حجب التعليم عن الناس.. سرقة موصوفة !
الحديث عن مآسي التعليم بكافة مراحله: الأساسي والإعدادي والثانوي وصولاً إلى الجامعي، وبكافة أشكاله: الحكومي والخاص والمفتوح والافتراضي عن قربٍ أو بُعدٍ.. لا ينتهي، وكل يومٍ نفاجأ بشيء جديد ناشز من التخبطات والأخطاء..
وتتزايد هذه المآسي بشكل طردي مع تقدم المراحل التعليمية، لتتفاقم بشكل كبير في التعليم الجامعي، وخاصة في القرارات والمفاضلات، ولعل آخر تجل لها بدا في مستويات قبول ومفاضلة التعليم المفتوح، حيث أحبطت الطلاب بالمجاميع المطلوبة العالية جداً والتي لم تتح أية فرص حقيقية لمن انخفض مجموعهم عن 160 درجةً للعلمي والأدبي على السواء ولأغلب الفروع!
إن تسمية «التعليم المفتوح» توحي للوهلة الأولى أنه بلا حدود، أي أنه يفسح المجال أمام من أغلقت أمامه أبواب التعلم الأخرى في سورية، ليطلب العلم حتى ولو في المنطقة الشرقية.. عفواً في الصين!! أو من المهد إلى اللحد.. لكن يبدو أن لا مهد يدفئ تفكير الفقراء ولا لحد يضم رفات عقولهم بسبب السياسة التعليمية المتبعة وقرارات القائمين عليها، التي أدخلت المعدومين في (متاهة) القبولات والمفاضلات، فأغلقت باب التعليم الحكومي أمام أبنائهم بالقبولات العالية جداً، لتدفع من يستطيع التسول منهم إلى التعليم الموازي الذي لا يقل إلاّ قليلاً عن سابقه، ثم أغلقت الموازي بالطريقة نفسها لتدفع إلى المفتوح.. وهكذا... لنصل في النهاية إلى (النافذة الواحدة)، نافذة الجامعات الخاصة ولمصالح ملاكها وقادة أفلاكها والتي تُقدم لها كل التسهيلات والاستثناءات وتقبل الطلاب دون شرط المجموع مهما كان، حتى وإن كان بعضها مؤسساً على شهادات مزورة، وصدر بحقها قرارات قضائية ووزارية، ورغم ذلك ما زالت إعلاناتها تملأ الساحات والشوارع، أو إلى الجامعات الأجنبية التي تقبل معادلة شهادات قسم كبير منها في وزارتنا ذات المقام العالي، وكل هذا لا يرهق جيوب المواطنين الفقراء الخاوية بالأصل نتيجة انخفاض الأجور وارتفاع الأسعار وسياسة الحكومة الاقتصادية وحسب، بل يضطرهم أن يحرموا أنفسهم وأسرهم مما تبقى من كسرة الخبز التي تبقيهم شبه أحياء، وبيع الغالي والثمين إن وُجد، من أجل وجبة علمٍ دسمةٍ لأبنائهم، وهذا أيضاً يرهق اقتصاد الوطن بما يكلفه خروج الأبناء للدراسة في الخارج طلباً للعلم والمعرفة.
فما مصير عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات حملة الثانوية الذين ظلوا دون فرصة تعليم جامعي أو حتى معاهد متوسطة!؟ أليس الشوارع والساحات لتمتلئ أكثر بالعاطلين عن العمل؟! قد يبرر بعض المسؤولين ذلك بالعجز عن تأمين فرص عملٍ للجامعيين الموجودين، وهذا عذر أقبح من ذنب، فهو هدر لطاقات أبناء الوطن، واستخفاف بطموحاتهم وآمالهم وإمكاناتهم..
إن إفساح المجال أمام شباب الوطن للدراسة الجامعية يمنحهم على الأقل، الأمل بفرصةٍ مؤجلة قد تسنح يوماً، أم أن الهدف قتل الآمال والطموح أيضاً، أي كما يقول المثل: لا ترحم ولا تسمح برحمة ربك أن تنزل!!
تقول قصة شعبية إن فارساً عربياً مر بطريق فوجد رجلاً طلب منه أن ينقله معه، فأردفه خلفه على الحصان، وما إن مشى قليلاً حتّى قال له الرجل: ما أجمل حصاننا!! فلم يمهله الفارس وأنزله وقال له: بعد قليل ستقول ما أجمل حصاني وربما تقتلني..
هذه حال حكومتنا التي ائتمنها الشعب السوري على التعليم الذي صنعه بنضاله وتضحياته وثروته الوطنية، فسرقته منه، وحجبته عن أبنائه، وراحت تمضي به نحو الإهمال والخصخصة..