ضاعت النتائج قبل البراهين.. على عاتق مَن الحفاظ على القوة الشرائية لليرة السورية؟

تعتبر الأزمات إحدى أهم أسباب إعادة الألق للذهب، لذلك فإن صعود وهبوط سعر الذهب يكون بالتزامن مع ارتفاع أو هبوط القوة الشرائية لعملة البلد المعني بالأزمة، لكن ما ليس يفهم في الحالة السورية أن الليرة ومنذ بداية الأحداث التي تشهدها البلاد صارت محل حديث الجميع ممن يعلمون ولا يعلمون، وذلك من حيث مدى صمودها وإمكانيات الحفاظ على قوتها، والأكثر غرابة أن أحداً لم يتناول أسباب هبوط أسعار الذهب أو أرتفاعها في السوق المحلية والآثار المتوقعة جراء ذلك عند ربط الأسعار المحلية بالأسعار العالمية، حيث يبدو أن الذهب في سورية بات خارج معادلات وأسعار السوق العالمية رغم أنه سلعة عالمية بامتياز، ومن الصعب جداً التلاعب بسعره لما في ذلك من خطر على «الأصول».

الطامة الكبرى أن الأكثرية الساحقة ممن يعملون في مجال الذهب لا يعرفون كيفية ربط سعر مبيع الأونصة الواحدة من الذهب بالسعر الحقيقي المعتمد لبيع الغرام منه، وحين يتم نشر ذلك عبر وسائل الإعلام تنطلق عشرات الأسئلة عن الطريقة التي تتم فيها تلك الحسابات عالمياً، وذلك بأخذ سعر الأونصة العالمي مضروباً بسعر الدولار مقابل الليرة، مقسماً على وزن الغرام من الأونصة، والذي يعادل 31.104 غ، ثم يتم ضرب الرقم الناتج بـ24 /21 فينتج منه سعر غرام الذهب من عيار 21، فعندما يصل سعر الأونصة مثلاً إلى 1500 دولار، ويكون سعر بيع الدولار في المصرف المركزي 47 ليرة، يصبح الحساب كالتالي (1500)  ضرب (47 /21.104) ضرب ( 24/21 ). أي بكل بساطة لا يمكن تحديد سعر غرام واحد من الذهب في سورية دون معرفة السعر العالمي للذهب، ودون معرفة سعر الدولار بالليرة السورية في الوقت نفسه، طبعاً في حال كان السعر موحداً عند كل من جمعية الصاغة ومصرف سورية المركزي وهو ما ليس جارياً بالعادة.

رئيس جمعية الصاغة والحرفيين جورج صارجي أكد في لقاء صحفي أنه «خلال 11 عاماً لم يسأله أحد من المسؤولين عن آلية تسعير الذهب، وأن سعر الصرف الذي يتم اعتماده هو سعر صرف السوق السوداء، ولو تم احتساب السعر وفق نشرة المصرف المركزي (47.6) سيكون هناك تفاوت في سعره بين السوق المحلية وسوق دول الجوار»، وهذا الكلام يعني وجود إمكانية لتهريب الذهب مثله مثل أية سلعة يتم تهريبها لدول الجوار وبأرقام وأرباح خيالية!.

واللافت تأكيد رئيس الجمعية على أن المصرف لديه علم بذلك وأن «حاكم المصرف بنفسه طلب منه اعتماد سعر المصرف مع إضافة تكاليف استيراده التي تعادل 200 ألف ل.س، ولكن بما أننا لا نستورده لغلاء التكاليف أوضحتُ له أن ضمن هذه الآلية سيرتفع سعر الذهب وهذا سيمنع الناس من اقتنائه خاصة وأن الطلب كثر عليه ضمن هذه الأوضاع بالإضافة لشح الدولار في السوق الذي دفع الناس للإقبال على شراء الذهب»..

إن تأكيدات صارجي فضحت ما يجري في السر وبعيداً عن الواقع، خاصة وأن المصرف بهذه الطريقة يتجاهل اقتصادياً عوامل العرض والطلب التي تتحكم بسوق الصرف، والتي من خلالها يتوضح مدى تدخل المصرف المركزي في السوق قاطعاً السبل الملتوية على العاملين في السوق السوداء كي لا تصبح هي المرجع الأساسي للمتداولين سواء في تحديد سعر الذهب أو العملات الأجنبية.

ومن حيث يدري أو لا يدري كشف صارجي عن إختفاء الدولار في السوق السورية حين قال في حوار مع مجلة الأزمنة: «ساهمنا بهذا الأمر في دعم الليرة السورية، ولولا الذهب لأصبح سعر صرف الدولار 60 ل. س نتيجة إقبال الناس على شراء الذهب كونهم لم يجدوا الدولار، ولو افترضنا أنهم لم يشتروا ذهباً فهم حتماً سيسارعون لشراء الدولار من الخارج وهذا سيساهم برفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة لذلك استطاع الذهب أن يضبط الأزمة تجاه العملة المحلية».

ولم يكتف صارجي عند هذا الحد بل أكد إنهم في الجمعية «نعتمد سعر صرف الدولار مقابل الليرة كما هي قيمتها الحقيقية في الخارج، أما فيما يخص عدم اعتمادها في المصرف المركزي فهذا شأن لا نعرف أسبابه، لأنه بات من البديهيات أنه وحين تنخفض العملة في أي بلد يقوم البنك المركزي بشراء العملة أو بالعكس يطرح مقابلها الدولار، لكن وللأسف الوضع في سورية مختلف وأضحى مجهولاً لدرجة أن الروس آمنوا بالله خلال تواجدهم هنا، فما أقوله منذ سنوات ربما يفهمه القارئ لكن حتى اليوم لم يستوعبه أي مسؤول لذلك من المفترض أن يغيّر مصرف سورية المركزي من سياسته وأن تكون أكثر شفافية ووضوحاً لأن في هذا الأمر تنشيطاً للسوق السوداء على حساب المصارف ومحلات الصرافة وإلاّ ستبقى الحال فوضى بفوضى».

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: من الذي في جميع هذه الحالات يدعم ويحافظ على القوة الشرائية لليرة السورية؟ هل هو المصرف المركزي، أم الجمعية السورية للصاغة، أم المواطنون السوريون الذين أشتروا كميات كبيرة من الذهب بدلاً من الدولار «المختفي»؟!.