اهتزاز مكانة المعلم إفساد للأجيال

التعليم مهنة شريفة تتطلب كفايات معينة ليس من السهل توافرها عند كل إنسان وعليه فكما أن كل إنسان لايستطيع أن يكون قائداً فذاً، أو موسيقياً بارعاً . . . أو سياسياً محنكاً فكذلك ليس باستطاعته أن يكون معلماً منتجاً ومؤثراً.

 ورغم هذا وذاك فهناك تفاوت واضح بين المعلمين فبعضهم قادر على التطوير والإبداع في مجال مهنته ومايعبر عنه بالفروق الفردية نتيجة عوامل وراثية واقتصادية وثقافية وبيئية، فالتوسع الكمي في التعليم اقتضى وجود عدد من المعلمين غير الراغبين في مزاولة المهنة أو غير القادرين على ممارستها أصلاً. أو ممن لم يؤهلوا لممارستها تأهيلاً كافياً عن طريق التدريب العملي سواء قبل الخدمة أم أثناءها وقد ينخرط فيها من يعتبرها جسراً يمر من فوقه إلى موقع آخر أو أكره على الانخراط فيها لأنه لم يجد طريقاً آخر غيرها لكسب عيشه وقد ينظر بعضهم إلى هذه المهنة بأنها دون طموحاته، فيتركها عند أول بادرة تسنح له وتزيد من دخله وقد يفضل دراسة تخصصات أخرى غير التعليم.

لقد فقدت مهنة التعليم في الوقت الحاضر قدسيتها واحترامها بسبب النظرة الاجتماعية الحالية للمعلم والتي أصبحت دون المستوى عما كانت عليه في السابق وبخاصة لتدني مستوى الدخل فيها وبهذا تدنى مركز المعلم الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي فقد ماكان يتمتع به في السابق من وضع اجتماعي مميز.

وبالتالي تبقى المسؤولية الكبيرة في تدهور مركز المعلم على عاتق وزارة التربية والتعليم حين فتحت أبواب كليات المجتمع في المهن التعليمية لكل من تدنى معدله في الثانوية العامة في الوقت الذي لاتسمح فيه لهذه الفئة بولوج تخصصات أخرى، إن هذه الظروف التي مر بها المعلم ولايزال قد ألقت بثقلها عليه فأفقدته المتعة في عمله والرغبة في مزاولته والاستمرار فيه والولاء له وهذه أمور جوهرية وعناصر هامة لها أثرها الذي لاينكر على إنتاج المعلم وعلى إثارة حوافزه واندفاعه في عمله، وهكذا اهتزت شخصية المعلم هذه الأيام بما طرأ على مجتمعنا من متغيرات في مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبخاصة حين يلجأ المدرس والمعلم إلى تدريس طلبته دروساً خصوصية يتقاضى منهم أجراً ويضطر للعمل في ميدان آخر بعيداً عن ميدان التربية ولايتناسب مع أخلاقيات المهنة.

إن مهنة التعليم مهنة جليلة اكتسبت قدسيتها وخطرها من أنها تتعامل مع الإنسان الذي هو أعز مانملك فهي مصانع الرجال، وعلى يديه يتخرج رجال المستقبل وقادة الأمة، ومن هنا يجب أن يكون الاهتمام بالمعلم وإعداده بما يتناسب وجلال هذه المهنة وعظيم خطرها، حتى لاينعكس الاهتزاز الذي يتعرض له المعلم على الطالب بما يضعف ثقته بنفسه وبالتالي انعدام الشجاعة عنده والعجز عن اتخاذ القرارات والإحجام عنها إلى أن يصل إلى فقدان الجرأة في الإقدام والرغبة في المخاطرة واكتشاف المجهول التي هي أم الاختراع.

وانطلاقاً من ذلك يجب تقديم المساعدة إلى المعلم كي يستطيع التحرر من ربقة الماضي وقيوده التي تشده إليه حالياً والتخلص نهائياً من تلك الآثار والممارسات التربوية التي عاصرها وثبت بطلان كثير منها والتي عانى هو منها الشيء الكثير في طفولته حتى يستطيع أن ينظر إلى المستقبل بقلب وعقل مفتوحين ليوازن بين ماضيه وبين حاضره ومستقبله ليخرج من كل ذلك بنهج سليم جراء النظرة الثاقبة والعقل المستنير لينتهجه في مهنة هي من أشرف المهن الإنسانية إن لم تكن أشرفها جميعاً.

 

■ عابدين رشيد