تنمية المنطقة الشرقية أم تعميتها؟ أخطار كبيرة أصبحت تدق ناقوس الخطر في عموم المنطقة الشرقية..
مرض الكبد الفيروسي الذي يهدد تجمعات سكنية كبيرة وخاصة في قرى البوكمال.. ظهور إصابات كثيرة بمرض الكوليرا في ريف الميادين.. العواصف الرملية المتلاحقة والمتواصلة بشكل لا سابق له، والتي تعيد إنتاج أمراض عديدة: الربو، التهاب القصبات التنفسية، الاختناقات..
أضف إلى ذلك كله قلة مياه الشرب النقية والمصفاة بشكل كاف، وانقطاع التيار الكهربائي وفق خطط التقنين.. بنية تحتية قاصرة غير قادرة على مواجهة هجوم رمال الصحراء الزاحفة باتجاه المدن والبلدان والأراضي الزراعية والرعوية.. جفاف مقيم ومزمن أدى إلى نفوق معظم قطيع الغنم.. طرقات لا تصلح إلا أن تكون طرقاً للموت.. والقائمة تطول...
كل هذا وحكومتنا الرشيدة ترفع شعار تنمية المنطقة الشرقية!! أفليس البشر هم العنصر الأساس والأهم في هذه التنمية، ومن أجلهم تم ابتكار هذه الشعارات التي طبلت لها الحكومة وزمرت مع فريقها الاقتصادي؟؟
إن جملة عناصر ومقومات التنمية هي استحقاقات بمنزلة التحديات، ولا يمكن إنجازها بالشعارات.. فالمواصلات، وهي أبسط مقوم للبدء بعملية التنمية في منطقة ما، غير صالحة للاستخدام البشري في المنطقة الشرقية، فمثلاً الطريق الواصل بين دير الزور – البوكمال، مروراً بالميادين والعشارة يعيش الآن أسوأ أيامه، حيث قامت شركة النوري بمد شبكة مياه بالتعاقد مع الجهات المختصة، وبعد الردم والطمر تركت هذه الطريق دون أن تعيد تزفيت ما حفرته! فلماذا لا تلزم هذه الشركة بذلك إذا كان العقد يشترط ذلك؟ وإذا كانت غير ملزمة فلماذا لا تقوم الجهات ذات العلاقة بذلك، علماً أن الطريق المقصودة هي طريق دولية تربط سورية بالعراق؟
أما لجهة وباء الكوليرا الذي انتشر بسرعة مذهلة، فنجد مسؤولاً هنا ينكر، وآخر يتستر، وثالثاً يلمح.. فلماذا لا يُعلن عن وجود الوباء، وعن الإجراءات المتخذة لمحاصرته كي يطمئن المواطن ويشعر أن هناك من يحرص عليه وعلى صحته؟؟
أما العجاج فيستبد بالناس وتزداد هجماته ضراوة يوماً بعد يوم، ولا حراك من الحكومة، رغم أنها تستطيع الحد منه عبر القيام بعميلة تشجير واسعة من البوكمال إلى حدود محافظة الرقة، وخاصة أن الموارد المائية متوفرة من خلال نهر الفرات أو من خلال حفر الآبار الارتوازية وانتشار بحيرات في هذه البادية، دون أن ننسى أننا في زمن تطورت فيه وسائل الري وتعددت طرقه..
لكن يبدو أن الحكومة أعجبتها الفرجة على نفوق قطيع الغنم، وترغب في تكرار هذه الفرجة (المريحة والشيقة) مع البشر، وهذا ليس تجنياً، بل هو ما يحدث من خلال ما نلاحظه من هجرة واسعة لسكان المنطقة إلى الخارج، وإلى الداخل السوري مع بيع مساكنهم، بينما تقف مكتوفة الأيدي مكتفية بالمراقبة، الأمر سيكون له انعكاساته الكارثية على كل مناحي الحياة..
فهل هذا هو دور الحكومة وفريقها الاقتصادي الليبرالي الذي فرضته عليها توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟
فهذه الأمثلة يمكن سحبهما على كل شيء تقريباً.. فأين يلتفت المواطن؟ إلى الطرقات، أم إلي الأوبئة، أم إلى ضنك العيش، أم إلى قسوة الطبيعة؟
إذا كانت خطة الحكومة التنموية في المنطقة الشرقية بهذه الصورة فإن سكان هذه المنطقة يرفضونها شكلاً ومضموناً، ويأملون بتنمية حقيقية تقوم بها حكومة وطنية.. وطنية حقاً، في أقرب وقت ممكن!!