العمالة والتدريب والتأهيل في القطاع العام بين الواقع والخيال

إن موضوع العمالة في القطاع العام قد تحول مؤخراً إلى ذريعة أساسية لبعض الوزراء والمدراء لتبرير خسارة أو تدني مستوى الأداء الاقتصادي للشركات والمؤسسات التي يشرفون عليها، جاهلين أو متجاهلين الأسباب الحقيقية التي تؤدي الى استمرار هذا التراجع الفظيع في مستو ى الأداء الاقتصادي، حيث تؤكد البيانات وجود هدر كبير في الزمن والمال حتى في الشركات والمؤسسات التي تصنف بأنها رابحه تجارياً، إذ أن مقدار الربح في هذه الشركات لايتناسب مطلقاً مع حجم الرساميل  الثابتة والمتحركة اللمستثمر، ولا مع مقدار ما يصرف على الخطط الاستثمارية بها .

 (لذلك فإن تضخيم فائض العمالة وتحميلها المسؤولية هو في غير مكانه)، حيث لا توجد عمالة فائضة بمعنى الكلمة، ولكن توجد عمالة ضائعة أومضيعة لأسباب يعود بعضها إلى إدارة المؤسسة، ومنها ما يعود إلى التدخلات الخارجية في عمل المؤسسات، ومنها ما يعود إلى عدم الاستفادة من التكامل بالخدمات بين القطاعات المختلفة في الوزارة أو المؤسسة لأسباب لا تخفى على أحد!.
 ويساعد  على ذلك عدم وجود فروق تذكـر بالراتب والتعويضـات بين من يعمـل ومن لا يعـمل، لا بل فإنه في أغلب الأحيان من لا يؤدي أي عمل مفيد يكون هو صاحب الراتب والتعويضات الأعلى، لأن لديه من الوقت ما يكفي للتواصل مع أصحاب القرار وتقديم الطاعة والخدمات الخاصة لهم .
كما أن نسبة ما يدفع من أجور للعمالة في أغلب المنشآت والمؤسسات لا يشكل رقماً ذا قيمة في تحديد ربحية أو خسارة هذه المنشآة أو تلك قياساً بما يخصص ويصرف من أموال على الخطط الاستثمارية (عديمة الجدوى الاقتصادية في الغالب) التي يتم تخصيصها سنوياً.
ولايقاس بما يهدر من زمن وموارد نتيجة: عدم الاستثمار الصحيح للمعدات والالات  -- هدر المواد الأولية والمساعدة -- تدني مستوى اعمال الصيانة-- شراء المواد الخدمية والسلعية بأسعر أعلى قيمة مما هو متاح في الواقع .. إلخ.
 ولا يقاس أيضاً مع حجم قطع الغيار الراكدة في المستودعات لسنوات عديدة والمدفوعة القيمة بالعملة الصعبة  والتي مصيرها التلف أو الاستخدام في غير مكانها وزمانها.
 (وإذا علمنا أن ثمن أصغر قطعة تبديلية لأعمال الصيانة  مستوردة من الـخارج في قطاع صناعي تعادل مجموع رواتب العامل لعشرين عاماً!! وعلمنا أيضا أن كلفة صيانة آليات الخدمة في شركة صناعية خلال عام كانت 63 مليون ليرة سورية، بينما مجموع متوسط رواتب عمالها الشهري 15مليون ليرة سورية!!). هنا يبرز قصور أصحاب القرار في استثمار هذه الموارد البشرية بما يحقق المصلحة العامة وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي المستمر.
وإذا افترضنا وجود عمالة فائضة حسب أقوال المعنيين في الشركات والمؤسسات... إلخ..
هل قامت هذه الجهات بتحديد عدد ومؤهلات العمالة الفائضة في كل قطاع من قطاعاتها،  ودراسة تأثير هذا الفائض على الكلفة الثابتة للمنتج، وتأثير هذه الزيادة في الكلفة على الربح التجاري والاقتصادي، وأداء المؤسسات، ليتسنى لها وضع الحلول لهذه المشكلة؟؟
هل قامت هذه الجهات بتحديد نسبة تأثير هذه الكلفة المدفوعة للعمالة الفائضة (المزعومة) على ربحية المؤسسة أو المنشأة، ومقارنتها مع نسبة بقية العوامل الأساسية التي تؤثر في نتائج الربحية ومؤشرات الأداء الاقتصادي  ليتسنى لها وضع الأولويات؟؟؟؟
- أما بخصوص التدريب والتأهيل: هناك منذ زمن بعيد خطط وبرامج في أغلب المنشآت
والمؤسسات توضع سنوياً للتدريب والتأهيل ويتم صرف الأمول الطائلة لها، ولكن الغاية منها لم تتحقق في الغالب، والأسباب كثيرة ولا تخفى على أحد يرغب بمعرفة الحقيقة!!
نذكر منها على سبيل المثال لاالحصر:

- اعتبار الترشيح للدورات التدريبية هو مكسب مادي وليس مكسباً معرفياً، مما ينتج عنه ترشيح أصحاب الحظوة المقربين من أصحاب القرار على حساب ذوي الاختصاص ممن يمارسون اختصاصهم على أرض الواقع.
- التنقلات التى تقوم بها إدارة المؤسسات على عناصرها تحت تاثير الضغوط الخارجية أو المصالح الشخصية والتي تؤدي إلى ضياع الغاية من التدريب في حال وجودها!!
- عدم وجود أي قواعد واضحة للعلاقة بين تدريب العناصر وممارسة العمل على أرض الواقع.
- قصور وعشوائية برامج التدريب، وتدني مردود استثمار معدات ووسائل  التدريب والتأهيل..

والسؤا ل الذي يطرح نفسة على أرض الواقع:
 أولا: هل قامت المؤسسات بدراسة اسباب عدم تحقيق الغاية من تنفيذ خطط التدريب والتأهيل؟
ثانيا: هل قامت  المؤسسات  بوضع خطة تحدد فيها زمان ومكان وعدد ونوع المعدات والتجهزات المتاحه والمطلوبه للتدريب والتأهيل، و لكل نوع من الفعاليات؟؟
ثالثا: هل وضعت المؤسسات المعاييرلتقييم نجاح هذه الخطط لعملية التدريب والتأهيل، وبيان مدى انعكاسها على جودة المنتج وكلفته وتسويقه، وهو الغاية الاساسية من التدريب والتأهيل، أم بقي ذلك شعاراً نردده في جميع المناسبات وبعد استلام أي عناصر جديدة لمهامها القيادية؟؟!!