خطة لخمسين عاماً لإنقاذ نباتات سورية

تعرض الغطاء النباتي إلى تعديات عدة أدت إلى زيادة التصحر وذلك بسبب عوامل طبيعية كتوالي سنوات الجفاف وانخفاض معدلات الهطول المطري لسنوات عديدة ولأسباب ناتجة عن نشاطات الإنسان المتعددة كقطع الأشجار وخاصة على المنحدرات الجبلية والهضاب والبوادي أو حرائق الغابات. كما أن التلوث الصناعي والرعي الجائر في السهوب والبوادي وزيادة الحمولة الرعوية لعب دوراً سلبياً كذلك.

أما زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك  العالي للمياه فقلص من فرصة نمو الغطاء النباتي الطبيعي ودعم هذه السياسة، حراثة أراضي البادية التي كانت من أهم أسباب التصحر في عصرنا الحديث، ناهيك عن الانجراف المائي في المنحدرات الجبلية.

ويعود تدهور الغطاء النباتي في سورية إلى زمن قديم يعادل بداية الحضارة حيث ذكر في ملحمة جلجامش وأوروك كما ذكرها العرب القدماء ويمكننا في جولة سريعة رؤية معاصر الزيتون القديمة في أماكن ليس فيها نبات الآن، وتزايد التدهور في العهد العثماني حيث انقرضت قرىً بكاملها. ويرى المسافر في الطريق بين حمص ودمشق بقايا أشجار متناثرة ما زال الطلاب يدرسونها على أنها بقايا الغابات التي كانت تغطي جبال القلمون وكذلك البلعاس.

أما آخر فنون تخريب الغطاء النباتي فهي في وقتنا الراهن تتجلى في حرق الغابات المتعمد من قبل بعض المتنفذين لاستئجارها كأملاك دولة واستخدامها كمزارع خاصة لبناء القصور الفخمة، والسماح للمتنفذين بزراعة المحاصيل البعلية في السنين الماطرة والسماح لأغنام البادية بالرعي في المحميات الرعوية كما حصل منذ بضع سنوات عندما فتحت أبواب محميات سورية كاملة أمام الرعي.

ويبقى اندثار غابات البطم الأطلسي في جبال البادية السورية وسلسلة لبنان الشرقية وغابات اللزاب في القلمون شاهداً على ما حصل كما يشهد تدهور غابات العرعر الفينيقي والصنوبر الحلبي على ذلك.

كما يتأثر حوالي 25% من مجموع الأراضي في البادية السورية بالانجراف الريحي مشكلاً زوابع ترابية حيث تقدر كمية التربة المنجرفة بالرياح في سهول حلب بحدود 17-30 طناً بالهكتار سنوياً. والتربة المنجرفة بالأمطار بين 10-70 طناً في الهكتار في جبال البادية السورية. ووصلت المساحات المتضررة بسبب تملح التربة الناتج عن سوء الري والصرف إلى 45% من الأراضي المروية في مشاريع حوض الفرات والخابور، مما انعكس على التنوع الحيوي النباتي والحيواني وأدى إلى انقراض العديد من الأنواع وضاعت أصولها الوراثية، كما في الأصول البرية لبعض أنواع القمح والشعير.

إن إعادة الوضع إلى ما كان عليه أو منعه من التدهور يتطلب الاهتمام بالسكان في هذه المناطق وإدارة رشيدة للموارد الطبيعية محققاً تنمية مستدامة تحقق مصلحة السكان والطبيعة معاً.

لقد بذلت جهود متواضعة في سبيل منع هذا التدهور تتمثل في التشجير الحراجي الذي بدأ منذ عام 1951 في المناطق الجبلية ذات الأمطار العالية، ثم أحدث عيد الشجرة الذي تزرع فيه مساحات رمزية لأغراض دعائية. وفي سبيل تطوير أكثر جدية أحدثت عام 1975 اللجنة العليا للتشجير التي رصدت لها أموال طائلة لكنها لم تستطع انتشال الوضع مما هو فيه.

وهكذا نرى أنه من الضروري بذل أقصى الجهود لإنقاذ وضع الغطاء النباتي باستنفار كافة القدرات من أجل تشجير ما تبقى من مناطق الهضاب والسهوب  التي كانت غابات حتى أمد قريب وكذلك تشجير المناطق الرعوية بما يناسبها وحمايته من الرعي الجائر وزيادة الحمولة الرعوية.

وتقدر المساحة التي يجب إعادة الغطاء النباتي إليها بأكثر من عشرة ملايين هكتار وإذا علمنا أن ما تنجزه حملات التشجير حاليا لا تتعدى عشرة آلاف هكتار سنوياً لأدركنا أننا بوتائر العمل الحالية نحتاج إلى ألف عام حتى ننجز ما هو مطلوب إن أهملنا ما يحصل من تخريب. 

لذا فإن الضرورات البيئية والاقتصادية والصحية والاجتماعية وبالتالي السياسية تفترض وضع خطة إنقاذية لهذه الحال المزرية أي إنجاز 200 ألف هكتار سنوياً بدل العشرة آلاف الحالية حتى نتمكن خلال خمسين عاماً من الوصول إلى وضع مُرض، فهل تستطيع وزارة الزراعة بأوضاعها الحالية القيام بهذه المهمة.

 

■ م. نزار دنيا