دور وسائل الإعلام الداخلية والخارجية في تفاقم الأزمة ما موقف المواطن السوري من وسائل الإعلام المختلفة؟ وماذا يريد منها؟
بات العالم في القرن الحادي والعشرين أمام سلطة جديدة، صارت هي المكون للقناعات والصانع للقرارات والتحولات الجذرية، سلطة هي أقرب إلى السطوة التي تعيد تشكيل وصناعة الرأي العام باتجاه رسم خرائط وتبرير حروب وفرض معطيات.. نحن أمام إعلام بوسائله المتنوعة، وخاصة المرئية والمسموعة والإلكترونية منها، يسعى لإيجاد المبررات لتمزيق الخرائط على مرأى ومسمع من الناس، وأحياناً بإرادتهم ومشاركتهم وبخطابهم المتداول، إعلام يجنح نحو تعميم ثقافة التفتيت إلى أقليات وعرقيات، وثقافة الفوضى التي لا نهاية لها سوى الدمار.
وقبل أن نتحدث عن الدور السلبي أو الإيجابي للإعلام في إدارة الأزمات والحروب والنزاعات والخلافات، ينبغي أن نضع القضية في إطارها الأشمل، وهي على محورين: عن أي إعلام نتحدث، وأي إعلام نريد؟! وما هي هوية البلد ودوره وطبيعة علاقاته مع الآخرين؟!
سورية الدولة الممانعة والمؤيدة والمناصرة لقوى المقاومة في المنطقة، تسعى العنجهية الإمبريالية إلى إجبارها على فك ارتباطها بهذه القوى، وقد استخدمت وسائل الإعلام للتجييش ضدها، واستغلت الحركة الشعبية المحقة صاحبة المطالب المشروعة وضخمتها بشكل مفرط وحرفت شعاراتها.. هذا الحراك الذي نشأ على حامل حقيقي هو المطالبة بالحريات الديمقراطية الممنوعة عن المواطنين، والكرامة المهدورة للشعب منذ عقود، والمطالبة بإصلاح الوضع المعيشي السيىء والحالة الاقتصادية المتدهورة للمواطن السوري، التي أوصلته إليها السياسات الاقتصادية الليبرالية الهدامة، وخاصة خلال العقد الأخير، هذه السياسات التي أسست لتراكمات وتفاقمات، أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية المحقة، فسعى المتربصون خلف هذه الأزمات لاستغلال الاحتجاجات لإدارة الأزمة والتجييش ضد أمن واستقرار سورية.
هنا نتساءل: ماذا فعلت وسائل الإعلام المحلية للرد على هذا التجييش؟ الرسمية منها الناطقة بلسان السلطة، أو القنوات الخاصة التي انضمت إلى الرسمية، تحت وطأة الحسابات المستقبلية، وخشية إغضاب جهة ما والتعرض للإغلاق والمساءلة ووقف عملها، فاتخذت مساراً لعملها يعتمد النظرة الأحادية الجانب للأزمة، وتصوير فقط ما يبرر أفعال جانب واحد في الشارع السوري، وهذا ما جعل المواطن السوري يبحث عن مصادر أخرى للمعلومة والصورة. ومع غياب التغطية الإعلامية الرسمية الصادقة للحركة الشعبية المشتعلة في سورية ظهرت متناقضات كثيرة في الإعلام فمنهم من يقول: «خرج العشرات يطالبون بالحرية وتفرقوا دون حدوث أي اشتباكات أو صدامات مع رجال الأمن».. والوكالات الخارجية تقول: «خرج المتظاهرون بالآلاف وهم يطالبون بالحرية وبإسقاط النظام وتعرضوا لإطلاق النار والقتل بالرصاص الحي».. وفي بعض الأحيان يتم تخوين المظاهرات والاحتجاجات بينما تم الاعتراف وعلى مستويات رسمية عليا بأن هناك في الشارع السوري حركة احتجاجية ذات مطالب محقة ومشروعة. ونحن لا نستطيع الإنكار أن الحرب الإعلامية موجودة في الوقت الحاضر وهي تلعب دوراً بارزاً وخطيراً في الأزمة، وأن الإعلام هو أداة تجييش وتحريض تارة، وأداة تلميع وتمويه تارة أخرى، فهو سلاح فتاك في يد من يقوم باستخدامه لأغراض لا إنسانية.
توجهت قاسيون بالسؤال لبعض المواطنين لاستشفاف موقفهم من دور الإعلام في تغطية الأزمة، وهل كان محايداً أم منحازاً؟! وهل عكس كل مواقف الأطراف؟ أم أن كلاً منها يخفي أجزاء من الحقيقة لتمرير مشروعه وبرامجه؟ وكانت مواقف المواطنين متفاوتة ومختلفة، بل ومتناقضة بشكل عميق، وكان لقاسيون اللقاءات التالية:
ـ يقول الدكتور )حمود س:( أتابع جميع القنوات الإخبارية الداخلية الدنيا والفضائية السورية والإخبارية السورية، وأتابع من القنوات الخارجية الجزيرة، الجديد، الحوار وروسيا اليوم، حتى أتمكن من معرفة جميع وجهات النظر المختلفة والمتعلقة بالأزمة، غير أني أميل في المتابعة إلى المحطات الخارجية لأكثر من سبب، فهي تعرض مختلف وجهات النظر، حتى ولو كانت متناقضة، على عكس قنواتنا التي تعتمد على الرأي الواحد المؤيد لها دوماً. والمحطات الخارجية تتعامل بحرفية وحيادية مع المتحاورين وطرح الأسئلة والتعاطي مع إجابات الضيوف بعكس المحطات المحلية حيث الخطوط الحمراء الموجودة في مخيلة المذيع ضمن إطار الرقابة الذاتية التي اعتاد عليها، فيقوم بالتدخل بالحديث وحرفه عن مجراه كي لا يحاكَم من المسؤولين في العمل، لأننا نعلم أن الغلطة بكفرة، وهناك أمثلة عديدة، غير أني لا أجد مصداقية حقيقية لدى الطرفين، فالإعلام السوري لا يسمح لوكالات الأنباء أو الصحفيين بمرافقة العسكريين للمناطق المشتعلة، ويقوم بمنع تصوير المظاهرات، وحجب المعارضة من التحدث والظهور من خلال وسائل الإعلام المرئية، أما المحطات الخارجية فقد فقدت مصداقيتها بعد كشف فبركة الكثير من الفيديوهات والتسجيلات واتصالات شهود العيان الكاذبة، غير أني أرى أن تلفزيون الجديد والحوار أكثر هذه المحطات حيادية ومصداقية».
ـ المواطن ( حسن د) قال: «لا يمكن الحديث عن دور وسائل الإعلام دون الحديث عن حرية الصحافة والإعلام التي نفتقدها في بلدنا سورية، والإعلام المحلي عندنا محكوم بسقوف حمراء لا يمكن تجاوزها، وهذه الظاهرة يجب التخلص منها باعتماد مبدأ التعددية، والتعددية هنا لا تعني عدد الصحف أو المحطات الفضائية أو المجلات أو وسائل الإعلام الرسمية، بل تعني ضرورة إطلاق الحرية الكاملة لمن يريد ويملك القدرة والرغبة في تطوير وبناء وطن ديمقراطي جديد، حتى ولو كان ذلك عن طريق انتقاد وفضح مواطن الخلل والفساد، وتقديم المعالجات والحلول، سواء كانوا مواطنين أفراداً يريدون القيام بنشاط اقتصادي، أو أحزاب أو منظمات أخرى غير حكومية تريد إيصال صوتها وموقفها إلى المواطنين عن طريق امتلاك وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية، لهذا يجب على الحكومة التخلي عن احتكار الحق في امتلاك وسائل التعبير والإعلام، ويجب قبل كل شيء إلغاء المؤسسة الأمنية للرقابة على الفكر والحوار، ويجب تقبل الطرف الآخر واحترامه، حتى ولو كان مختلفاً بالرأي، إذ لا يحق لأحد تولي مهام عقل المواطن ليقرر عنه ماذا يمكنه أن يقرأ ويسمع أو ما لا يستطيع».
ـ المواطن (إسماعيل. هـ) قال: «يفترض في الإعلام أن يبقى على مسافة واحدة من آراء ومواقف الفرقاء المتعارضة والمتناقضة، لكن في واقع الأزمات والحروب والخلافات السياسية، عادة ما يقف الإعلام مع الطرف الأقوى ضد الطرف الأضعف، ولكن في هذه الأيام بدأ بالمشاركة في رسم المؤامرات وطرح المشاريع والتعبئة لها وإداراتها على أرض الواقع، وهذا ترتب عليه التخلي عن أخلاقيات المهنة لإطالة أمد الأزمات والحروب، عبر الوهم الذي يزرعه الإعلام لدى الجهات المتقاتلة في انتصاراتها المحتملة، والكثيرون من مالكي الفضائيات ينتظرون حرباً كبيرة حتى تكسب محطته شعبية أكبر، وهناك مقولة إعلامية تقول: (حيث يكون الدم يكون الخبر). وفي ظل هذا كله يجب البحث عن الحقيقة والمعلومة الصحيحة والغوص في فيض المعلومات تحت السطح الذي يظهر للعيان، للتعرف عما يعتمل في أحشاء المجتمع، لمعالجة الوضع قبل استفحاله، وهذا هو الدور الأساسي الذي يجب أن يقوم به الإعلام والوسيلة الإعلامية والعامل في مجالاتها، وليس فقط الاكتفاء بظاهر الحياة وأحداثها».
ـ يقول المواطن (مازن ع): أنا أتابع قناة الجزيرة الإخبارية لأني أعتبرها أكثر القنوات حيادية ومصداقية من بين جميع القنوات الإخبارية، فهي تنقل الخبر وتكرره وتفنده وتحاول بكل الوسائل إقناعك به، بينما القنوات المحلية فهي في معظم الأحيان تعطيك الخبر من وجهة نظر أحادية، وكأنها تعمل لمصلحة أشخاص معينين، وهي مقيدة ومجبرة على إخفاء بعض الحقائق الهامة وتزيين الأحداث كما يرغب النظام، والمواطن من حقه أن يعرف الصورة الحقيقية مهما كانت سوداء. ووسائلنا الإعلامية بشكل عام تفتقر إلى المهنية والشفافية، وأخبارها تفتقد للأدلة والبراهين، ما يجعلنا أمْيَل إلى تصديق القنوات الخارجية في أغلب الأحيان، الجميع حولنا يحاول أن يحجب ضوء الشمس بغربال، فما هي الحقيقة؟ ومن هم المجرمون والمخربون؟ إننا نراهم موجودين في الجانبين، في الحكومة وفي الشارع، وما هي المؤامرة وما مضمونها ومن يُزْكيها ويحركها؟ أيضاً أرى هؤلاء في كلا الطرفين. من هنا نطالب بالسماح لكل القنوات بالدخول لتغطية الأحداث كما هي على أرض الواقع».
ـ المعلمة (لمياء م) قالت: «أنا لا أتابع الأخبار، لأنني في الحقيقة لم أعد أصدق الإعلام السوري ولا الإعلام الخارجي، مع الاعتراف بكل أسف بالمهنية والحرفية العالية لبعض الفضائيات الخارجية، إلا أن المصداقية غائبة ومعدومة عند الطرفين، حتى أنها مفقودة في وسائل أخرى كالإنترنت وغيرها. أما من جهة الإطلاع ومعرفة المستجدات فأنا أعتمد على الأهل والمحيط في الحصول على المعلومات، لأنني أعتبرهم بحسهم الوطني البريء وشعورهم بالخوف على هذا البلد من الدمار، أكثر مصداقية من أية قناة إعلامية، محلية كانت أو خارجية».
ـ المواطن (بلال. ك) وهو معلم ديكور وجبصين، قال: «أتابع الأخبار باستمرار، وبرأيي أن جميع القنوات الإخبارية كاذبة، وكلٌ له مشروع يعمل على إنجازه، فالقنوات السورية تقوم بالتعتيم الإعلامي على بعض الحقائق والمظاهرات، وتضخم وتهول ممارسات المندسين والمخربين، وتبالغ في ذلك بشكل مفرط، ومع أني متأكد من وجود هؤلاء المخربين، غير أنهم ليسوا بهذه الأعداد الهائلة التي صورها لنا الإعلام السوري، بينما القنوات الأخرى كالجزيرة والعربية والمحور فهي تقوم بتضخيم الأمور بشكل جائر بهدف الفتنة وجر الحدث إلى مكان آخر، بإحضار صور مزيفة غير موجودة بالأصل وتغيير أماكن الأحداث، وتحضر ناشطين سياسيين غير مختصين وهاربين من العدالة ليقوموا بإعطاء تصريحات كاذبة لمصلحة أشخاص معينين. غير أني أميل إلى متابعة قناة الدنيا وأخبارها، وأراها أكثر مصداقية وحرفية من باقي القنوات المحلية، فهي تتابع حركة الإصلاح القائمة في سورية، والتي أراها مناسبة، وتسير على طريق التنفيذ، لعلنا نستطيع إيقاف المظاهرات حقناً للدماء، فكل مواطن سوري يسقط شهيداً هو خسارة للشعب السوري كافةً في نظري».
ـ الأستاذ (منيب. ح) قال: «إن الإعلام السوري والعربي في الهمّ سواء، فكلاهما مسخر لمصلحة وأجندة أشخاص معينين، مع حرفية عالية ومصداقية واضحة للإعلام العربي، وخصوصاً في قنوات الجديد والحوار والجزيرة، على الرغم من أننا لا يمكن أن نسميه إعلاماً مستقلاً، فلا يوجد إعلام مستقل حيادي في البلاد العربية، والأدلة على ذلك كثيرة. أما الإعلام السوري فهو إعلام غير محترف، يستحق أن يكون لما دون العاشرة من العمر فقط، كأفلام الكرتون، فهو مختص بالكذب وتزوير الحقائق التي تحمل قطرات قليلة من المصداقية أحياناً، لذلك علينا أن نستقي معلوماتنا مما يمليه علينا عقلنا لا قلبنا، لأن كل إعلام فيه نواقص أو تحريف أو هدف مستتر، وسياسة الانحياز واضحة في الإعلام العربي، غير أني أفضل قناة الجديد من بين القنوات العربية، وأعتبرها أكثر مصداقية».
تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام
لقد أثبتت الأحداث أن سطوة وسائل الإعلام على التفكير وتكوين الرأي واتخاذ القرار كبيرة جداً، ولها دور كبير في إحداث شرخ أو جسر بين أي طرفين متنازعين، وتلعب دوراً كبيراً في التأثير على الرأي العام وتشكيل توجهاته واتجاهاته، أو تعبئته باتجاه أهداف وقضايا معينة، لخلق سلوك مطلوب يقع ضمن أهداف الحملة الإعلامية، وأصبحت وسائل الإعلام أدوات مهمة في التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهي سلاح ذو حدين يجب الحذر منه والتعامل معه بحذر شديد.