موجة من ارتفاع أسعار الأراضي المرغوبة للتوسع العمراني إلى حدود أصبحت ترهق كاهل طالب السكن من ذوي الدخل المحدود.
 
من أكل القوانين..
حتى لا نتهم بالإفراط بالتشاؤم، وأننا نراهن على قانون لم يرَ النور بعد، وأننا لا نرى من الكأس إلا الفراغ سننتظر نتائج القانون على الأرض؟
إذا فشل المشروع الجديد لن يكون النص هو السبب، وليس لأن القانون ولد ميتاً، ولكننا نعرف جميعاً أن القوانين التي سبقته أفشلها الانتهازيون والمتقاعسون، وأن من أكلها هم وحدهم أصحاب الكروش التي ترى من القانون فقط ثغراته، وربما لن أصاب بالدهشة عندما سيشتكي مواطن من رئيس بلدية، أو محافظ أصدر قراراً ظالماً، أو مديرية رقابة داخلية في محافظة ما رمت بشكواه في سلة المهملات، وفي لحظة غضبه يصرخ المواطن أن كل هؤلاء ليسوا فقط متواطئين مع تجار البناء بل أن أغلبهم تجار بناء؟
 
هؤلاء هم أكلة القوانين؟