على هامش كلام مسؤول.... حول العلاقات مع أوروبا و (إشراقاتها)..
نشرت جريدة تشرين منذ حوالي شهر مقالاً في الصفحة الاقتصادية تحت عنوان «كلام مسؤول» ـ (حول العلاقات مع أوروبا وإشراقاتها) بقلم السيد وزير الاقتصاد والتجارة، وقد أرسلت التعليق التالي للجريدة لكنها لم تنشره لأسباب نجهلها، لهذا فإني أخص (قاسيون) به:
يهمنا أن نسمع أو نقرأ كلاماً (مسؤولاً) من (مسؤول) خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة أو التي تدور حولها أسئلة الناس، أو بسبب الإشكالات التي تثيرها.
والعلاقات مع أوروبا تتمتع بتلك الصفات، فهي حساسة وهي تثير العديد من الأسئلة والإشكالات، وهي تهم المواطنين جميعاً، وعندما يتحدث مسؤول عنها، من الطبيعي أن نستمع إليها ونقرأه، خاصة، عندما يربط هذه العلاقات بـ(الإشراقات) مايوحي بأن مستقبل هذه العلاقات سوف يكون مشرقاً!! (كما يريده المسؤول).
وقد بدأ وزير الاقتصاد والتجارة (د. عامر لطفي) وهو أستاذ الاقتصاد، بمقدمة حول العلاقات التاريخية الاقتصادية بين سورية وأوروبا، وأعاد هذه العلاقات إلى التاريخ القديم، ثم عرج على التاريخ الحديث، فانتقل من أول اتفاق تاريخي دولي بين البيزنطيين (أسيا وأنطاكية آنذاك) وبين أمير حلب، إلى اتفاق التعاون بين سورية و المفوضية الأوروبية عام 1977 مبيناً فضائل الاتفاق في تقديم المساعدات (الفنية) وفي زيادة المبادلات التجارية بين الطرفين.
ويخلص على التطور الأهم وهو مشاركة سورية في مؤتمر برشلونة عام 1995، والدخول في مفاوضات الشراكة الأوروبية والتوقيع عليها بالأحرف الأولى عام 2004.
ويبدي أخيراً تفاؤله بمستقبل العلاقات السورية ـ الأوروبية (مهما بلغت الصعوبات ومهما كبرت العقبات).
هنا أصبح من الضروري أن يكون هناك تدخل في هذه الأطروحات، ومادام الكاتب (المسؤول) أستاذا أكاديمياً، فإننا سنبدأ بمنهجية ماكتب، حيث وجدناه بعيداً عن منهاجية البحث عندما بدأ باستعراض سريع للعلاقات التاريخية (وهذا جيد للتمهيد لعلاقات مستقبلية أفضل) ولكن رغبته وتفاؤله لايسمحان له (ولغيره) أن ينطلق من مواقف انتقائية، فالتاريخ متصل ولايجوز (القفز) من فوق بعض مفاصله عندما تكون هذه المفاصل هامة وحاسمة ومن المفيد استعراضها من أجل بناء علاقات أفضل.
كانت هناك علاقات (دائماً) بين الشرق والغرب، لكن هذه العلاقات لم تكن كلها (حرير) ولا (مساعدات فنية).
لقد كانت لنا ملاحظات منذ بداية المفاوضات مع أوروبا، بشأن الشراكة، وكان أهمها هو أن تبدأ بجلسة حوار لتصفية (تاريخ) العلاقات وأن يكون هناك مكاشفة موضوعية حول هذه العلاقات بدءاً بالحروب التي أطلق عليها الغرب اسم الحروب الصليبية، علماً أن العرب دعوها (حروب الفرنجة). وماولدته هذه الحروب من مآسي وجروح وندبات في تاريخ العلاقات العربية ـ الأوروبية. وأما في التاريخ الحديث، ولنبدأ مع بداية القرن العشرين، فقد كانت محطات هامة يمكن تلخيصها بما يلي:
1. نكثت أوروبا وعدها للعرب بأن تساعد على إقامة دولة عربية مستقلة في المشرق إذا ماوقف العرب مع الغرب الأوروبي في الحرب العالمية الأولى، وقامت أوروبا بدلاً عن ذلك باقتسام المنطقة العربية فيما بينها من خلال اتفاق سايكس ـ بيكو والمؤتمرات الدولية المعلنة والسرية.
2. منحت أوروبا (اليهود) الوعد الشهير بتسهيل إقامة دولة إسرائيل، والبدء بتسهيل إقامة وطن لليهود في فلسطين (وعد بلفور).
3. ساعدت أوروبا (والولايات المتحدة) اليهود على إقامة دولة إسرائيل بما في ذلك:
- تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
- دعم اليهود المالي والعسكري.
- دعم إسرائيل بعد قيامها في المحافل الدولية.
- الدعم العلمي لإسرائيل بما في ذلك بناء ترسانة نووية.
4. دعم (إسرائيل) الدائم في الأمم المتحدة، والوقوف خاصة ضد عودة اللاجئين، وتمكين اليهود من بناء دولة عنصرية حديثة مدججة السلاح والعلم والتكنولوجيا.
5. مساعدة إسرائيل في مشاريعها التوسعية ومنع عودة اللاجئين إلى أراضيهم، والعمل الحثيث لتوطينهم في البلاد العربية المضيفة.
6. وتجاه سورية بالذات، دعم احتلال الجولان، وتأييد الموقف الإسرائيلي المعادي.
7. وقوف (أوروبا) الدائم إلى جانب الولايات المتحدة (وإن بتفاوت في المواقف لاترقى إلى مستوى الخلاف) في ضغوطها على سورية. واستجابتها لرغبة الولايات المتحدة في عدم توقيع اتفاق الشراكة (الذي نرجو ألا يوقع على أية حال).
8. المشاركة المباشرة وغير المباشرة في احتلال العراق وتهديد استقرار العرب.
وبعد. ..
ماذا نقول عن (إشراقات) العلاقات السورية ـ الأرووبية، ليت السيد المسؤول يقول لنا . . . .
لقد حكم موقف الغرب الأوروبي (والولايات المتحدة) تجاه العرب مسألتان أساسيتان هما:
1) الرغبة الجامحة بدعم إسرائيل (التي وجدت فيها حلاً لمشكلاتها مع اليهود.
2) وجود النفط في الأراضي العربية.
وقد كانت سورية دائماً في (بؤرة) هاتين المسألتين. وإذا أردتم علاقات طبيعية (ولاأقول جيدة) مع أوروبا فلتبدأوا من هنا. من بحث وحوار تاريخي موضوعي يذهب إلى صلب الموضوع، ومادام هناك (حوار سياسي) سيؤسسه (هذا الاتفاق) كما يقول د. لطفي، لماذا لايكون الحوار السياسي هو الذي يؤسس للاتفاق، منهجياً: ألا يكون ذلك أفضل؟
لقد أعاقت أوروبا وحدة العرب، وأسهمت في إخفاق الدعوة للتنمية والنهوض، وإذا مانظرنا إلى ذلك من وجهة نظرها، وفي زاوية مصالحها نجدها محقة في ذلك ولكن ماذا بالنسبة لنا؟ أليس لنا مصالح أيضاً؟ إلى متى ننظر إلى تلبية مصالح الطرف الآخر، دون النظر إلى مصالحنا؟ إلى متى نأخذ مصالح الآخرين بالاعتبار ولانبحث عن مصالحنا.
نريد علاقات جيدة مع أوروبا ومع جميع الدول، لكن بشروطنا الوطنية، نريد علاقات تجارية تضمن مصالح الطرفين، لكن من خلال الفضاء التنموي، أي بما يخدم أهداف التنمية، ويزيد من قدرة منتجاتنا التنافسية، وإلا ستكون الشراكة (كارثة) كما قال عن ذلك صديق العالم الثالث وزير الخارجية الفرنسي (كلود شيسون) منذ سنوات.
أما عن (المساعدات الفنية) التي (قدمها) أو (سيقدمها) الاتحاد الأوروبي، فقد أُنفقت على خبراء أجانب (يمكن أن تكون المؤسسات أقدر على تقييم نتائج خبرتهم) كما أُنفقت للترويج لأهداف الشراكة، وللديمقراطية الغربية ولاقتصاد السوق، في أوساط بعض المثفقين والبيروقراطيين ورجال الأعمال .
وبعد ذلك نقول مساعدات!!
عذراً سيادة (المسؤول) نريد كلاماً مسؤولاً يضع النقاط على الحروف، يوضح الطريق إلى (إشراقات) حقيقية للعلاقات السورية ـ الأوروبية.