بانتظار انهيار الأبنية فوق رؤوس ساكنيها حي الحمراوي: اعتقله المشير..حاكمه إيكوشار.. وسيعدم قريبا!
كان الحريق الذي حدث في سوق الصاغة القديمة سنة 1960 ذريعة مناسبة لنائب رئيس دولة الوحدة «المشير عبد الحكيم عامر» لأن يشعل حريقاً من نوع آخر، فالمشير الذي عرف عنه الولع بالحرائق، لم يكن يغريه جمال المدينة القديمة، فكان أن أصدر قراره باستملاك (5740) متراً مربعاً في المنطقة المحصورة بين الجدار الجنوبي للجامع الأموي وقصر العظم، والمسمى في المصورات القديمة «حي الحمراري»، قبل أن تستبدل رأسمالية الأنابيب «طفل الأنبوب» اسم أحد شوارعه باسم آخر يحمل «منيف العائدي» في محاولة لطي ذاكرة جماعية بأكملها وخلق أبطال جدد، فالنفط ينضب والأموال التي وضعت في القطاع العام أكلها الجرذان، إذاً، الحل الأفضل هو أن نذهب إلى مقر محاكمة صلاح الدين ونستبدله ببار أو ديسكو، أو أن نملأ محيط الجامع الأموي بالمراقص والمطاعم، حتى وإن استدعى ذلك غضب الأمم المتحدة ومنظمتها «اليونسكو» التي هددت بسحب اسم دمشق من قائمة المدن التراثية في العالم.
اللغز الذي لم يعد لغزاً
قرار المشير بقي لغزاً عند الكثيرين لجهة الفائدة المرجوة من استملاك حي الحمراوي القديم، وإعطائه صفة الاستعجال، لكن اتحاد الكتاب العرب أفرج سنة 1984 عن وثيقة هامة تبين الغرض من استملاك «الحمراوي»، والذي هو في حقيقته تنفيذ لمخطط المهندس الفرنسي «ميشيل ايكوشار» الذي وضع تصوراً لمخطط مدينة دمشق في الفترة الممتدة بين عام (1936-1940) بهدف إلغاء ملامحها وضرب هويتها القديمة،ولم يكن خفياَ على أحد آنذاك المحاولات اليهودية الحثيثة للضغط على الفرنسيين من أجل هدم المدينة القديمة بهدف التنقيب عن آثار المعابد اليهودية.
مع رحيل ايكوشار والمشير لم تحاول ،الحكومات الوطنية، استدراك المرامي الحقيقية من قرار الاستملاك، بل على العكس ذهبت في اتجاه تنفيذ ما عجز عن تنفيذه (إيكوشار والمشير) فقامت المحافظة سنة 1979 بتخمين ثمن الدور العربية بأسعار بخسة وضعت بأسماء المالكين في المصرف، وتم نقل الملكية فعلياً في المصالح العقارية إلى اسم محافظة دمشق قسراً، بعد أن أخبرت السكان بشكل مباشر بأنهم يشغلون منازل مملوكة من قبل المحافظة، وعليهم دفع بدلات الإيجار وإلا سيتم إخلاؤهم منها، وهكذا تحول السكان من مالكين لمنازلهم إلى ضيوف أو مستأجرين فيها. إلى أن قامت المحافظة سنة 1984 بقطع الكهرباء والماء عنهم لعلة الإخلاء، لكن المعارضة الشعبية الواسعة أوقفت القرار مؤقتاً وبقي الحي في دوامة الأوراق الحكومية واللجان والقرارات المتناقضة.
الليلة الظلماء
يتذكر بدر الدين عوف رئيس لجنة حي الحمراوي كيف قامت المحافظة بقطع الكهرباء والماء عنهم لإخلائهم بالقوة، ويتذكر كيف ماتت السيدة «لطيفة الأسطواني» تحت الأنقاض بعد انهيار البناء عليها، حتى أن الجيران وقتها لم يتمكنوا من إخراج المتوفاة من باب منزلها بعد أن سدته الأنقاض، فاضطروا لإخراجها عن طريق منزل جيرانها بعد أن هدموا جزءاً من جدار منزلهم، فيما يقول مواطن آخر بأن بقاء الاستملاك هو مصلحة شخصية لبعض ضعاف النفوس في المحافظة حيث كانت قرارات المحافظة التي صدرت بهذا الشأن متناقضة مع بعضها بعضاَ، ففي عام 1979 طلب مجلس الشعب من رئاسة مجلس الوزراء إلغاء الاستملاك وذلك لمنع الهدم والبناء في جوار الجامع الأموي، وبناء عليه صدر قرار من المكتب التنفيذي في محافظة دمشق يطلب فيه وجوب صدور مرسوم بإلغاء مرسوم الاستملاك لانتفاء أسبابه، ثم أصدر مجلس الشعب اقتراح قانون رقم (1 ص) لعام 1982 بإلغاء الاستملاك وجميع الآثار الناجمة عنه وإعادة العقارات إلى مالكيها، لكننا فوجئنا في العام 1983 بتوزيع إنذارات الهدم من قبل المحافظة، وبعد الإنذارات صدرت مئات الكتب من معظم جهات الدولة «الرسمية وغير الرسمية» تطالب فيها الحكومة بوقف الهدم وإلغاء الاستملاك، وبناء عليه فقد قابلنا السيد رئيس مجلس الوزراء في ذلك الحين 1984 الذي أمر بإلغاء إنذارات الهدم وإعادة الماء والكهرباء إلى المنطقة.
انتفاء الأسباب الموجبة
صدر القرار الاستملاكي الذي يحمل الرقم (281) عام 1960 والقاضي باستملاك عدة أحياء أثرية في دمشق القديمة «الحمراوي، حي المصبغة الخضراء، أزقة الشريف، الزهر والقاضي والخجا والعوف والنقاشات، سوق القباقبية، الشارع المستقيم، سوق الصاغة القديمة، منطقة مأذنة الشحم» من أجل إيجاد منطقة تخصص من قبل محافظة دمشق لإقامة أسواق تجارية تكون قريبة من الجامع الأموي.
لكن أمانة العاصمة حينها قامت بتأمين محلات تجارية بدلاً عن المحلات المحروقة بالتكية السليمانية والحريقة، فانتفت بذلك الغاية الأساسية من الاستملاك، فضلاً عن أن قرار الاستملاك مخالف للقانون الأثري رقم 192 تاريخ 1976 والمتضمن تسجيل مدينة دمشق القديمة داخل السور في سجل «المناطق الأثرية» التي يمنع فيها الهدم والبناء الحديث وشق الطرق حفاظاً على الطابع القديم، كما أن قرار الاستملاك أصبح مخالفاً للمخطط التنظيمي العام الذي اعتبر منطقة الحمراوي وتوابعها دوراً عربية سكنية، ولم يلحظ في مكانها محلات تجارية بموجب المصور رقم (533)، إضافة إلى وجود قرار عالمي صادر من منظمة اليونسكو اعتبر مدينة دمشق القديمة داخل الأسوار من التراث العالمي الذي يمنع فيها الهدم والبناء الحديث وعدم اللمس بها بل يجب حمايتها وترميمها وصيانتها، لكن كل هذه الأسباب لم تكن مقنعة للمحافظة والحكومة من أجل رفع الاستملاك، وانتظرت سنوات طويلة حتى تنهار تلك الأبنية من أجل تحويلها إلى منشآت سياحية، بعد أن عجزت عن إخلاء السكان بالقوة وعن طريق قطع الماء والكهرباء، رغم أنها قامت ببعض الترميم نتيجة المناشدات الكثيرة، لكن كيف كان هذا الترميم.
ترميم بغاية السرقة
يقول م.ب بأن: «المحافظة أخلت بعض البيوت بهدف الترميم والإعادة، ولكنها رممتها على نحو سيء جداً، ثم أبقتها في حوزتها وأجرتها لآخرين غرباء عن المنطقة، وهناك بيوت أخرج أهلها منها عنوة، واستولى عليها بعض المديرين في المحافظة، مضيفاً بأنه واحد من الذين أخرجوا من بيوتهم يهدف الترميم لكن الذي حصل هو أن موظفي المحافظة سرقوا جميع الفسيفساء الأثرية الموجودة على الأسقف، وبعد أن رمموه قاموا بتأجيره للصحفيين الذين لم يمكثوا فيه أكثر من عامين نتيجة الترميم السيىء».
رقم قياسي للمعارضة
يمكن اعتبار حي الحمراوي من الأحياء التي حققت أوسع انتشار في الوسطيين الرسمي والشعبي، لكن رغم ذلك بقي الحي معتقلاَ كما أراده ذات يوم الفرنسي ايكوشار
عام 1976 أصدرت وزيرة الثقافة «نجاح العطار» قراراً باعتبار مدينة دمشق الواقعة داخل الأسوار منطقة أثرية يمنع فيها البناء والهدم والترميم والاستملاك إلا بعد أخذ موافقة السلطات الأثرية.
عام1979 يخاطب مدير الآثار والمتاحف «عفيف بهنسي» محافظة دمشق من أجل التخلي عن خطة الاستملاك.
عام 1980 قيادة فرع دمشق لحزب البعث بجلستها رقم (43) قررت طلب الاستعجال واتخاذ الإجراءات المناسبة للمحافظة على حقوق المواطنين والإسراع في إنجاز مشروع مرسوم قانون لرفع الاستملاك
عام 1980 قرر المكتب التنفيذي لمجلس مدينة دمشق الموافقة على الطلب من مديرية الشؤون الفنية ومديرية القضايا والشؤون القانونية من أجل إعداد مشروع مرسوم لإلغاء الاستملاك عن العقارات التي انتفت منها غاية الاستملاك الصادر بموجب القرار الجمهوري رقم (286) لعام 1960.
عام 1981 فرع حزب البعث في دمشق يؤكد مرة أخرى على ضرورة إلغاء الاستملاك.
عام 1982 تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب باقتراح قانون يلغي القرار رقم (281) ويلغي كافة الآثار الناجمة عنه.
عام 1984 يحذر اتحاد كتاب العرب من عمليات الهدم ويعتبرها تنفيذاً لمخطط استعماري يهدف إلى زعزعة الهوية العربية وضرب النسيج الحضاري والعمراني.
عام 1990 شكل مجلس الشعب لجنة لدراسة واقع الاستملاكات في دمشق حيث أوصت اللجنة في تقريرها بإلغاء استملاك حي الحمراوي لانتفاء الغاية منه.
عام 1991 أقر مجلس الشعب اقتراح قانون بإلغاء الاستملاك عن العقارات المستملكة بموجب قرار نائب رئيس الجمهوري رقم (821) تاريخ 28/11/1960 وذلك لانتفاء الغاية منه.
عام 1994 وجه وزير الاقتصاد كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء يبين فيه الغبن والظلم الذي لحق بالمواطنين في حي الحمراوي.
عام 1994 وجهت وزارة السياحة كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء وافقت فيه على الطلب المقدم من سكان الحمراوي بإلغاء قرار الاستملاك، لأن جمال المدينة وإقبال السياح عليها يكمن في أزقتها القديمة وحرفها اليدوية وصناعاتها القديمة التقليدية.
عام 1994 يطلب الدكتور سليمان قداح الأمين القطري المساعد من رئيس مجلس الوزراء البت بموضوع حي الحمراوي لعدم جواز ترك هذا الموضوع كل هذه الفترة.
عام 1994 يقترح وزير الثقافة على رئيس الوزراء إعداد مشروع مرسوم يتضمن إلغاء الاستملاك عن حي الحمراوي والأحياء الأخرى.
عام 1997 شكل محافظ دمشق لجنة لدراسة واقع الاستملاكات في حي الحمراوي واقترحت في دراستها رفع الاستملاك واتخاذ الإجراءات التنفيذية لذلك.
عام 1998 قدم عدد آخر من أعضاء مجلس الشعب اقتراح قانون لإلغاء القرار رقم (281) لانتفاء الغاية منه.
عام 2003 مرة أخرى يطالب أعضاء مجلس الشعب بإلغاء الاستملاك عن حي الحمراوي.
عام 2004 أكدت نقابة المحامين بدمشق على ضرورة إلغاء مرسوم الاستملاك الواقع على عقارات المالكين في حي الحمراوي لأن في هذا الإلغاء تحقيقاَ لنهج الحفاظ على تراث مدينة دمشق الحضاري والأثري والتاريخي.
عام2004 نقيب المحامين يطالب بتوفير الحماية لمنطقة الحمراوي ورفع الاستملاك عنها مما يتفق مع ضرورة الحفاظ على المواقع الأثرية.
عام2004 رفعت المديرية العامة للآثار والمتاحف كتاباً إلى رئاسة مجلس الشعب تقترح فيه إعداد مشروع قانون يتضمن إلغاء القرار (281) وإلغاء كافة الآثار والإجراءات الناجمة عن القرار المذكور بحيث تعاد العقارات المستملكة لأصحابها.
عام 2004 رفع السيد وزير الثقافة مسودة مشروع قرار مرسوم لرفع الاستملاك الواقع على حي الحمراوي وذلك لانتفاء الغاية التي صدر من أجلها قرار الاستملاك.
عام 2004 مجلس الشعب يشكل لجنة أخرى برئاسة النائب «حنين نمر» لدراسة واقع الاستملاكات فتقترح اللجنة إلغاء الاستملاك عن حي الحمراوي.
عام 2005 طالبت غرفة الصناعة بدمشق من السيد رئيس مجلس الوزراء اتخاذ الاجراءات التنفيذية من أجل رفع الاستملاك عن المنطقة القديمة والحفاظ عليها كمنطقة أثرية.
عام 2005 أرسل السيد رئيس مجلس الشعب كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء يقترح فيه إلغاء صكوك الاستملاك القديمة التي مضت عليه 15 سنة ولم يتم تنفيذها.
عام 2005 تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب باقتراح قانون يتضمن إلغاء قرار الاستملاك مع التذكير بالاقتراحات الأخرى.
عام 2006 يضرب المهندس ناجي العطري كل هذه القرارات والقوانين والاقتراحات عرض الحائط ويقرر عدم الموافقة على إلغاء الاستملاك لأسباب غير مفهومة.وقدم وزير السياحة مداخلة عصماء في اجتماع مجلس الوزراء لاستثمار الحي سياحياً، وإلى ضرورة دمج عدة بيوت مع بعضها للفائدة السياحية،أي ان القرار المذكور كان بحد ذاته مخالفاَ للقانون لأنه يقضي بتغيير صفة قرار الاستملاك السابق أو أسبابه.
ستحاسبهم الأجيال القادمة
قرار رئيس الحكومة بعدم الموافقة على إلغاء استملاك الحمراوي رغم انتفاء أسبابه طوى 66عاما من النضال الشعبي والرسمي من أجل المحافظة على تراث دمشق،وكان أشبه بهزيمة حزيران بالنسبة للأهالي في حي الحمراوي كما قال أحدهم هناك،لكن سيأتي جيل الحق القادم كما قال الدكتور عبد الرزاق معاذ معاون وزير الثقافة لشؤون الآثار« وسيفتح دفاتر الحساب مع كل مسؤول حمل أمانة المحافظة على دمشق، وأساء لها ولقلبها، دمشق القديمة، حتى لو اضطر هذا الجيل إلى نبش قبره ورمي عظامه للكلاب الداشرة»!!!!.