هل تستثمر الحكومة السورية في الفساد؟
عاما بعد عام تتكرر العبارات نفسها والحجج نفسها في قطع حسابات أي موازنة، نصف جهات القطاع العام الإداري والاقتصادي لا تنفذ خططها الاستثمارية، والنصف الآخر ينفذها بنسب منخفضة جدا، وفي كل مرة تعزي التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للرقابة المالية أسباب تدني نسب تنفيذ الإنفاق الاستثماري إلى العوامل ذاتها وهي
"عدم الانتهاء من الدراسات الفنية، تأخر الشركات الدارسة لبعض المشاريع عن إتمام دراساتها، فشل المناقصات المعلن عنها لبعض المشاريع, فشل عملية شراء أو تخصيص الأراضي لمشاريع أخرى بسبب التأجيل لحين توفرها أو الاختلاف حول الأسعار، عدم الموافقة على تخصيص قطع أجنبي لتنفيذ بعض المشاريع من الجهات المختصة، حاجة بعض العقود لمدة طويلة في مرحلة التصديق، عدم توفر كوادر عالية مؤهلة ومتخصصة لتوصيف العديد من المشاريع".
وفي كل مرة يمرر مجلس الشعب قانون قطع حسابات موازنة الدولة دون محاسبة أحد عن تلك الأسباب، ودون مساءلة فعلية لأي جهة حكومية مقصرة، حيث لم يحدث حتى الآن أن طلب مجلس الشعب أياً من الوزراء لاستجوابه عن تقصير مؤسساته، أو لاستيضاحه عن تكرار المشكلات نفسها، ولم يحدث أن طالب مجلس الشعب بضغط النفقات الاستثمارية للجهات التي لم تستطع لأكثر من مرة تنفيذ خطتها الاستثمارية كاملة وتحويلها للجهات التي تحتاجها فعليا، وإذا كان هناك بعض الجهات الإدارية التي لا تحتاج تنفيذ مشاريع استثمارية أو إنتاجية كبيرة وضخمة مثل المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الخارجية مثلا، فإن هناك بعض الجهات التي هي بحاجة ماسة للاستثمار بها مثل المؤسسة العامة للصناعات الهندسية، والمؤسسة العامة لصناعة الاسمنت، ووزارة الكهرباء ووزارة النقل وغيرها من جهات القطاع العام الاقتصادي التي فاجأتنا أنها نفذت أقل من 50% من خطتها الاستثمارية لعام 2004،كما أظهر قطع حسابات ذلك العام. وتقع المفارقة أن مؤسسات مثل الاسمنت والهندسية اللتين عدمتا الوسائل لتنفيذ نصف خطتهما الاستثمارية ارتمتا في أحضان القطاع الخاص من أجل إعادة استثمار شركاتهما بحجة تقادم خطوطهما الإنتاجية وتهالكها، على الرغم من أن لديهما مخصصات إنفاق استثماري غير مصروفة على التجديد والتطوير.
لا الوزراء يحاسبون مديري المؤسسات، ولا رئيس الوزراء يحاسب الوزراء، ولا مجلس الشعب يحاسب مجلس الوزراء، والنتيجة أن لا أحد يحاسب أحداً، وباعتبار أن الفساد أصبح جزءا من البنية التحتية للاقتصاد السوري، وباعتبار أن الحكومة تغض الأنظار، وتصم الآذان عما يجري في وزاراتها والمؤسسات التابعة لها، وباعتبار أنها لم تحاسب الفاسدين حتى الآن، فهذا يعني أنها تستثمر في الفساد، وتزيد رأسماله المعنوي والمادي، وتجعله عملة متداولة، وعادة مقبولة اجتماعيا، فمن يحاسب هؤلاء جميعا ودون استثناء أحد؟