أين المفر: مشافي خاصة بلا رحمة وعامة بلا خدمة؟!

يبدو أن أي خطوة نحو الغاء مجانية قطاع الصحة الحكومي ستكون لها انعكاسات اجتماعية خطيرة لانها ليست مسألة طبية فحسب بل هي مسألة مرتبطة بمختلف نواحي الحياةالاجتماعية والاقتصادية والمعيشية لاسيما ذوي الدخل المحدود، ولا يجوز المساس بأي شكل من الاشكال بمجانية هذا القطاع لأنه يخص حياة الناس وواقعهم المعاشي مباشرة .

الخصخصة تفاقم المأساة!

والخطوات الخطيرة التي اتخذتها وزارة الصحة مؤخرا بخصوص المشافي العامة بقصد تحسين أدائها أصبحت مثيرة للجدل والقلق لأن حل أزمة المشافي ليس في ابقاء نصف الأسرة مجانية وأستيفاء الأموال عن النصف الآخر مما سيساعد على الوساطة والمحسوبية أكثر من السابق وستحظى فئة على حساب الأخرى بالعناية والأهتمام و ستزداد الهوة بين نزلاء الأسرة المجانية ونزلاء الأسرة المدفوعة الثمن . والفقراء الذين لاحول لهم ولاقوة لايملكون سوى خيار واحد وهو العلاج في القسم المجاني في المشافي العامة وهو الخيار الأقل سوءاً من الموت، ومهما كانت تبريرات الوزارة فيما يخص التمويل وتحسين الخدمات للمشافي العامة فلن تقنع أحدا لأن هذه الأساليب مؤشرات واضحة لفتح الباب عريضا أمام خصخصة مرتقبة لقطاع هام يمس حياة الناس جميعا .

ومن يدخل مشافينا سيرى ويسمع مئات القصص والحكايا التي تعبر عن الواقع المر الذي نعيشه يوميا.

أسعارخمس نجوم لقاء خدمات بسيطة  كوجبة طعام وقنينة ماء بقين !

الحياة للأغنياء و الموت للفقراء!

يقول عمار «أخذت أخي بحالة أسعاف الى مشفى أمية وتبين بأنه مصاب بجلطة قلبية وعلى الفورطلبوا مني تأمين مبلغ 375 ألف ليرة سورية لقاء اجراء العملية التي ستتم في مشفى الباسل وقالوا لي بالحرف بأنهم لن يقوموا بأي خطوة قبل تامين المبلغ بالكامل ويومها فعلنا المستحيل لأجل انقاذ أخي وهنا أريد أن أسأل: هل من المعقول أن يموت الأنسان لأنه لا يملك ثمن العلاج!».

ويروي لنا الشاب محمد قصة قريب له فيقول «مات سعيد بعد عام واحد من إجراء العملية التي أجريت له بعد اصابته بالجلطة والعلاج كلفه أكثر من 400ألف ليرة سورية».

حسان يقول: «نقلت عمي الى مشفى الأسدي في حالة اسعاف وبعد المعاينة تبين أنه يعاني من مشاكل في الشرايين وطلبوا مني عربوناً لأجراء العملية التي ستكلف 175 ألف ليرة سورية وقمت ببيع سيارة عمي في نفس اليوم لتأمين المبلغ».

يقول أحمد «مات شاب عمره لا يتجاوز الثلاثين عاما في أحد المشافي بعد إجراء عملية فاشلة له وهرب الطبيب من الباب الخلفي للمشفى ولكي يقبضوا المبالغ المطلوب لهذه العملية لم يجر إخبار أهل الشاب الا بعد ساعات من وفاته».

وقصة الفتاة التي دخلت مشفى دار الشفاء لاستئصال الغدة الدرقية ووفاتها بين أيدي الأطباء أثناء العملية ليست آخر القصص المآساوية في مشافينا بل مازال قطار الموت مستمرا.

ابتزازالمواطن وجعله في دائرة الخوف  من المرض

تقول سعاد «تنقلت من طبيب الى آخر خلال السنوات الماضية وكل واحد منهم كان يشخص مرضي على طريقته من كولون وقرحة وكلاوي وبعضهم وصفوا لي بعض الأدوية النفسية ومعاناتي مستمرة الى اليوم مع الأطباء دون فائدة وأنا أعيش اليوم على الأدوية المهدئة بعد أن تعرضت للكثير من الأذى على أيد أطبائي تصور حتى جلسات الكهرباء لم اسلم منها لقد جننوني فعلا وأنفقت كل ما أملك لكن دون جدوى».

الأطفال أول الضحايا!

وما حصل للتوأمين وليد وعبدالرحمن ومنذ اللحظات الأولى خير دليل، يقول السيد عماد والدهما «لقد أنفقت أكثر من 100ألف ليرة سورية على ولادتهما وعلاجهما أبتداءً من مشفى العباسين والصفا والحمدان ومرورا بالمجتهد ومشفى الأطفال ومع كل واحد منها لي قصة وحكاية من الأسعار الخلبية والوساخة والقذارة المنتشرة في كل مكان ورأيت قططا في غرف المرضى وفي مشفى الأطفال كل أربعة أطفال يحشرون في سرير واحد! هل يعقل وضعهم بهذه الطريقة ونحن نعلم والأطباء يعرفون العشرات من الأمراض المعدية وهناك بعض الغرف فيها أكثر من ثلاثين طفلا».

أنبوب بطول 70سم في بطن طفلة!

 تقول أم باسم كادت ابنتي تموت بين أيدي الأطباء في مشفى تشرين العسكري وبعد إجراء العملية تدهورت حالتها أكثر وأصبحت تعاني من ألام شديدة في أسفل البطن ولدى مراجعة الطبيب وتصويرها تبين وجود جسم غريب وبعد اجراء عملية ثانية تم اخراج أنبوب بطول 70سم من بطن أبنتي التي لم تتجاوز احدى عشرة سنة. 

الفساد والنهب في المشافي العامة

والقرصنة في الخاصة!

اذا كانت المشافي الخاصة مهمتها افراغ جيوب المواطن من كل ما يملك دون رأفة ولا شفقه فهل هناك بديل أرحم ؟

نعم هناك البديل الذي يفترض أن يكون أرحم وهو قطاع الصحة الحكومي والمشافي العامة ودورها الإنساني والاجتماعي. 

ماهر يعمل في أحد المشافي الحكومية يقول: «نحن بدأنا فعليا نقبض ثمن الكشفية من المريض وهي قيمة رمزية بالمقارنة مع العيادات الخاصة والمشافي الخاصة وحتى مايتعلق بالتصوير طبق محوري ورنين مغناطيسي والتحاليل».

وهنا سيحصل المواطن على خدمة أفضل وأسرع من السابق بعد تكلفه بجزء من العلاج، علما أن المواطن كان يعاني الأمرين وينتظر ثلاثة أشهر للحصول على صورة طبقي محوري والخدمات كانت لناس وناس وبعض الأطباء يتصرفون في المشافي العامة وكأنها ممتلكاتهم الخاصة ويعالجون مرضاهم على حسا ب المشفى ومن ثم يقبضون المعلوم في عياداتهم. 

والترميم المستمر منذ سنتين في أحد المشافي العامة دليل على استمرار النهب والفساد دون رادع علماً أن هناك أخباراً تقول بأن شركة فرنسية كانت على استعداد أن تزيل المشفى القديم من أساسه وتبني بدلا عنه مشفى جديداً خلال مدة لاتتجاوز ستة أشهر فقط . 

الداخل الى المشفى العام مفقود!

من يدخل الى مستشفى المواساة وتحديدا الطب النووي سيدرك حاجة الناس الى العلاج المجاني. فمئات من المراجعين يوميا يأتون لهذا القسم للحصول على حبة دواء يخسر الانسان كرامته والجميع يؤكد بأن الانتظار هناك موت أحمر ولايجد الانسان مكانا لموطئ قدم من الازدحام الشديد وحتى المرضى تجدهم جالسين على الأرض في الممر لانتظار دورهم .

وسألت أحد المرضى عن حاله قال بالحرف الواحد: الداخل الى الطب النووي مفقود علماً أن القسم يسعى الى تخفيف الألم عن مرضاه.

قصص الأخطاء القاتلة واللانسانية!

قصة المواطن الذي أجريت له عملية في المشفى الوطني بحماة ونسيان الأطباء قطعة قماش في بطنه أصبحت معروفة وذلك بعد أن انتفخ بطن المريض بشكل كبير بعد شهور من العملية تبين نسيان قطعة قماش في بطنه كادت أن تودي بحياته.

والحريق الذي حصل في أحدى غرف العمليات في مشفى ابن النفيس بسب سخان القهوة والشاي والمتة أيضا كان سيسبب بوفاة المريض الذي كان موجودا أثناء الحريق وتم اخراجه من الغرفة بقدرة قادر .

المريض معرض لسياسة التطنيش وثم التطفيش اذا لم يحظ بطالب طب متدرب يبحث عن صيدة ليتعلم ويتدرب .

يقول ماهر حزنت على والدتي كثيرا عندما نقلتها الى مشفى المواساة مضطرا ولم نستطع تأمين سرير لها رغم وضعها الحرج جداً وبقينا أياماً عديدة ننتظر قليلاً من العناية لكن للأسف لم يحصل هذا وبالتالي اضطررنا الى نقلها الى مشفى خاص لكنها لم تستطع تحمل كل هذا الألم. 

ويضيف ماهر: أما قصتي مع مشفى المواساة فهي طويلة جدا وباختصار: دخلت المشفى لإجراء عملية تسمى «بوليبات» وبعد أن تأكدت بأنها ستكلفني عشرات الألاف في مشفى خاص أدركت بأنه لاخيار أمامي سوى الإنتظار وبقيت قرابة خمسة عشر يوما وخلالها تكلفت بكل مايتعلق بعلاجي من فواتير الأدوية والتصوير وخلافه ولو لم أدفع من جيبي لكنت أنتظرت شهورا لإجراء هذه العملية والدفع يبدأ من أصغر موظف حتى أكبر موظف ولأن هذه العملية من العمليات النادرة فقد أصبحت حقل تجارب بين أيدِ الأطباء حتى سمعت أحد الأطباء يدعو طبيباً من أقربائه لحضور العملية التي كما وصفها لاتفوت. وأثناء العملية كدت أهرب من غرفة العمليات لعدم وجود طبيب أذنية وآخر عصبية لأن العملية تحتاج حضور هذين الطبيبن ومن يسمع مصيبة غيره تهون عليه مصيبته. 

أبو زهير موظف في أحد المشافي العامة يقول«هناك تقصير من الجميع ولاسيما الأطباء وأحيانا تجد أكثر من مئة شخص ينتظرون المعاينة والطبيب لايستقبل أكثر من عشرة مرضى وهذا ما حصل معي وهناك العديد من أدوات المشفى تتعرض للتلف بسبب استهتار العاملين وبدل اصلاحها يتم اتلافها، فمثلا هناك طاولة عمليات  قيمتها تتجاوز نصف مليون ليرة سورية لاتتحمل أكثر من ثلاثة أشهر ويضطر بعض المرضى  شراء الدواء على حسابهم الخاص، وأما المحاسبة فتطال بعض الموظفين البسطاء وتترك المدعومون فيسرحون ويمرحون دون العقوبات المناسبة سيبقى الوضع بائسا».

السيد  سمير يعمل في مشفى حكومي «من يدخل الى المشفى سيواجه مباشرة بمتاعب لاتنتهي، بداية من الممرات والقذارة المنتشرة في كل مكان وروائح دورات المياه أما من يتم أسعافه ليلاً الى هنا فهو من المحظوظين إن عاش وذلك لعدم وجود طبيب مختص في المناوبات التي تقتصر على بعض الطلبة المقيمين في المشفى وقد مات أحد المرضى باحتشاء عضلة القلب لعدم وجود طبيب مناوب في المشفى، والمستودع بحاجة ماسة إلى مكيف لحماية الأدوية من التلف لكن لامن مجيب، ويتأخر شراء بعض الأدوات الضرورية مثل الغاز الذي يتم استخدامه في العمليات الجراحية مقابل بعض الأشياء التي لا تهم المصلحة العامة هذا ماعدا الطبيب المدعوم والممرضة المدعومة الخ».

السرقات تطال حتى الموتى!

أبو محمد أحد العاملين في مشفى حكومي «هل يعقل أن ندفع من جيوبنا لتحسين صورة المشفى؟ لقد قمنا بشراء كراسٍ وبعض ورود الزينة وشجيرات زرعناها في حديقة المشفى على حسابنا الخاص».

ويضيف السيد أبو فهد: عامل فني في مشفى حكومي «لشدة التسيب وخاصة ليلا أصبحت السرقات تطال أبسط الأشياء من لمبة كهرباء وطوبة باب وحتى أغطية الريكار، وبالنسبة للشكاوي فهناك صندوق شكاوي للمنظر فقط منذ عشرين عاما لم توضع فيه شكوى واحدة».

وحدثنا أبو ربيع قائلاً: «توفي ابني في ظروف غامضة ونقل الى مشفى تشرين وهناك تتم سرقة قرنياته وبعد أن تأكدت بأنها مسروقة فضحت جميع العاملين في المشفى من الأطباء المسؤولين ورغم وجود المحامي الذي بذل جهوداً كبيرة لكشف السارقين الا أننا لم نتوصل الى الحقيقة».

أين الرقابة على المشافي العامة و الخاصة!؟

هل تبقى المشافي الخاصة تعمل دون رقيب؟ وتتحول إلى فنادق خمس نجوم وتصبح غايتها التجارة فقط غير آبهة بمشاعر الناس وأرواحهم، وهمها الوحيد جيوبهم، ليبقى النهب والسرقة والفساد هي السمة البارزة لقطاع الصحة الحكومي.

 إن تخليص هذا القطاع من ناهبيه يعني حمايته وبقاءه عوناً للفقراء والمسحوقين الذين لاسبيل أمامهم سواه . 

■  تحقيق: ابراهيم نمر

سوزان سالمة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.