الشرطة.. هل هي حقاً في خدمة الشعب؟

 هذا هو الشعار الذي تسبغه وزارة الداخلية في وطننا على نفسها، وكم هي مهمة نبيلة وسامية تفترض في من يقوم بها التحلي بأعلى درجات النزاهة والأخلاق.

فهل هذا ما يجري على أرض الواقع، وهل فعلاً تقوم الشرطة بخدمة الشعب؟

أحاديث كثيرة يتناولها الناس عن الأداء السلبي لهذا المرفق الهام، ويتندرون بمن يقع في مخالب الشرطة والسلبيات والإهانات التي يتعرض لها، وأسوق للقراء الأعزاء نموذجاً يبعث على الخجل ويعبئ النفس بالمرارة والإحباط ولنبدأ القصة من أولها:

- يوم الأربعاء 23/11/2005 الساعة الثانية عشر ليلاً موكب من حوالي عشر سيارات يقف على إشارة المرور عند تقاطع طريق حماه مع المشفى الوطني في مدينة حمص، والموكب يحمل شقيقين ذاهبين إلى حفل زفافهما المشترك على شقيقتين أيضاً في صالة على طريق الميماس.

يوقف الموكب شرطي مرور ويريد مخالفة إحدى السيارات، وتحدث ملاسنة مع راكبي السيارات، ودعونا نفترض جدلاً أن مرافقي العريسين أساؤوا للشرطي بكلمات نابية وغير لائقة إلا أن الأمر لم يتعد حدود الكلام.

- بعد وصول العريسين إلى الصالة بحوالي نصف ساعة، يتصل شخص من فرع المرور ويطلب ممن تلاسن مع الشرطي أن يذهب للفرع لحل هذا الإشكال فيذهب المواطنان ( ر. ن ) و( ح. م ) إلى فرع المرور ليضعا نفسيهما تحت تصرف رئيسه.

- بعدها مباشرة تصل مجموعة من رجال الشرطة، حوالي خمسة وعشرين، بأسلحتهم حيث يقومون باقتحام صالة العرس التي لا تحتوي إلا النساء فقط.. فالعرس لعائلة محافظة، وأنتم تعلمون ماذا تلبس النساء في حفلات الزفاف، ورغم تنبيه البعض لرجال الشرطة بأن العرس للنساء فقط ولا يوجد سواهم في الصالة، فقد تم اقتحام المكان ولم تنفع توسلات النساء ولا صراخهن ولا رجاءاتهن بمنع رجال الشرطة الأبطال من مداهمة العرس مع الكلمات النابية للنساء، وعندما أطفأت عاملة الصالة الأنوار ريثما تلبس النساء (ثيابهن ويتسترن) قام رجال الشرطة بضرب الناطور ضرباً مبرحاً، واقتادوه هو وبعض المرافقين الذين كانوا خارج الصالة وقيدوهم بالأصفاد ورموهم كالنعاج في سياراتهم، وأجبروا عاملة الصالة على إضاءة الصالة.

ثم قاموا بتكسير كراسي وطاولات الصالة ودخلوا إلى الغرفة التي كان العريسان الشقيقان متواجدين فيها مع عروسيهما بعد تحطيم قفل الباب واقتادوهما عنوة إلى فرع المرور بعد إهانتهما أمام زوجتيهما.

- وفي فرع المرور أجبر السيد رئيس الفرع أحد المواطنين اللذين جاءا طوعاً إليه على الركوع أمامه وقام بضربه وإهانته بالشتائم، ثم رماه هو وزميله في نظارة فرع المرور دون غطاء ولا وطاء ومنع عنهما الطعام والماء -بدون مبالغة - ومع أنه كان بالإمكان إحالتهما باليوم نفسه للقضاء إلا أنه وإمعاناً من رئيس الفرع وعناصره في إذلال الموقوفين، فقد أبقاهما ليوم السبت، وبعد الوساطات الكثيرة  أحيلا إلى القضاء العسكري المختص حسب قانون الطوارئ (سيئ الصيت) مع أن المواثيق الدولية واللوائح التنظيمية الداخلية توجب معاملة الموقوفين معاملة إنسانية وتأمين احتياجاتهم الضرورية، خاصة وأنهما مازالا بريئين وقد يكون توقيفهما بكامله في غير محله القانوني، ويجب وعلى الأخص إحالتهما للقضاء الذي له وحده الحق بحجز الحرية أو الترك.

أثناء المداهمة التي قادها (العقيد ركاد) بنفسه وبلباسه المدني – سمع وهو يتصل بـ: (بسيادة اللواء) الذي سمعه الحاضرون وهو يقول للعقيد على اللاسلكي (ربيهم. علمهم كيف يتعرضون للشرطة).

كنت أتمنى على هذا اللواء لو أنه بدلاً من مداهمة النساء اللواتي لا ذنب لهن ولا علاقة لهن بما حصل، تمنيت لو أنه ربى ولده الذي قام بتاريخ 28 / 2 /2005 بسيارة والده الحكومية بصدم مواطن مشلول على دراجة ذات ثلاث عجلات وكاد يتسبب بموته وهرب من مكان الحادث دون أن يسعف المصاب!! ليسجل الضبط و الفاعل باسم أحد عناصر مرافقته (كما هي عادة بعض المسؤولين).

يوم السبت 26/11/2005 قابلت سيادة المحامي العام بحمص القاضي – يوسف يونس – وهو إنسان نحترمه ونعلم مدى حرصه على تطبيق القانون، وشرحت له ما جرى فأبدى استغرابه الكامل، وأعلمني بأنه ليس له أي علم بهذه الحادثة إطلاقاً ولم يعط إذناً لأي جهة لمداهمة أو تفتيش أي مكان.

إذن فما حصل حصل بشكل مستقل ومنفصل عن أي سلطة قانونية في البلد، وتم بإرادة منفردة من رجال الشرطة، وما تم يحق لنا أن نقيمه من ناحيتين :

الأولى : بما هو فعل مهين للناس ولكراماتهم ولا يجمعه جامع مع المدنية والحضارة ويعبئ الناس بالأحقاد والكراهية والمرارة والإحباط ويشكل تعدياً على حرمات وأعراض النساء. والثانية: يشكل مخالفات جسيمة للقوانين السائدة في سورية، فالمادة /6/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية أناطت برجال الضابطة العدلية مهمة (استقصاء الجرائم وجمع أدلتها والقبض على فاعليها)، والمادة /7/ حددت بأن من يقوم بهذه الوظائف هم (النائب العام ووكلاؤه ومعاونوه وقضاة التحقيق) أما رجال الشرطة فقد نصت المادة /8/ على أنهم من العناصر المكلفة بمساعدة النائب العام في القيام بوظائفه (أي يقومون بوظائفهم بإمرته و تحت إشرافه).

أما المادة /25/ فتنص حرفياً على : (على كل سلطة رسمية أو موظف علم أثناء إجراء وظيفته بوقوع جناية أو جنحة أن يبلغ الأمر في الحال للنائب العام المختص)

فلماذا لم يقم رجال الشرطة الأفاضل ورئيس فرعهم وقائد الشرطة في المحافظة بإعلام المحامي العام – والذي نعلم جميعاً بأنه جاهز على مدار الأربع والعشرين ساعة لتلقي أي إخبار والتحرك لمعالجته – بالأمر ووضعه في صورة ما جرى للشرطي المسكين.

ولماذا تمت المداهمة بهذا الشكل، علماً بأن الشخصين اللذين زعم أنهما تعرضا للشرطي قد سلما نفسيهما بمحض إرادتهما لفرع المرور. ومثل هذا الدخول لا يجوز قانوناً أن يتم إلا بإذن كتابي من النائب العام.

إن ما جرى يعد مخالفة جسيمة للقوانين وتجاوزا" من رجال الشرطة لحدود مسؤولياتهم ووظائفهم وهو فعل انتقامي شخصي بعيد كل البعد عن تصرف السلطة المسؤولة عن حفظ النظام وضمان كرامة المواطن.

وإنني أضع هذه الواقعة المشينة أمام كل المعنيين بالأمر وكلي أمل بالتحرك للحد من السلبيات الكبيرة التي تعتري عمل رجال الشرطة حتى تكون فعلاً وحقيقة:

(الشرطة في خدمة الشعب).

 

■ المحامي- عمر إبراهيم قندقجي