تسليف الرقة.. ولادة فساد برأسين

ها هو مصرف التسليف الشعبي في الرقة يسجل حالة فساد نادرة وكبيرة ومزعجة في آن معاً، فأموال الشعب نهبت في وضح النهار وخلال 20 عاماً دون حسيب أو رقيب، والفاسد الأساسي هارب يتمتع بما نهبت يداه من أموال، وجهاز مصرفي ومالي مؤلف من البنك المركزي، والمصرف التجاري ووزارة المالية، والرقابة المصرفية، لم يستطع كشف تلاعب استمر لعشرين عاماً، وهو ما يشبه تماماً قصة الفساد في البطاقات التموينية التي كشفت مؤخراً والتي كانت نتيجتها سرقة مليارات الليرات السورية أيضاً.

منذ أيام أصدر وزير المالية محمد الحسين قراراً يقضي بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لمدير فرع مصرف التسليف الشعبي في الرقة، وذلك ضماناً لمبلغ /79/ مليون ليرة سورية، وما يظهره التحقيق لاحقاً في الأموال التي تبين إنها فقدت من الفرع المذكور.
وقد أظهرت التحقيقات اللاحقة لقرار الحجز أن المبلغ المفقود يصل إلى 110 مليون ليرة سورية ظهرت حتى الآن بعد مطابقة كشوفات عمليات الفرع، وبينت مصادر المصرف أن المبالغ الضائعة ذهبت على شكل اختلاس قام به مدير الفرع السابق بالتواطؤ مع أمين الصندوق ورئيس قسم المحاسبة عبر التلاعب بكشوفات حسابات الفرع في مصرف سورية والمصرف التجاري السوري، إذ كان يتم تسجيل المبالغ على أنه تم ترحيلها إلى حسابات «التسليف الشعبي»  في كلا المصرفين ليتبين أن الترحيل كان وهمياً وبلا اشعارات صادرة عن «المركزي» أو«التجاري السوري».
اللافت  أن عمليات التلاعب بإيداعات فرع «التسليف الشعبي» في الرقة، جرت على مدار فترة طويلة، وليس دفعة واحدة.
إن اللافت للنظر في هذه القضية، والمخجل في آن معاً، والذي يجب الوقوف عنده أكثر، هو أن مدير الفرع المتهم والمتواري عن الأنظار شغل هذا الموقع لمدة تقرب الـ20 عاماً، تخللها الكثير من العقوبات الموثقة في اضبارته الوظيفية.من ضمنها قرارات بكف يده، إضافة إلى دعاوى قضائية محركة بحقه وأشكال مختلفة من العقوبات، دون أن تقوم الإدارات المتعاقبة على مصرف التسليف الشعبي، أو حتى وزراء المالية، أو حكام مصرف سورية المركزي، أو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، بضرورة إنهاء تكليفه بمهمته، وقد وبقى ذلك المدير في موقعه حتى عام 2003، والآن تكتشف هذه الاختلاسات فما الفائدة في ذلك....
إن هذا الوضع يثير سيلاً من الأسئلة حول دور الجهات الرقابية والتفتيشية في الحفاظ على نظافة الأداء وصيانة المال العام، بدءاً من الرقابة الداخلية في المصرف مروراً بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وصولاً إلى الجهاز المركزي للرقابة المالية ودوره المفترض في الرقابة الوقائية!! لأن ثمة تقارير صادرة عن بعض هذه الجهات تؤكد أن الكشوف متطابقة وصحيحة.
فهل يعني ذلك أن تلك الجهات كانت متواطئة فعلاً مع المصرف؟ أم أن إتقان الفساد والسرقة من المدير السابق منعها من كشفه؟
في النهاية هناك أموال شعب سرقت، وهناك من تستر وتواطأ على سرقتها، وهناك من استفاد منها دون أن يحاسب أبداً، وهناك مئات السرقات المشابهة لها وغير المكشوفة حتى الآن، فمتى سوف يطوى ملف الفساد والنهب في سورية؟