تظاهرة احتجاجية على أنشطة السفارة الأمريكية بدمشق: «أيها المارون في الكلمات العابرة.. احملوا أسماءكم وانصرفوا»
ليست الصدفة الطارئة من كتبت على ممثلي الإدارة الأمريكية في جميع أنحاء العالم الاختباء خلف الأسوار العالية احتماءً من غضبة الشعوب على سياساتها العدوانية.. بل أنها أصبحت قانوناً موازياً للصلف الأمريكي المتمثل في إعلان الحرب على العالم حماية لمصالحها الإمبريالية واستجابة للنزعة التوسعية الصهيونية..
ففي دمشق، وللمرة الثالثة، جرّب دبلماسيو الإدارة الأمريكية الخروج من أوكارهم المسيجة.. وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الخروج: استقبال يليق باليانكي الأمريكي القاتل.. فبعد أن طردت السيدة السورية مجد نيازي الطباع القنصل الأمريكي من مطعمها.. أفشل شبان سوريون حفلاً احتفالياً لأركان السفارة في مطعم (سيرياإبل) في باب شرقي..
ومن جديد.. قام المئات من المتظاهرين السوريين بتنظيم تظاهرة احتجاجية على الأنشطة التي افتتحتها السفارة الأمريكية والمركز الثقافي الأمريكي يوم الأول من آذار الجاري في خان أسعد باشا بدمشق تحت عنوان: «روافد نسائية»..
«لا خيار إلا المقاومة»
وقد حمل المتظاهرون الأعلام الوطنية السورية والفلسطينية والعراقية والشعارات المنددة بالسياسة الأمريكية ـ الصهيونية الإجرامية بحق الشعوب مثل: «لا خيار إلا المقاومة»، و: «دمشق مع خيار يوسف العظمة وليس مع خيار عربة غورو».. ووضع المتظاهرون العلمين الأمريكي والإسرائيلي كممسحة للأحذية عند مدخل الخان، وعلقوا العلم السوري على الباب ليجبروا المشاركين على طأطأة رؤوسهم له عند الدخول..
وردد المتظاهرون الهتافات الوطنية المنددة بالسياسة الأمريكية، وبمشاركة بعض الفنانات السوريات في هذه الفعالية المشبوهة.. وأحرقوا الدولار الأمريكي.. ومن الهتافات:
حيف حيف والله حيف... نستقبل أمريكي ضيف
عار عار والله عار... علّي تعامل بالدولار
ارحل يا أمريكاني رحال... أرضي ما بتحمل أنذال...
أنا سورية بلادي.. ما بتهاب الأعادي.. يوسف أول الأبطال.. بميسلون كانوا الرجال.. مابيرضوا بالإستعمار..
شلون شلون قللي شلون.. تقبل يكرمك شارون..
الشعب السوري هب وثور.. على الخاين والمأجور..
كما رفع المتظاهرون العديد من الصور التي تفضح المجازر الأمريكية بحق الشعوب، من فلسطين إلى العراق.. إلى مختلف بقاع العالم..
أنشطة مشبوهة
ووسط غضب المتظاهرين العارم وهتافاتهم، ارتجل الرفيق حمزة منذر عضو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين كلمة مؤثرة جاء فيها:
أيها المعتصمون ضد أنشطة المركز الثقافي الأمريكي المشبوهة في دمشق، وآخرها الادعاء «بتكريم بعض النساء السوريات»!!.. إن المرأة السورية لهي أشرف وأجّل من أن تقبل التكريم من الأيدي الملطخة بدماء الشعوب، من أمريكا اللاتينية إلى أفغانستان، وبضمنها شعوبنا العربية التي يُقتل أبناؤها بالسلاح الأمريكي المباشر في العراق وبأيدي المعتدين الصهاينة في فلسطين وجنوب لبنان.
وأضاف: إن مواجهة التهديدات الأمريكية ضد سورية لا تكون بفتح أعرق بيوت دمشق وصروحها الحضارية (خان أسعد باشا) أمام الأنشطة المشبوهة للمركز الثقافي الأمريكي التابع للسفارة الأمريكية في دمشق، لأن ذلك سيزيد من صلف البيت الأبيض ومن مطالبه الاستعمارية إزاء وطننا الحبيب سورية، بل في أن نحزم أمرنا وفي السير على طريق «خيار يوسف العظمة وليس خيار الذين جرّوا عربة غورو»، وهذا هو قدر سورية في التاريخ: المواجهة وليس المساومة، لذلك علينا التمسك بخيار المقاومة وتعميق ثقافة الاستشهاد دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن، فبالمقاومة فقط أمكن تحرير جنوب لبنان، وبالمقاومة الأسطورية وباللحم الحي يتمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية الثابتة ضد مجازر حكومة شارون، ولن يكون الجولان استثناءً عن ذلك، فعندما تدق الساعة لن نتقاعس عن شرف تحريره حتى آخر شبر منه.
إن من يدّعي بأن ثقافة الاستشهاد هي ثقافة الموت، هو الميت الذليل الحي، بينما الذين سلكوا طريق المقاومة والشهادة دفاعاً عن الوطن وكرامة المواطن، هم الشهداء الأحياء وهم شرف وضمير هذا العصر في مواجهة العولمة المتوحشة.
وفي ختام كلمته توجه إلى المعتصمين قائلاً: دعوا الذين ارتضوا لأنفسهم أن يحتفلوا خلف الأبواب المغلقة، بينما نحن لنا خيار آخر، خيار المقاومة ورفع العلم السوري فوق جباهنا وجبالنا.. وطلب من المعتصمين إنهاء التظاهرة بالنشيد العربي السوري «حماة الديار»..
بعد ذلك سار المتظاهرون وسط أحياء دمشق العريقة مروراً بسوق الحميدية وهم يرددون الأناشيد والهتافات الوطنية ويرفعون الرايات الوطنية..
وقد عاد الكثير ممن كان قد جاء ليحضر الافتتاح.. إما خجلاً من أنفسهم.. وإما قناعة.. وشارك البعض منهم في الهتاف مع المتظاهرين..
مختبئون.. خوف.. وقلق
أما عن الذين اختبؤوا خلف الأبواب المغلقة في الخان.. فقد سيطرت عليهم حالة الخوف والقلق.. ووصفوا المتظاهرين بـ «الإرهابيين والمتخلفين والوحوش.. وأعداء الفن..».. وقام مترجم المستشارين الثقافيين بترجمة ما يطرحه المعتصمون في الخارج..
وعبرت ساندري ماكاي، المستشارة الثقافية في السفارة، عن حزنها وخوفها، حيث أنها عملت في اليونان وإسبانيا لصالح السفارات الأمريكية وتعرضت هناك أيضاً للعديد من حملات التنديد من القوى والأحزاب اليسارية على سياسة بلادها..
وفي المعرض لوحظ في بعض الأعمال أنها تمجد نمط الحياة الأمريكية بشكل استفزازي.. وتحمل بعض الأعمال تهجماً مفضوحاً على القيم العربية والإسلامية.. وبشكل خاص في لوحات الفنانة الأمريكية ليا ميسباك..
أما السفيرة الأمريكية مارغاريت سكوبي، التي اعتبرت نفسها أنها قد حققت انتصاراً.. إذ أنها أنكرت أنها داست على العلم الأمريكي لأنها حضرت في وقت مبكر عن موعد الافتتاح (كما صرحت لجريدة الحياة)..
تدخلاً فظاً
وفي كلمتها الافتتاحية للفعاليات، قالت وبصلف: «إن إحدى الدعائم الأساسية التي تتكون منها مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط أو MEPI هي المرأة والتي تهدف إلى تمكين المرأة العربية من تولي مهام قيادية من شأنها أن تحد من العقبات الاجتماعية والنظامية والقانونية والاقتصادية والسياسية التي تعيق المرأة من المشاركة الكاملة في المجتمع. وقد قامت الحكومة الأمريكية، حيثما كان متاحاً، بتسمية نساء سوريات للمشاركة في برامج مبادرة الشراكة..».
لم تكن رسالتها مستترة... بل دعوة صريحة وواضحة لإحلال مفهوم و«قيم» المرأة الأمريكية.. على الطريقة الأمريكية.. وبالنكهة الأمريكية مكان القيم العريقة للمرأة في بلدنا.. ليس ذلك فحسب، بل تعتبر تدخلاً فظاً بالشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.. لإعادة النظر بـ «العقبات الاجتماعية والنظامية والقانونية والاقتصادية والسياسية»..
آن أن تنصرفوا
الترحاب بالضيوف وإكرامهم وحسن ضيافتهم.. عادة تراثية عربية نعتز بها ويحسدنا الغرب عليها.. وكما لكل قاعدة استثناء، فالاستثناء هنا هو الطرد اللائق الذي أصبح قاعدة عندما يتعلق الأمر بممثلي الإدارة الأمريكية المجرمة.. ونقول لهم ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش للمحتلين الصهاينة:
أيها المارون في الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
أنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص..و انصرفوا
وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء
وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا قمح نربيه و نسقيه ندى أجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا:
حجر.. أو خجل
فخذوا الماضي، إذا شئتم إلى سوق التحف
وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم
على صحن خزف
لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل ولنا في أرضنا ما نعمل
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا
وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس
أو إلى توقيت موسيقى مسدس!
فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف وشعب ينزف
وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة
أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا... والآخرة
فاخرجوا من أرضنا
من برنا.. من بحرنا
من قمحنا... من ملحنا... من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا
من ذكريات الذاكرة
أيها المارون بين الكلمات العابرة!..
ومن الجدير ذكره أن الحشد الأساسي للمتظاهرين كان من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ولجان حق العودة واللجنة الوطنية لمقاطعة البضائع الأمريكية.
■ كمال مراد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.