جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

بين قوسين نحو التحرير والتغيير

تطغى ثلاثة عناوين كبيرة على المرحلة التي آل إليها الحدث السوري مؤخراً، وهي باجتماعها في وعاء زماني ومكاني واحد بالرغم من تناقضها شكلاً ومضموناً، تشكّل الشغل الشاغل والقلق اليومي لمعظم السوريين، سواء أقر بعض من يرون بعين واحدة بذلك أو أنكروه استخفافاً أو استكباراً أو تغابياً..

العنوان الأول كان وما يزال الحركة الشعبية، وهو أصلاً العنوان الذي تشكلت منه أو على أطرافه أو لمواجهته أو بموازاته بصورة غير موضوعية، بقية العناوين بمختلف اتجاهاتها وأشكالها وفترات ظهورها، لكن المختلف الآن في تناول هذا الحدث العظيم، هو شكل وطبيعة الأسئلة المتعلقة بهذه الحركة، التي لم تعد مقتصرة فقط على تفاصيل تتعلق بطريقة تعاطي ما يسمى قوى «المعارضة» والنظام معها في إطار الاصطفاف الوهمي الجاري في سورية حتى الآن، بل بمصير الحركة ومآلاتها بعد التزايد الهائل للمخاطر التي تتهددها، سواء من داخلها المشرّع لمن لا ينتمي بالعمق لأهدافها السامية ولدوافع تفجرها وانبثاقها من رحم الواقع الموضوعي، أو من خارجها.. ممن قد يُحسب عليها، أو ممن يُصنّف حتى الآن ضمن قائمة خصومها ومناوئيها.

العنوان الثاني هو ما بدأ يُعرف باسم «الميليشيات المسلحة»، التي نمت باطراد طوال الأشهر الخمسة الفائتة في مناخ العنف السائد، إما لمواجهة الحركة المتنامية والتنكيل بها وترويعها، أو بزعم الدفاع عنها وحمايتها ممن يحاول خنقها أو سحقها، وهذه الميليشيات بشقيها لم تعد تشكل خطراً كبيراً على الحركة الشعبية وحسب، بل وعلى البلاد بأسرها، أرضاً وشعباً وكياناً متجانساً ومنيعاً، وهي على اختلاف تخندقها، كانت وما تزال تدفع الأزمة العميقة التي تمر بها البلاد إلى حالة الاستعصاء الكلي، الذي ستترتب عليه إذا ما أصبح واقعاً لا رجعة عنه، نتائج مأساوية شاملة لن تستطيع سورية تحمّل تبعاتها وفصولها.

أما العنوان الثالث فهو التدخل الخارجي، وهذا الخطر الذي ما يزال ماثلاً منذ سنوات وسنوات، يسخن تارة ويفتر تارة حسب تطورات الحدث الإقليمي، أصبح اليوم احتمالاً قوياً وجدياً بعد أن بات الحدث المتخذ ذريعة لهذا التدخل حدثاً داخلياً، وأصبح الناس بمختلف شرائحهم ومناطقهم ومواقفهم يخشون حدوثه، ليقينهم بأن مصيرهم حينها لن يختلف عن مصير شعوب أخرى ذاقت علقمه في السنوات القليلة الماضية، وما تزال حتى الآن لا تجد مخرجاً لها مما ابتليت به.

المؤسف، أن العنوان الأول، أي الحركة الشعبية، لم يكن من الموضوعي أو المنطقي أن يفضي إلى كلا العنوانين الآخرين، وربما في سيناريوهات أقل سوءاً بالتعاطي مع الحركة، كان يمكن أن تمضي البلاد إلى واقع أفضل من النواحي كافة، وهذا ما يزال متاحاً بقوة فيما لو حدث فرز حقيقي ينهي الاختلاطات الشديدة القائمة حالياً وأشكال تجليها المفرطة بالسواد، والممهدة بكليّتها لاحتمالات شديدة السوء على المستوى الوطني العام..

أما العنوانان الآخران، أي بروز «الميليشيات المسلحة» المتناحرة من جهة، واحتمال التدخل الخارجي من جهة أخرى، فاستمرار أولهما يؤدي موضوعياً إلى حدوث الآخر، وهو ما يجب أن يتنبه إليه جميع الشرفاء في هذه البلاد، وخصوصاً في الحركة الشعبية وفي جهاز الدولة بمؤسساتها المختلفة، فكلاهما في النهاية متضرر رئيسي، وكلاهما مطلوب منه في هذه الأوقات العصيبة التي تنذر بما لا تحمد عقباه، أن يجد سبيله إلى الآخر عبر فتح حقيقي لأقنية الحوار التي يسدها كبار الفاسدين والمتنفذين والمتغولين على الدولة والشعب، وصولاً إلى إنجاز تحالف متين بينهما، يوحّد إرادة السوريين كافة، ويصوّب بوصلتهم، ويحمي حدود البلاد ووحدتها الوطنية واستقلال أرضها وقرارها، ويسير بسورية الواحدة القوية المقاومة نحو الحرية والعدالة الاجتماعية والتحرير والتغيير الديمقراطي.. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.