برسم وزارة المغتربين: ثمة مواطن مغترب وهو يعيش فوق تراب وطنه!!

 مؤكد أن هناك مسوغات واقعية لإنشاء وزارة مستحدثة أطلق عليها إسم: وزارة المغتربين..!، وأسندت إلى د. بثينة شعبان ــ أحد الأسماء التي باتت تقدم ــ مؤخراً ــ أعني في السنوات الأخيرة في مجال الإعلام والسياسة والدبلوماسية مع عدد من الأسماء الانثوية ــ على نحو جد لافت....!

ولعل من أول مسوغات مثل هذه الوزارة كما يفترض، وجود فكرة جدية لمد الجسور صوب أبناء سورية ممن توزعتهم خرائط العالم، قاطبة، وهم يهرولون وراء الهواء والشمس ــ واللقمة، بعد أن افتقدوها في كنف خريطتهم لعقود خلت، نتيجة خلخلة واضحة في المعادلة الناظمة التي تربط المواطن بالوطن، بعد ان استطاعوا تأمين ــ الأثافي الثلاث ــ مجتمعة، ليدفعوا ثمن ذلك مرارة البعاد عن مساقط رؤوسهم، وليشكلوا نقطة افتراق مؤكدة بين الانتماء إلى مكانين غير متقاطعين، حيث ان أبناءهم الذين فتحوا أعينهم على الحياة الخالية من أساطير وسحر الشرق، ستتلاشى فيهم ـ إلا في حالات نادرة ـ تلك الحمية والحماس والشوق والانشداد نحو مسارح حكايا الآباء والجدود، لولا استثناءات طفيفة من قبل بعضهم، ممن سيدفعهم الفضول لتتبع أرومة الإنتماء المكاني الأول، على نحو خاطف وسياحي....!

لا أريد أن أستعرض مشاعري تجاه أطلال بيوت بعض الأصدقاء والمعارف ممن ابتلعتهم المهاجر ، كلما مررت بها، إذ أحسّ بأسى عميق، يتشكل على نحو أنشوطة ، تضيق الخناق عليّ..... لأظل مسكوناً برائحة أسماء أصحابها، هؤلاء، بل ليضيق هذا الخناق حول روحي بأكثر.... وأكثر....، كلما سمعت أن أحدهم قضى نحبه، ووري جثمانه الثرى في الغربة ليغدو وجبة شرقية شهية لدود غريب نهم، يسترد اضعاف ثمن  الفاتورة التي دفعت له خلال ما سبق من سنين ، وعبرت كرحلة سندباد أو سلحفاة، لا فرق ولا أشك في أن تحول الهجرة في بلدنا. ــ على وفرة خيراته!! ــ إلى ظاهرة قائمة، وحاجة هؤلاء المهاجرين أو المهجرين ــ إلى خيط ما للاتصال بالوطن، واصطدام هذه الحاجة بالعقلية البيروقراطية، وسواها. مما هو معروف. ناهيك عن قرب هؤلاء من مراكز الإعلام الغربي، وبالتالي، مكان التأثير في الرأي العالمي. فيما يخص الموقف من بلدنا سورية.... من بين أول الدوافع لوجود هذه الوزارة الوليدة..! 

وقد يقول قائل هنا: إن هناك جهات أخرى، لو قامت بأداء واجبها على مايرام مثل: وزارة الخارجية والداخلية والسياحة، من خلال التفكير الجدي باستقطاب وتسهيل أمور اللاجئين، بتذليل وإزالة كافة الصعوبات التي كانت تعترضهم بدءاً بالخوف من مغامرة التوجه صوب الأطلال ومضارب الأهلين وليس انتهاء بعرقلة معاملاتهم في أروقة دوائرنا العتيدة، بعد ان دفعوا دفعاً للهجرة وأحرقت مافيات  وقبضايات الهجرة ما بين أيديهم من وثائق ضرورية, بالإضافة إلى تشكيل مكتب علاقات سوري يهتم بشؤون هؤلاء المغتربين، كان يغني عن وزارة بهذا الاسم، لا ندري فيما إذا سيكون لها في كل محافظة فرع، وفي كل مدينة وبلدة مركز أيضاً؟....!، لا سيما أن هذه الوزارة ولدت ــ تماماً ــ مع الإعلان عن القيام بدمج بعض الوزارات في الحكومة السورية. انطلاقاً من فكرة ان وجود خمس وزارات جادة يغني عن خمس وثلاثين وزارة صورية بالنسبة إلى المواطن عموماً، ان أهلنا الذين يتذوقون علقم الغربة في منافي الشعوب والأمم، رغم حسدهم من قبل أكثرنا، نتيجة تحسن أوضاعهم المعيشية، من خلال لجوئهم إلى حلول الخلاص الفردي، فحسب، وهذا موضوع آخر،إن هؤلاء جديرون حقاً بالعناية الفائقة بهم، وان كان لا يهمهم وجود وزارة بأسمهم، بقدر ما يهمهم إحقاق  كل حقوقهم هنا في الوطن، ومد الجسور صوبهم، لا بغرض استيعابهم عبر ــ ريمونت كونترول هذه الوزارة المبدعة ــ ليفكروا على محض طريقة واحدة، وهوأحد أسباب هجرة كثيرين منهم، أصلا، بل توفير سبل ترسيخ ضروب تعدديتهم وهم هناك أيضا، مادام أن غاية ما يرفع المواطنة إلى أطمها هو الإحساس بصدق الانتماء إلى الوطن، أصل كل انتماء نبيل، ولا يمنع من أن نفكر أخيراً باستثمار أموالهم في مشاريع وطنية من شأنها تطوير اقتصادنا الوطني على أحسن نحو، لينعكس على المستوى المعيشي لمواطننا الذي سرقت، وتسرق خيرات بلده من قبل الثنائي الفاسد والمفسد.. جهاراً نهاراً.

 وإذا كان لزاماً أن يكون من بين رؤوس النقاط في أجندة هذه الوزارة الجديدة، تحقيق عودة روحية أو واقعية لهؤلاء الذين تقاسمتهم مدن العالم أجمعين، والتفكير المستقبلي بمصير علاقة الحفيد العشرين في سلالاتهم بالوطن، والجذور، لا أن يتحول هو وأترابه الى سلالات معولمة من الطراز المناسب تماماً في مجتمع الخمس المقبل ...!، فإن جهود هذه الوزارة الموقرة أطال عمرها ـ ينبغي أن يوزع الى قسمين من المغتربين : قسم يعيش في الغربة وقد لا يشعر بالاغتراب، بعد انخراطه في مجتمع الرفاهية، الذي يسعى لمحو الملامح والخصوصية  ضمن خطة بعيدة الأجل، وقسم آخر يعيش بين ظهرانينا، ضمن خريطة سورية، ويعيش الغربة والاغتراب في آن واحد، تدفعه مجمل ظروفه إلى ان يكون المغترب الحقيقي، حيث الواقع العصيب، نتيجة عدم توافر سلسلة مقومات العيش الكريم، بدءاً بمتطلبات الحفاظ على الكرامة الشخصية وليس انتهاء بدواعي تأمين الرغيف النظيف!. وبهذا تكون هذه الوزارة الأكثر صلاحيات، لأن مجال عملها ليس سورية فقط، بل: العالم، بحق، وهذه هي الميزة التي تنفرد بها هذه الوزارة دون غيرها.

ربما يعترض على مثل هذا الاقتراح أحدهم بالقول: ألا تعتقد أن ثلاثين وزارة سوريه كافية لرعاية شؤون مواطنيها ؟. وما الذي ترجوه من وزارة وليدة أنشئت بالأصل، للعناية بأبناء الوطن خارج الوطن.....؟!

ان مثل هذا الاعتراض ليقودنا ـ بالتأكيد ـ لاستحضار صورة مواطننا البائس في ظل سائر الحكومات المتعاقبة حتى هذه اللحظة، بحيث أن بضعة وثلاثين وزارة لم تُنجه من براثن العوز واستباحة الكرامة، بل ان هؤلاء الذين هاجروا الى بلدان المعمورة انفسهم ـ ما خلا محض حالات قليلة ـ إنما أقدموا على هذا الخيار المرير في ظل هذه الظروف التي لاتطاق....! 

أجل، إن الاغتراب، حالة معقدة، تنشأ ـ عادة ـ بسبب ظروف قاهرة، تخلخل كيان الفرد، وتفقد التوازن والشعور بالاطمئنان، وهذا ماقد يتعرض له المرء وهو يعيش فوق تراب أهله، وفي عقر داره، وليس بعيداً عن مسقط الرأس والذكريات فقط، وهذا ما يعود بنا الى جوهر المشكلة، وهو ضرورة الاعتناء بمواطننا الذي لما يزل يواجه كل الظروف العاصفة ، والقاهرة، ولم ينحن إزاءها ، رغم إنه يدفع كل يوم ـ بل في كل برهة ، الضريبة تلو الضريبة  ، وهو في انتظار لحظة الخلاص.... التي لا أريد لها أن تكون محض غودوتية، فحسب. 

■ إبراهيم اليوسف

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.