طلف – قرية خارج العصر

هل فكرنا مرة عندما تخلو قرية من المسؤولين ما الذي يمكن أن يحدث؟ تعالوا لنرى هذا المثال من واقعنا..

عندما تخلو قرية ما من المسؤولين ستجد نفسها واقفة في مفرق الطرق حيث لا مفارق ولا طرق وإن وجدت فهي مستنقعات في الشتاء و مغابر في الصيف، يعدك كل طريق فيها بأن يوصلك إلى مبتغاك، ولكن ما أن تسير قليلاً حتى تسد في وجهك المنافذ، أو تجد جسراً مترهلاً تم استغفال أهل القرية عند بنائه منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، وعندما يفطن أصحاب الشأن إلى خطورة العبور عليه بعد ثلاثين عاماً يتكرمون بسد أوله وآخره لمنع المرور فيه!! فإذا به يتحول من جسر مواصلات إلى جسر إعاقة يقطع القرية عن أراضيها.

وعندما تخلو قرية ما من المسؤولين ستجد روائح مياه الصرف التي تسيل على شوارعها تسابق المارة في كل مكان فهذه القرية لن يكون فيها مجارير للصرف الصحي، طبعاً لأن الناس العاديين لا يشمون الروائح، وإذا عرض الموضوع على أصحاب القرار في المحافظة تكرموا بمد القرية بملغ يتجاوز الـ 2% من كلفة المشروع، وما على بلدية القرية البائسة إلى أن تتدبر الـ 98% فشكراً جزيلاً لأصحاب القرار.

عندما تخلو قريتك من المسؤولين يجري سكانها عشرين عاماً حتى تحفى أقدامهم وهم يراجعون المسؤولين عن الاتصالات والهاتف متوسلين ومتسولين، لا لشيء لكن فقط ليتعرفوا على هذا الاختراع الغريب الذي ما فتئوا يسمعون به منذ ولادتهم ويرونه في دون أن تلمسه أيديهم، وما يزيد الحسرة أن الناس تتكلم هذه الأيام عن شيء جديد يسمى الإنترنت وعصر المعلومات والقرية الكونية وما إلى ذلك من الأساطير التي لن يكتب لهذه القرية على ما يبدو أن تعيش أحداثها. وإذا ذكرت هذا كله لم يكن الجواب إلا وعوداً كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً.....

وعندما تخلو القرية من المسؤولين تنشط فيها فرق التنمية الدولية، لتحمل في جعبتها وعوداً فارغة وأكاذيب مزخرفة وتنتشر في وسائل الإعلام الرسمية بكل وقاحة عن نجاح تجربتها الرائدة مستغلة خلو الساحة من الرقيب والحسيب، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وعندما تخلو قريتك من المسؤولين يكاد أهل القرية يقبلون أقدام المسؤولين في مديرية الصحة عشرين عاماً لافتتاح مستوصف فيها، ولكن لا فائدة، و عندها يجد أهل القرية أن لا حل سوى أن يبنوا مستوصفهم بأيديهم وبعد الانتهاء، تخف حالة الذل من تقبيل الأرجل إلى تقبيل الأيدي، لكي يتم مد هذا المستوصف بطاقم طبي وهناك ستتكرم مديرية الصحة لطبيب يداوم ساعتين في اليوم. وعندما يأتي شاب يحمل ابنه الصغير في حالة إسعافية ولا يجد أحداً في المستوصف يضطر إلى اللجوء إلى أطباء القرية المجاورة 0 فيركب دراجته النارية و يحمل خلفه زوجته الحامل و ابنها المريض ويسير في طريق القدر لكي ينادى بعد قليل في مسجد القرية للصلاة على.. الأم والجنين والولد الذين مضوا في حادث أليم، ولكي لا يقع الطبيب كبشاً للفداء نود أن نوضح أن الحادث لم يكن ضمن دوامه المحدد له.

نعم إن هذا كله وأكثر من ذلك مما لا يتسع المقام لذكره تعيشه قرية من قرى محافظة حماة اسمها (طلّف) ولكي لا يتبادر إلى الذهن أنها في مناطق نائية فهي - وللعلم فقط - تقع بين مدينتي حماة وحمص إلى الغرب من مدينة الرستن، حيث تنعم المنطقة هناك بكل أنواع الخدمات. ولكي لا يعتقد أحد أن هذه القرية قد تكون بيتين أو ثلاثة، نذكر للعلم أيضاً أن عدد سكانها يقارب السبعة آلاف.

أخيراً نود أن تكون هذه صرخة استغاثة لمن هم أكبر من المسؤولين... صرخة استغاثة للشرفاء في هذا البلد، أغيثونا أغيثونا.