تحت يافطة التحديث.. أموال تهدر على الدراسات واللجان على حساب القطاع العام!!
أكد د. يعرب بدر وزير النقل في اجتماع عقد قبل ثلاثة أعوام للجنة العليا للنقل، أن رئيس الوزراء أصدر قراراً بتشكيل لجنة النقل من أجل إيجاد حلول منطقية سريعة للنقل العام في المدن الكبرى، وقدمت اقتراحات في الاجتماع حول مترو دمشق ومشاريع أخرى عديدة. ويذكرنا هذا الاجتماع وعشرات الاجتماعات بعده بالعقد الذي وقع بين وزارة النقل والاتحاد السوفييتي لتنفيذ المترو على أن ينفذ العقد أول عام 1984 ويتضمن العقد إعداد محطة لشبكة خطوط مترو دمشق، بكلفة 615 مليون جنيه آنذاك، تدفع وفق اتفاقية التجارة والمدفوعات طويلة الأجل. ولم ينفذ!!
وقبل سنوات جرت مباحثات مع الإيرانيين، وجرى التوقيع على إقامة المترو بعد دراسات عديدة. ولم تتم المباشرة لعدم وجود تمويل. وجرت مباحثات وعقدت اتفاقيات مع ماليزيا للهدف نفسه ولم ينفذ شيء.
الدراسات التي قدمت لمخطط شبكة خطوط المترو قدمها خبراء من منظمات دولية وشركات عالمية، وكلفتها مئات الملايين من الليرات السورية.
ودراسة «اكتوارية»
دراسة اكتوارية قدمتها خبيرة بولونية بتمويل من البنك الدولي. وتخلص هذه الدراسة بعد أكثر من عامين من عمل الخبيرة بأن مؤسسة التأمينات الاجتماعية أمام مخاطر كبيرة، وأهمها الإفلاس، لعدم التوازن بين الإيرادات والنفقات. وهذا يؤثر سلباً على الاستدامة المالية لصناديق المؤسسة عام 2017، سوف تكون احتياجات المؤسسة 780 مليار ل.س والنقص 400 مليار. والملخص: تقليص خدمات المؤسسة بتخفيض الرواتب التقاعدية من 75% إلى 62% وعند ذلك يتحقق التوازن!!
شركة حمص للغزل والنسيج
شركة حمص للغزل والنسيج ومصابغها تخسر سنوياً مئات الملايين، خطوطها الإنتاجية مقامة منذ عام 1946، وُضِعت عشرات الدراسات لتطوير خطوطها وإقامة مشاريع جديدة، لتنتقل من الخسارة إلى الربح، أو إلى التوازن على الأقل، ومن هذه المشاريع مشروع للعوادم ومشروع لإنتاج الجينز. وتم تمويل هذه الدراسات من وزارة الصناعة والمؤسسة النسيجية ومنظمات دولية عديدة وكلفت ملايين عديدة. لم ينفذ شيء في الشركة، تم تطفيش عمالها وأغلقت أبوابها، وأرضها الآن معروضة لإقامة مشاريع سياحية، والدراسات التي جرت قدمت هدية لرجال أعمال.
معمل البورسلان
توقف معمل البورسلان في حماة عن الإنتاج عام 2006، لعدم إمكانية تسويق منتجاته، والخسائر التي تعرض لها بعد دخول شركات القطاع الخاص بغزارة، وبعد انفتاح الأسواق ودخول البورسلان إلى الأسواق السورية من دول العالم كافة، ومعمل حماة لا ينتج سوى قياس 15×15 فقط، وبقي دون تطوير أو تحديث أو مواكبة لما هو مستورد، ولما ينتج في القطاع الخاص. أحد المدراء الذين تواكبوا على المعمل قدم دراسة جدوى لإنتاج مادة أساسية لطلاء البورسلان تستوردها سورية والدول المجاورة، رُفضت الدراسة من الجهات الوصائية وقُدمت الدراسة إلى مستثمر!!
معمل الإطارات
كانت شركة الإطارات رابحة بامتياز، ولكن منذ أكثر من عامين بدأت الخسارات بعد دخول جميع أنواع الإطارات إلى الأسواق السورية، وتركت الشركة للأقدار، دون تطوير أو تحديث. قدمت الصين قرضاً بمبلغ 60 مليون دولار، وقُدمت دراسات عديدة للتطوير والمشاركة مع الصين أو شركة عالمية، وسافر وفد من الشركة إلى الصين ووقع عقداً لتطوير خطوط الشركة، ولم يُنفذ ورُفض القرض.
رئيس النقابة يقول إن كلفة إعادة تأهيل الخطوط الإنتاجية في الشركة 5 ـ 7 مليون يورو، ولابد من التطوير لأهمية هذه الصناعة في خلق التوازن اللازم في سوق الإطارات، والحد من جشع المستوردين.
بوادر خير
أمام واقع شركات القطاع العام جاء أكثر من تصريح لرئيس الوزراء ووزير الصناعة، يقتضي أن تبدأ كل شركة بتحديد مستلزماتها، ووضع دراسات جدوى اقتصادية لإصلاحها، مع تحميل الإدارات المسؤولية الكاملة عن تنفيذ إنجاز المقترحات التي تتقدم بها، وإعطائها الصلاحيات اللازمة، وإذا كانت هناك شركات لم يعد من مبرر لوجودها، فإن هناك شركات أخرى مازالت أكثر من ضرورية. وبعد هذه التصريحات تمت المباشرة في دراسات للجدوى الاقتصادية، بتمويل خارجي أو داخلي من مخصصات الشركات، أي أن الأموال تهدر على مجرد دراسات، وليس على إصلاح أو تطوير أو تحديث. ولا نبالغ إذا قلنا إن آلاف ورش العمل عقدت في دمشق في السنوات القليلة الماضية، أقيمت بتمويل من عشرات المنظمات الدولية، ومنها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات دولية عديدة أخرى.
ما الجدوى؟!
هروب إلى الأمام من الانهيار لجميع شركات ومؤسسات القطاع العام وهدر الأموال وفساد دون التفكير بالبحث العلمي، أو إنشاء مكاتب استشارة ضمن مراحل التطور الصناعي، ضرورية للدول التي تحتاج للتقنية، وتعمل على استثمار خبرة البحث والتحليل لتقديم الاستشارة في مجالات نقل التقنية، ويمكن أن تساعد في تصدير التقنية أكثر من توطينها.
لا بحث علمي في سورية. ولم يجر التفكير في تطوير تكنولوجيا وطنية قادرة على تطويع التكنولوجيا المستوردة وإخضاعها لظروف المجتمع الطبيعية والاقتصادية. رغم أن الثورة العلمية التقنية في عصرنا هي التي تنظم المجتمع، وأصبح البحث العلمي المتطور والمنظَّم إحدى الركائز الأساسية لتطور القوى المنتجة الفاعلة.
ولكن ضعف الإمكانات المادية اللازمة للحصول على المعدات الأساسية اللازمة للبحث العلمي، انفصال البحث العملي عن العمل التطبيقي، عدم وجود آلية تنفيذية تستطيع استيعاب نتائج البحث العلمي، ضعف المناخ العملي، عدم وجود سياسة عملية رشيدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وارتباط السياسة العلمية باجتهادات الأشخاص أكثر من ارتباطها بمؤسسات لها أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك جعل البحث العملي يستهدف في المقام الأول وضع رؤية أكثر عمقاً لحقيقة أدوات التحديث، ولكن هذا لن يحدث في ظل علاقات عمل غير سوية، وفي ظل شروط وظروف غير ملائمة للبحث العلمي.
شُكلت في مؤسساتنا مجالس إدارات، وكأن لا علاقة لأعضائها بالمؤسسة التي هم فيها، يحضرون الاجتماعات ويصادقون ويوقعون ويقبضون المكافآت، ويسافرون لتوقيع العقود واستيراد المعدات، في حين نستبعد الكفاءات والكوادر الهامة لسبب أو لأخر. فالقضية الأساسية هنا خراب الإنسان، وخراب الإنسان يعني خراب التنمية بشكل عام، وخللاً عضوياً في اتخاذ القرار في سورية.