وزارة العمل.. ماذا تعمل؟ تصريحات عن تركة ثقيلة.. وشكاوى تحتاج إلى أكثر من الإصلاح

هل يجب على الحكومة الحالية أن ترحل، أم أنها قادرة على إدارة الأزمة رغم كل التركة الكبيرة التي خلفتها الحكومة السابقة، ورغم كل التوقعات التي يهمس بها البعض ويعلنها آخرون بأنها لن تستطيع أن تفعل أكثر من محاولة تبديل الوجوه لا العقلية التي لم تزل تتحكم في مفاصلها؟.

يبدو أن بعض الوزراء يحمل على عاتقه بجدية الاقتراب من مشاكل الناس، ليس عبر فتح مضافات الهموم الاجتماعية، واختيار يوم في الأسبوع لسماع مشكلات المواطن، وتبدو أفعالهم تقترب من العمل لا القول.

ولكن يبقى السؤال العالق في رأس الوزير الجاد: ماذا سأفعل بكل هذا الخراب؟. 

الحبيب.. ينتقد

وزير العمل الجديد رضوان الحبيب انتقد بشدة عمل الوزارة السابقة، ووصف في تصريحاته أداء الوزارة في إدارتها لأهم مشاريعها التي تغنت بها كصندوق المعونة الاجتماعية أن الشكاوى حوله فاقت ما يتحمله العقل.

كما انتقد أخطاء لجان المسح التي مهدت لمشروع المعونة كأحد الروافع الاجتماعية على حد رأي الوزيرة السابقة، والتي لم تعترف إلا بنسبة الخطأ البشري غير المقصود. 

القانون 17 على المحك

امتحان عسير تمر به القوانين التي صدرت أخيراً لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وثمة تعديلات على بعضها طاولته بسرعة نتيجة لملاحظات عامة، وقصور في النتائج.

القانون رقم 17 الذي جاء بعد نداءات عمالية، وانتقادات كبيرة من عمال القطاع الخاص وكذلك من أرباب العمل، والمتعلق بحقوق العمال، وعلاقات العمل في القطاع الخاص والشركات العربية الاتحادية والأجنبية والقطاع التعاوني والقطاع المشترك غير المشمول بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة..القانون 17 بات اليوم على المحك بعد أن بدأت بعض الشركات بتسريح قسري لعامليها، أو العودة لاستخدام الاستقالات المسبقة  كورقة ضغط عليهم، أو التلويح بعدم صرف تعويضات نهاية الخدمة القسرية.

ومن الأخير على رأي عامتنا.. اشتكى بعض العاملين في شركة mtn للاتصالات من إجبارهم على توقيع استقالات جماعية، وعندما رفض بعضهم تم تهديدهم بالحرمان من تعويض نهاية الخدمة.

وبالطبع سارعت mtn  كغيرها من أرباب العمل في القطاع الخاص إلى التبرير بان الأمر يتعلق بعقود محدودة، وخرق العاملين للقوانين والأنظمة، أو تقصير في أداء عملهم، أما العاملون فقد ذهبوا إلى أبعد من موضوع الاستقالة فطالبوا بتعديل القانون رقم 17 الذي تنص المادة 53 المتعلقة بانقضاء علاقة العمل:

«يجوز لصاحب العمل أن ينهي عقد العمل المحدد المدة في أي وقت خلال مدة سريانه شريطة أن يدفع للعامل أجوره عن المدة المتبقية من العقد».

التأمينات الاجتماعية حاضنة الطبقة العاملة والتي تؤتمن على أموال العاملين وحقوقهم دعت على لسان مديرها العام خلف العبد الله جميع العاملين في القطاع الخاص الذين يتعرضون للظلم في مثل هذه الحالات إلى تقديم شكوى للتحقق من الأمر ومتابعته.

تسريح ضمن الطبيعي

 مدير فرع دمشق في مؤسسة التأمينات الاجتماعية غسان ديوب يقول إن الأرقام مبالغ فيها، وهي اقل من 1000 عامل.

وعزا مدير مؤسسة التأمينات الاجتماعية السبب في هذه الأرقام التي تبدو كبيرة إلى الدور السلبي لمكاتب التشغيل، وأن أغلب هؤلاء العمال ممن كانوا على قيود مكاتب التشغيل ومسجلين من فترة سابقة، والتي تعمل الوزارة على إلغائها، وأما عن الأعداد الكبيرة التي تم الحديث عنها  فهي ضمن الحدود العادية.

فيما تحدثت تقارير سابقة عن آلاف المسرحين من العمل نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوق العمل السورية الناتجة عن تراجع الاقتصاد السوري أمام الاحتجاجات الأخيرة الأزمة الحالية، وبعض الأرقام وصلت إلى 41000 عاملٍ حتى أواسط حزيران الماضي. 

الصندوق العجيب.. الاجتماعي

صندوق المعونة الاجتماعي هو أحد مكونات شبكة الحماية الاجتماعية التي تعتمدها الحكومة، هذا تصريح لوزيرة العمل السابقة الدكتورة ديالا الحج عارف التي تركت وزارتها علامات استفهام كبيرة عن تقهقر واقع العمالة السورية، واستفحال ظواهر اجتماعية صغيرة إلى حد أن تأخذ شكلاً منظماً لن يتم علاجه بسهولة كالتسول، والجريمة بأنواعها.

بعد أن وزعت الوزارة السابقة مراكزها على كامل خريطة الوطن، واستخدمت مراكز البريد والبلديات في أوسع شبكة تخديم لها خلصت إلى نتائج باهرة، فالوزيرة عارف في آخر تصريحاتها قالت إن نسبة الحاصلين على المعونة الاجتماعية نحو 70 بالمئة في الفترة الأولى، وان نسبة الخطأ في المسح الاجتماعي للمعونة 4.5%فقط... وطالبت حينها الوزيرة بسبب الحماس الذي استلهمته من هذه النتائج أن يتم التعامل مع هذه المعونة على أنها رافعة يجب أن يستفيد منها المواطن في التعليم وتحديد النسل..إلى غيرها من الطلبات التي يمكن أن يحققها المواطن بـ4000 ليرة كدفعة أولى عن ثلاثة أشهر.

اليوم الصندوق العجيب يبدو كأحد مفاصل الفساد التي بموجبه تم توزيع المليارات على من لا يستحق، وهذا ما يؤكده وزير العمل رضوان الحبيب في تصريح أخير: المعونة لم تصل إلى مستحقيها والشكاوى على توزيع المعونة أكثر من أن يستوعبها عقل.

أما فيما يتعلق بحدود الخطأ البشري الذي تعتقده الوزيرة عارف في المسح الاجتماعي  4.5% فقط فيقول الوزير الحبيب إن نسبة الخطأ 82% فقط.

هنا ما الذي يمكن أن يفعله الوزير الحبيب في المقاربة بين 4.5- 82% وهي هوة لا يمكن أن تردمها القرارات الإصلاحية التي ستأتي بها وزارته لترقيع ما يمكن ترقيعه. 

التسول.. حرفة منظمة

لأن صندوق المعونة الاجتماعي لم يستطع أن يكون رافعة اجتماعية في برنامج وزارة العمل السابقة، أضف إلى ذلك مجمل القرارات التي تبنتها وزارات أخرى كالزراعة قادت إلى حرفة جديدة اسمها التسول.

في دمشق العاصمة صار منظر الأطفال المشردين على الأرصفة بين كومة الباعة أمراً اعتيادياً، ووصل إلى أن المواطن الذي يعبر يومياً من البرامكة على سبيل المثال يمكن أن يلاحظ اختفاء متسول صغير بقدم مقطوعة.

معاون وزير العمل عيسى ملدعون وصف تسول الأطفال بأنه ظاهرة اجتماعية منظمة ومعقدة في سورية، ولها تشابكاتها.

أما عن خطط وزارته لمعالجتها فأكد أن تعمل على برنامج خاص بالتعاون مع UNDP لمنع التسول وأشكاله، وهذا يشتمل على استحداث قوانين وتشريعات جديدة كون الاجراءات البسيطة التي تعتمد لا تتناسب مع وجود تسول منظم.

فيما تتحدث جمعيات عن قيام عائلات بتأجير أبنائها المعاقين للعمل كمتسولين مقابل أجور خيالية تصل إلى 3000 ليرة في اليوم.

أحد المواطنين يقول إنه يسكن في الشعلان وقد شاهد بعينه سيارة توزع الأطفال في الصباح ومن ثم تعود لأخذهم في المساء.

أما المراقب اليومي فمن الممكن أن يشاهد أطفالاً موزعين من جسر الرئيس إلى البرامكة وكلهم مقطوعو الأرجل وتحديداً اليسرى، ومن ثم تلمحهم في شارع آخر يبكون على قدمين.

الظاهرة التي كانت محل استخفاف على أنها مجرد ظاهرة بسيطة انضم إليها نسوة ومعاقون عقلياً، وأصحاء يحملون وصفات طبية.

أليست هذه الظاهرة من فضائل الصندوق العجيب الاجتماعي وروافعه الاجتماعية. 

في مكاتب التشغيل..

أكثر من 2 مليون مسجل تم تشغيل 219 ألفاً منهم فقط أي بنسبة 8% فقط من المسجلين.

وهذه أيضاً إحدى اسهامات الحكومة السابقة، ومكاتب التشغيل من أهم إنجازاتها لتحقيق فرص عمل حسب رغبات سوق العمل، ومساهمة في تخفيض البطالة، ومساعدة الشباب في الحصول على عمل وفق تحصيلهم العلمي، وبالتالي كل هذا يصب في دعم الاقتصاد الوطني.

معاون الوزيرة السابقة والذي ما زال يشغل المنصب نفسه عيسى ملدعون أكد أن إلغاء دور مكاتب العمل بالمحافظات ليس حلاً موضوعياً، خاصة وأن هناك مسجلين قدامى منذ عشر سنوات يبلغ عددهم أكثر من مليون مسجل منذ عام 2001، وأن السبب في عدم تأمينهم يعود إلى ضعف الطلب من الجهات العامة، وتقصير هذه المكاتب.

اليوم وحسب ملدعون سجل أكثر من 2 مليون، وتم تشغيل 219 ألفاً منهم، وهذا ما نسبته 8% من عدد المسجلين.

اليوم يرى البعض ضرورة إلغائها، وأحد المسجلين طلبه مكتب العمل لإحدى الجهات بعد سبع سنوات من التسجيل، وكان قد تطوع في الجيش.

أما من لم تتذكره مكاتب العمل فهم بقية المليونين، ومن تذكرتهم كان بواسطة ما، يعتقد الكثيرون أنها المال.

عمال السياحة أيضاً

اشتكى بعض عمال الفنادق من تهديدات تلقوها من أصحاب العمل بأن يستعدوا للاستقالة، ويقول بعض من تقدم بشكوى إلى نقابة عمال السياحة إن فنادق الـ ديدمان- شيراتون- فورسيزون أبلغت عامليها أنها ستقوم بتخفيض عددهم لديها بسبب ضعف الموسم السياحي والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

تثبيت العاملين.. عكس السير

في الوقت الذي يطيح القطاع الخاص بعامليه يأمل عمال القطاع العام بأن يكون لهم امتياز التثبيت الذي يحلمون به للخروج من سطوة الطرد الذي يتم بموجبه ابتزازهم عند تجديد العقود أول كل عام.

الوزارة السابقة نظرت إلى الأمر على أنه بطر عمالي، وسبق لوزير المالية الدكتور محمد الحسين أن قال إن تثبيت العاملين غير ممكن حالياً، وانه لن يتم طرد أحد من عمله...فيما يقبض العامل على قلبه في الواقع خشية أن يطرد في أي وقت شاءه رب العمل.

القرار الجديد الذي سمح بتثبيت العاملين المؤقتين سيستفيد منه أكثر من 174 ألف عامل حسب وزير العمل. 

الجمعيات الأهلية.. لا أثر

يبلغ عدد الجمعيات الأهلية العاملة في سورية قرابة 1200 جمعية حسب وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن ما الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي تحققه هذه الجمعيات من نشاطاتها.

في أغلبها تعتمد على التمويل الخيري، والدينية منها هي من أكثر الجمعيات أثراُ على المجتمع لتداخلها مع الجانب الاجتماعي بشكل ملاصق، وكثرة متبرعيها.

أما الجمعيات الأخرى التي تعتمد على معونات الوزارة فتبدو بائسة، وأما من يعملون بها فهم متبرعون غير متفرغين للعمل الأهلي، وبعضهم يراه من باب (البرستيج) الذي يمكن استخدامه كلقب.

لكن من أهم هذه الجمعيات التي ينعكس عملها على الاقتصاد تبدو جمعية حماية المستهلك عاجزة عن مساعدة المواطن أمام حمى السوق من جهة، وعدم تدخل الدولة من جهة أخرى، وتكتفي بالتصريحات التي توصف حال السوق، وتقدم تقاريرها للصحف الاقتصادية كأحد شركاء الشكوى. 

تركة الخراب

ربما تكون التركة أثقل من أن تتحملها الوزارة الجديدة، وربما الخلل في مشاريع الوزارة السابقة لا يمكن أن يحتمله العقل، ولكن الوزارة في دورها واسمها تحمل عبء العمل وتحقيقه لمن يحتاجه..على الأقل إن رحلت الحكومة الحالية تكون التركة على من سيرثها أخف وأرحم.

آخر تعديل على الجمعة, 21 تشرين1/أكتوير 2016 00:35