على طريق شرف نيل الجنسية السورية.. الشعب يريد محاسبة موظفي السجل المدني في المالكية!
أقدمت السلطات الحاكمة في سورية في الخامس من شهر تشرين الأول عام 1962، أي أثناء عهد حكومة الانفصال، على إجراء إحصاء استثنائي جائر في محافظة الحسكة، تم بموجبه تجريد عشرات الآلاف من المواطنين الكرد في هذه المحافظة من جنستهم السورية، حيث تم تقسيمهم إلى فئتين: الفئة الأولى: سجلوا في سجلات سميت بـ(سجلات أجانب محافظة الحسكة)، والفئة الثانية: لم يسجلوا في أية سجلات رسمية سورية وسموا بـ(مكتومي القيد).. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، ازداد عدد ضحايا هذا الإحصاء الاستثنائي السيئ الصيت، نتيجة الزيادة الطبيعية في السكان، ليصل عددهم اليوم إلى نحو ثلاثمائة ألف مواطن، لتتعمق المشكلة أكثر وتصبح مفتوحة على جميع الاحتمالات.
ولا يخفى على أحد أن هذا الإحصاء الاستثنائي الجائر، تسبب في حرمان ضحاياه من ممارسة جميع حقوقهم الطبيعية المترتبة على الحق في الجنسية (المدنية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، السياسية..إلخ)، مما أفقدهم أهم عوامل ومستلزمات ممارسة حياتهم الاعتيادية، مثل حقهم في العمل والتوظيف والتعليم والسفر والتملك والانتفاع بالأراضي، وحق المشاركة في الحياة العامة للبلاد...الخ.
مرسوم مهم.. وموظفون فاسدون
بعد مرور السنوات التسع والأربعين على مأساة المواطنين الكرد المجردين من الجنسية السورية، أصدر رئيس الجمهورية بتاريخ 7/4/2011 المرسوم التشريعي رقم (49) القاضي بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.. في سياق تعميق الوحدة الوطنية التي يفترض أن جميع السوريين مواطنون لهم الحقوق ذاتها، وعليهم الواجبات عينها.. وأكدت الجهات الرسمية على الإسراع في تنفيذ القوانين والمراسيم الصادرة لتكون متوافقة لعملية الإصلاح الجارية في البلاد ودون أي تأخير، لكن موظفي السجل المدني في معظم مناطق الحسكة، وخاصة منطقة المالكية، تلاعبوا منذ البداية بأمور التسجيل، ورغم ذلك لم يعترض أحد بعد أن لاقى المواطنون تجاوباً من مدير المنطقة الذي أعطى الأوامر باستنفار الموظفين كافة للانتهاء من عمليات التسجيل والبدء بتوزيع الهويات، فالعديد منهم يسكنون في العاصمة والمدن الكبرى، وأي تأخير يعني خسارتهم الكثير، لكن بعض الموظفين الحكوميين الفاسدين وعلى الرغم من معرفتهم بالمآسي التي كان يعانيها هؤلاء، لم يرأفوا بأحوالهم، وصار بعض ضعاف النفوس من الموظفين يبتز الناس، وخاصة الذين كانوا بأمس الحاجة للهوية من أجل أمور التثبيت في وظيفة لم ترأف بوضعهم، أو إكمال أوراق السفر أو لأمور دراسية، لتبدأ بذلك مرحلة فساد مبرمج، وكأن ما يجري في البلاد من أحداث لم يكن أحد أهم مسبباته فساد جهاز الدولة إلى النخاع، أو وكأن هذه المناطق بعيدة عما يحدث في البلاد، حيث قلنا في أكثر من مناسبة إن هؤلاء بتصرفاتهم يشكلون نقاط العبور للعدو الخارجي. ألم يتعظ هؤلاء من الدرس الجاري بعد، أم إنهم بانتظار أن يقف الشعب أمام السجل المدني ويطالب بمحاسبتهم في ساحة المدينة حتى يصدقوا ما يجري؟!.
عملية التأخير مقصودة ومنظمة
إن ما يقوم به بعض الموظفين في السجل المدني بالمالكية يتطلب تدخلاً جديداً سريعاً من مدير المنطقة، وهو الذي أثنى المواطنون على تجاوبه، وإلا ربما تتدخل الوزارة ويتهمون جميعاً بتوزيع الكعكة فيما بينهم، لأن تباطؤهم في توزيع الهويات لم يعد يطاق، وتفوح منه رائحة الفساد والسمسرة التي تملأ مكاتبهم وما حولها.
نعم لقد تباطؤوا كثيراً في تسيير معاملات المواطنين الجدد وهم من بني جلدتهم، وعن طريق بعض المستفيدين طرحوا على أهالي القرى فكرة مفادها نسيان الدور بشكل علني ودون أي حساب، والاجتماع بهم دون علم أو بعلم إداراتهم، ولكن هذه المرة أخذ الرشوة حسب حاجة المواطن أو بمقدار دسمه، الذي لا يفكر بشيء سوى أن يضع في جيبه الهوية دون انتظار كل هذا القلق.. والتكلفة درجات، من ألف ليرة سورية إلى ثلاثة آلاف ليرة..
وبحسبة بسيطة يمكن القول إن دائرة السجل المدني إن بقيت على فسادها الممنهج هذا، يعني دخول ما يقارب /60/ مليون ليرة سورية على أقل تقدير في جيوب الفاسدين على حساب كرامة الوطن والمواطن، التي هي أعلى من أي اعتبار في هذه الظروف الحساسة جداً.
هويات موجودة والابتزاز سيد الموقف
مصادر في السجل المدني أكدت لـ«قاسيون» أن أدراج معقبي معاملة الهوية مليئة بالهويات، لكنها لا تعطى لأصحابها بهدف الفساد والرشوة، وأكد المصدر أن السلطات التنفيذية في مركز المحافظة أرسلت البيانات الواردة إليها من السجل المدني في المالكية، لكنها رغم ذلك لم توزع إلا القليل تبعاً لتاريخ التسجيل، لكن هذا لم يمنعهم من التلاعب بالتواريخ، فكل من لم يسجل نفسه ضمن الفترة المحددة يتم تسجيله كمسارع في التسجيل، طبعاً بعد دفعه المعلوم وبالضعف مرتين.
فهل من المنطقي وبعد مرور شهرين من التسجيل ألا يحصل على الهوية إلا العدد اليسير؟ وإن كان من جواب آخر لدى مدير السجل المدني في المالكية فليتحفنا بعدد الذين نالوا الهوية بعد الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، وإن كانت حجته أن قلة العدد بسبب انتشار فكرة التوزيع على جميع مناطق المحافظة حتى يقتنع جميع المواطنين بعملية التوزيع، نقول له الحجة ليست مقنعة، وكل منطقة تحسب وحدها، وإذا أردنا القيام بجرد بسيط فإن «الماء يكذب الغطاس» والدليل أن الأرقام الأولية لمنطقة المالكية كانت تقدر عدد المستحقين للهوية بـ40 ألف مواطن، أعلى نسبة منهم من مجموع القرى التابعة للسجل في أربع قرى رئيسية وهي (تبكة، وسبع جفار، والسويدية، وقلعة الحصن).. والسؤال هنا هو: كم عدد الذين نالوا شرف الجنسية من القرى الأربع حتى الآن؟ علماً أننا هنا لسنا بصدد إحصاء بعض الذين حصلوا عليها وهم محسوبون على بعض الجهات التنفيذية.
«لقمان» الفاسد يطلب منا الاعتذار.. خسئت!
حين سلطنا الضوء على طريقة الفساد والرشوة التي رافقت عمليات التسجيل في عدد سابق من الجريدة، وكشفنا بعض حالات بعشرات الآلاف، ما عدا لحم الخواريف، والإكراميات «البرانية»، لم يعجب ذلك بعض الفاسدين، فذهبوا يلوحون بالتهديد بإقصاء كل من يتصلون بالصحفي بصلة القربى، وتأخيرهم وتأجيلهم إلى نهاية التوزيع، أو افتعال سبب لتخريب عملية الدور المؤرخة والتي لن تمكنهم من التلاعب بها، لأن «عائلته» بالنهاية ليسوا الوحيدين الذين سجلوا في هذا التاريخ، مما اضطر بعضهم الكشف عن أنيابه الإفسادية («لقمان» نموذجاً)، وتوصيل رسالة للصحفي القاسيوني بأن أحداً من أقربائه لن يحصل على الهوية إلا إذا قدم اعتذاراً لهم.. لهذا الفاسد ومن معه نقول: «خسئت أنت ومن معك!! فليس لك ولأمثالك الفاسدين تُقدّم الاعتذارات فأنتم سبب ما نحن فيه»..
عموماً هذا الكلام لم يعد برسم مدير المنطقة والجهات التنفيذية فيها، بل هو برسم وزير الداخلية ورئاسة مجلس الوزراء والقيادة السياسية.
حجج واهية والخاسر الأكبر الوطن
وإذا كان من حجة تحت بند أن الموعد المحدد والمقرر لنيل الهوية بعد التسجيل هو لفترة ثلاثة أشهر، فإن الظرف والوقت والمكان والأحوال العامة لا تسمح بالتأخر في إتمام قضية حساسة بهذا الشكل، ومن يفتعل ذلك يحاول خلق بلبلة قد نكون بغنى عنها، وإن كان هناك مئات الشهداء قد سقطوا مؤخراً على امتداد الوطن، فإن من يتحمل دم هؤلاء الشهداء هم أؤلئك الفاسدون المختلفون في وظائفهم ومراتبهم، المتشابهون في أساليبهم وغاياتهم، الذين ما زالوا بعيدين كل البعد عما يجري من إصلاحات ومراسيم وضحايا وهم على زادهم الفاسد.
ولن ننسى ولو بعجالة في التذكير بقضية المكتومين التي لم توضع لها أية حلول، ولعل هذه من مهمات الجهات التنفيذية في المحافظة، وذلك بالطلب والعمل على تسريع أية «تخريجة» لهؤلاء الذين كما إخوانهم من مجردي الجنسية، هم من أبناء هذا الوطن الغالي، وحل مشكلتهم سيكون جزءاً من العمليات الإصلاحية الجارية في البلد، لأن بقاءها يعني بقاء بؤرة التوتر قائمة، والوحدة الوطنية في هذه الحالة لن تشهد التعزيز كما نشتهي ونريد، والتي هي الأسمى في وطن نحبه كثيراً.
فهل وصلت الرسالة؟... وللحديث بقية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.