عمال على الرصيف.. بحثاً عن عمل

■ مياومون.... وبـ «الفاعل» على الأرصفة أياماً وأياماً.. ولا يجنون ليرة واحدة..

■ مستعدون للعمل بشروط رب العمل مهما كانت قاسية..

■ لا نقابة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم..  ولا أحد يشعر بحالهم .....

عند مدخل باب الجابية تجد مجموعة هنا ومجموعة هناك الجميع ينتظر الفرصة للتوجه إلى أي  مكان وأي عمل مهما كانت درجة صعوبته..  التقتهم «قاسيون».. وكانت معهم الهموم التالية... 

 ■ أحمد عمر الذي جاء من منطقة عين عرب متزوج وله عائلة من اثني عشر شخصاً لم ير أحدهم مقاعد الدراسة كما هو حال جميع أبناء قريته يقول أحمد:

«وجدت نفسي في دمشق بعد أن  أصبحت الأراضي في قريتي بوراً من قلة الأمطار ومعي اثنان من أخوتي يعملون معي في الفاعل وعموما المردود ضعيف جداً في بعض الشهور ألف ليرة وبعضها خمسة آلاف والبعض الآخر لاشيء لكن الأخطر في هذا العمل هو عندما يتعرض أحدنا لإصابة خطيرة مثل الفتق أو الديسك وقد حصلت للبعض وانقطعوا عن العمل نهائيا»..

■ عيسى محمود من ريف حلب على تخوم الفرات وعمره  22 عاماً، في الخدمة الإلزامية أمي لا يعرف القراءة والكتابة وكذلك جميع أفراد أسرته يقول:

«لو كانت الدولة ساعدتنا قليلا لما تغربنا وتركنا أراضينا لكن للأسف لا أحد يشعر بمعاناتنا وأنا أعمل في يوم عطلتي العسكرية لكسب رزقي وما يضايقني في عملي هذا هو نظرات الناس وتوبيخ رب العمل الذي نذهب للعمل عنده والتعب المتواصل دون استراحة»..

■ وياسر برهو من إدلب ليس أوفر حظا فهو أيضا ينتمي إلى عائلة مؤلفة من أحد عشر شخصاً جميعهم أميون عدا أخ واحد يحمل الشهادة الابتدائية يقول:

«أقف هنا منذ طلوع الفجر وحتى المساء أراقب الرايح والجاي منتظرا الفرج وأنا أفكر في أجار الغرفة ومصروفي اليومي  وأنام مبكرا للهروب من الهم»..

■ محمد الأحمد : لا يملك سوى الفراش الذي ينام عليه، أب لأربعة أطفال عمره 35عاماً يقول:

«أعمل في الفاعل منذ عشر سنوات وحياتي لم تتغير شعرة واحدة للأفضل وكل أملي أن أعيش مثل باقي البشر -الصبر مفتاح الفرج -»..

■ محمود:عمره 17 عاماً يتحدث عن وضعه بحزن شديد وهو المحظوظ بين أخوته لحصوله على شهادة الابتدائية يقول محمود:

«أكره هذا الانتظار الطويل دون عمل، لم أر أهلي وأخوتي منذ شهرين والعمل لا يسد الحاجة وأكثر ما يخيفني هو الإصابة وخاصة الديسك، كله كوم والطعام كوم  حيث الطبخة الوحيدة التي نقوم بإعدادها بندورة وبيض دون أن نذوق طعم الفواكه»..

■ موسى محمد أبو عمران: من القنيطرة تجاوز الخمسين متزوج وأب لستة أطفال يقول:

«أعمل في الفاعل منذ عشرين عاما وحالي كما هو، هل تتخيل منزلاً دون براد؟ نحن نفتقد إلى جميع الأشياء الضرورية ونظرات الناس غير مريحة لعملنا ومنذ فترة صعقني زبون في معاملته حيث وقف بسيارته الشبح أمامي وأوقف لي سيارة تكسي أجرة، لحقت به إلى منزله، لم يسمح لي الصعود معه في المصعد، وبعد دخولنا قال لي هنا في الحمام تصلح وتمشي وستجد المصاري عند الدرج، وبعد أن انتهيت واغتسلت، قال لي خذ معك الصابون والبشكير دون لمس أي شيء في المنزل»..

■ عدنان إبراهيم أبو رنة: فلسطيني من سكان مخيم جرمانا أب لعشرة أولاد يعمل في الفاعل منذ ثلاثين عاما والتعب واضح على بشرته السمراء يقول:

«عملنا يوم عذاب ويوم بصل، وسطياً لا أعمل أكثر من أربعة آلاف ليرة سورية ,لكن كما يقولون طول البال من الرحمن، وأغلب الزبائن لا يصدقون معنا بالنسبة لحجم العمل، يقولون شيئاً والواقع شيء آخر، وهناك أيضا بخل في الضيافة وسمعت مؤخرا بعض الشباب يحملون الموبايل وهؤلاء أصبح عملهم أفضل»..

■ محمد من درعا يعمل في الفاعل أكثر من عشرة أعوام يقول:

«منذ عدة سنوات جاءنا أحدهم بسيارته الضخمة وهيئته الميسورة وأخذنا معه إلى مزرعته الكبيرة في سهل الزبداني مدعياً بان لديه عمل ثلاث أو أربع ساعات، لكن طالت المدة وبقينا عنده اثني عشر يوماً وفي اليوم الأخير طردنا من المزرعة دون أن يعطينا قرشاً واحداً وضاع تعبنا كله تحت تهديدات هذا الرجل المدعوم بالتأكيد»..

■ أحمد: يأتي يوميا من درعا وأحيانا لا يجد من يستدين منه أجرة الطريق يقول:

«أطفالي ينتظرون قدومي مساء محملاً، وأنا انتظر طوال النهار من يأتي ليستغلني يعني بصراحة الواحد منا عايش من قلة الموت»..

■ حسن الشعيب: الذي تجاوز السبعين جالس على الرصيف وهو يتأمل ويفكر وتعب السنين واضح على وجهه يقول:

«هل تتخيل رجلاً في سني يعمل في هذا العمل الصعب وخاصة بعد عملية الشريان في رجلي اليمنى، وهناك شهور لا أعمل بأكثر من ألف ليرة سورية فتخيل لكن الصبر (كويس)»!!..

■ محمد الأسعد: من دير الزور مثله مثل الكثيرين الذين تركوا قراهم بحثا عن عمل، أب لأربعة أطفال صغار يقول:

«بعد أن قامت الدولة بحفر بعض الآبار في أراضينا منعتنا من الاقتراب منها أو استثمارها نهائيا، وجدت نفسي في دمشق وهي مدينة آمنة يعمل فيها الكثير من الغرباء دون أن يزعجهم أحد أي ليست مثل حلب حيث لا أمان»

■ أبو صلاح: من القنيطرة يعمل في الفاعل منذ عشر سنوات أب لخمسة أطفال يقول:

«منذ مدة تعرضت للكسر وبقيت أكثر من شهر دون عمل، الحياة صعبة وأنا مستعد لعمل أي شيء لتأمين لقمة أطفالي».. 

■ سعد: من الحسكة بعد أن ضاقت به الأحوال كثيرا جاء إلى دمشق يقول:

«أريد أن توصل صوتي إلى العالم كله نحن تعساء جدا نركض وراء رغيف الخبز كي نشبع فقط، أتساءل: ألسنا مثل باقي البشر ويحق لنا العيش مثلهم؟ نقف هنا ساعات طويلة في حر الصيف وبرد الشتاء دون أن تتحسن أوضاعنا شعرة واحدة، ومن يعوضني عندما أفقد يدي أو رجلي أو أي إصابة خطيرة»؟..

■ محمود: من حمص حاول إبعاد زملائه كي يتأكد من جهة التحقيق ومن ثم قال:

«أنا أعمل في الفاعل منذ عشر سنوات وهذه مصلحتنا أباً عن جد، وفي دمشق بالذات نرتاح ونحس بالأمان بالحقيقة لا نريد الحديث كثيراً عن عملنا كي لا تتفتح علينا العيون وتعرف عندها سيلاحقون جميع تجمعات الفاعل سواء كانوا من جماعة المحافظة أو الشرطة أو البلدية وسيقاسموننا بالعمل».. 

■ محمد أبو نعيم: من الحسكة أب لثلاثة أطفال من قرية مكمان الفقيرة المحرومة من جميع الخدمات يقول:

«ماذا أفعل في قرية لا ماء فيها ولا زراعة وجميع الشباب في قريتي هجروها بحثاً عن العمل وأنا هنا أعمل في الفاعل يوماً ولا أعمل عشرة أنتظر الفرج»..

■ يقول أحد الشباب: «لماذا لا توجد لنا نقابة مثل نقابة العتالين، صحيح أن النقابة لاتسمح بمرور الشكاوي بشكل جيد إلا أنهم يحصلون على بعض من حقوقهم خاصةً في حالة الإصابات الخطيرة والمرض»..

■ ويقول آخر: «توصلت إلى قناعة بأن هذا البلد لا أحد يسمع ويحس بالآخر وتسكعنا على هذا الرصيف خير دليل»..

■ وأضاف محمد: «نحن جميعاً في هذه المجموعة نعمل معاً وننام في فندق درجة عاشرة ننام تحت رحمة صاحب الفندق ويشترط علينا كل شيء. فمثلا لا يسمح لنا بالحمام إلا كل خمسة أيام مرة والتقنين في كل شيء حتى الإضاءة»..

■ تحدث حمادي  بنبرة حزن قائلاً: «أنا رجل أعرج كما ترى وأعمل في الأسمنت المسلح والصب وأحيانا لا أجد في جيبي ثمن رغيف الخبز لكن العين بصيرة واليد قصيرة»..

■ قاطعه محمد بشيء من النرفزة: «نحن متأكدون لا أحد يساعدنا.. ويضيف: ونخاف من الصحافة أن تأتي ضدنا».. 

إن هؤلاء العمال بحاجة إلى نقابة تهتم بشؤونهم وتدافع عنهم في وجه الإصابة في وقت العمل والعمل بالمجان لدى بعض أرباب العمل والأجور غير العادلة والبطالة اليومية وآفاق المستقبل المجهولة وكثير من المصاعب التي لا يدري عنها العمال القائمون على رأس أعمالهم الثابتة.

إنهم كريشة في مهب الريح نسمة تأخذهم وعاصفة تسقطهم فلتكن النقابة التي تحميهم ثقلاً يوصلهم إلى بر أمان يحميهم من الإعصار وليست عائقاً على كواهلهم تكبل حركتهم كبعض النقابات الأخرى.

■ تحقيق: إبراهيم نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.