التصحر والأمطار الطينية!
أخذت سورية في السنوات الأخيرة تشهد الكثير من التبدلات والتغيرات المناخية التي تشير بشكل لا يقبل الشك إلى مدى الضرر البيئي الخطير الذي تعرضت له البلاد خلال العقود القليلة الماضية.
فمع الهجوم الكبير وغير المبرر اقتصادياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً الذي شنه انتهازيو البرجوازيتين البيروقراطية والطفيلية على المساحات الخضراء وعلى مصادر المياه السطحية والجوفية والتربة والهواء على امتداد البلاد، وما رافقه من تبدلات مناخية عالمية طرأت على الكوكب، انخفضت معدلات الأمطار إلى أكثر من النصف في معظم المناطق، وخاصة الداخلية منها، وجف عدد كبير من الينابيع الصغيرة والمتوسطة الغزارة، وتصحرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وخاصة تلك القريبة أو المتاخمة للبادية، وارتفعت بأشكال جنونية معدلات تلوث الهواء والمياه والتربة، وتدهورت البادية إلى حدود قصوى، وانقرضت أعداد كبيرة وكثيرة من الأنواع الحيوانية والنباتية، الأمر الذي أدى بنتائجه الأولية إلى اعتبار سورية واحدة من أكثر الدول عرضة للتصحر على المديين القصير والمتوسط.
هذا التصحر بدأ يضرب بشدة البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة، وراح يؤثر تأثيراً كبيراً على أمنها البيئي والصحي، ليصبح بالتالي، واحداً من التحديات الهامة والخطيرة التي يجب إدراجها في سلم الأولويات الوطنية، وذلك لما يحمله من آثار سلبية على المستقبل الاقتصادي والبيئي، خاصة وأن سورية في الأصل، يقع القسم الأكبر من أراضيها تحت ظروف مناخية شبه جافة أو شبه رطبة.
أسباب التصحر في سورية
لا شك أن هناك أسباباً طبيعية لهذا المستوى من هجوم المظاهر الصحراوية على المدن الداخلية السورية والتي أخذت تتجلى جفافاً وقيظاً خانقاً ورياحاً خماسينية وأمطاراً طينية (كالتي أصابت مدينة دمشق ومعظم المناطق الداخلية السورية مؤخراً)، منها ظاهرة الاحتباس الحراري العام التي تؤدي بشكل متصاعد إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض، ولكن تبقى أهم أسباب التصحر في بلدنا هي (الأنشطة البشرية السلبية) والتي تجلت باعتماد أصحاب الشأن من المسؤولين ومن لف لفهم من أصحاب المصالح الانتهازية، العشوائية في التعامل مع الزحف العمراني والمتطلبات الاقتصادية - الاجتماعية، حيث أخذ هذا الزحف وهذه المتطلبات أشكالاً متعددة شديدة التشوه منها، أبنية سكنية عشوائية في مناطق زراعية، منشآت صناعية غير مأمونة بيئياً، أعداد كبيرة من الآليات المهتلكة فعلياً عالية التلويث، استنزاف الموارد المائية الجوفية والسطحية، وغيرها وغيرها.. إلخ..
لقد جرت اعتداءات مريعة على المساحات السورية الخضراء منها: غوطتا دمشق الشرقية والغربية، غابات جبال اللاذقية، السهول الساحلية، وغيرها..
كما جرى إنهاك عدد من المدن السورية بنسب تلوث عالية جداً نتيجة إقامة منشآت اقتصادية من دون أية دراسة بيئية لها، وهذه المنشآت تبين لاحقاً أنها بتموضعها السيئ وطبيعة عملها وقدم خطوط إنتاجها، تفتقد الحد الأدنى من السلامة البيئية، وقد تسببت وما تزال بأمراض خطيرة للسكان وتهدد أنواعاً كثيرة من الكائنات الحية الأخرى النباتية والحيوانية بالفناء، منها على سبيل المثال: مصفاتا حمص وبانياس، ومعمل أسمنت طرطوس، حيث أمست مدينتا حمص وطرطوس بفعل ذلك غير مناسبتين للسكن البشري!
وأيضاً، تم إغراق المدن الكبرى (دمشق – حلب – حمص.. وغيرها) بعدد كبير من العربات والآليات والمنشآت الخدمية ذات التلويث العالي (ورشات – أفران – فنادق – مطاعم – منشآت حرفية ومهنية.. إلخ) الأمر الذي أدى عموماً إلى ارتفاع كبير بدرجات الحرارة في هذه المدن، وحدوث تلوث كبير في هوائها ومياهها وتربتها..
وأخيراً وليس آخراً، فإن الاعتداء على مصادر المياه المحلية من قبل المسؤولين والمتنفذين، والذي كان أبرز مظاهره جفاف الينابيع وشح مياه الأنهار (نهر بردى نموذجاً)، يساهم مساهمة كبرى في تسريع عملية تصحر مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية التي كانت حتى الأمس القريب مفعمة بالخصوبة والخضرة والجمال..
إن الزيادة الكبيرة في عدد السكان، والتي رافقها زيادة في الاستهلاك وحجم المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، لا تبرر هذا التدهور البيئي المتصاعد، بل على العكس تماماً، إن هذه الزيادة فيما لو جرى تشغيلها بطريقة صحيحة، ستجعل من البلاد من أقصاها إلى أقصاها جنة خضراء، ما يلزمنا فقط خطط تنموية وطنية، وقليل من احترام الوطن والطبيعة..