الانتخابات النيابية والبلدية.. استحقاق بلا ملامح
يحل بعد أشهر قليلة، موعد انتخابات مجلس الشعب، وأعضاء مجالس الإدارة المحلية لسائر مستوياتها وفي المحافظات كافة.
الانتخابات هي من أبرز مظاهر الديمقراطية في العالم إذا جرت في ظل قانون انتخابي عادل، ووقفت السلطة المشرفة عليها على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وأبقت التنافس على أساس اختيار أفضلية البرامج والأشخاص المؤهلين لإشغال المنصب المطلوب.
لكن مثل هذه الانتخابات ضرب من الخيال، لأن شفافيتها وديمقراطيتها، نسبية ترتبط بتوزع ودور وصراع القوى الطبقية فيها.
إن أبرز مظاهر الخلل القانونية، التي تهدد نزاهة الانتخابات البرلمانية، في العالم الثالث هي:
1 ـ أن تتبنى السلطة المشرفة على الانتخابات، قوائم تشكلها من الموالين لها، ونسخّر كل أجهزتها، وإمكانياتها الإعلامية والآلية في سبيل نجاحها. فيقال فيها، بأنها ناجحة من دون تصويت.
2 ـ ضغط جهاز الدولة على النشاط الجماهيري للقوى السياسية المختلفة بأشكال وأساليب متعددة..
3 ـ أسلوب جمع هويات وبطاقات انتخابية لأحياء ولأموات، والتصويت عنهم في مراكز انتخابية عديدة.
4 ـ تأجيل الانتخابات لليوم التالي عمداً، ومنع الوكلاء من حراسة الصناديق من أجل التلاعب بأصوات المقترعين.
5 ـ استخدام المال السياسي، لشراء الأصوات نقداً، أو بتوزيع مواد غذائية، أو تقديم وعود مغرية..
إن الذين يلجأون إلى شراء إرادة الناخبين هم لصوص يسرقون مناصب لا يستحقونها من آخرين، وعلى سبيل المثال، فقد وصل ثمن الصوت الواحد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان إلى ثلاثمائة دولار، وهم يعمدون إلى إهانة حق التصويت المقدس للمواطن وشلّ دوره المفترض، وإحداث خلل طبقي في البرلمان لصالح الفئات المتسلطة والمتنفذة، وعدم الاهتمام بتلبية مطالب الشعب (لأنه من وجهة نظرهم لا فضل لأحد عليهم بنجاحهم الذي حققوه)، واستغلال مناصبهم من أجل استرجاع الأموال التي صرفوها أضعافاً مضاعفة، وغيرها..
وفي هذا المجال، لا يمكن تبرئة الحكومات المتعاقبة على سورية منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي في كل أو بعض هذه التصرفات، التي طبعت بميسمها جميع الانتخابات في كل الميادين، من أدناها إلى أعلاها. لأن قانوني الطوارئ والأحكام العرفية اللذين استمرا عشرات السنين، فسحا المجال للصلاحيات الاستثنائية، أن تتدخل في انتقاء المرشحين وتشكيل القوائم، من لجان الطلاب والمعلمين والروابط النسائية، ونقابات العمال والفلاحين واتحاداتها، إلى النقابات المهنية واتحاداتها، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية.
وبطبيعة الحال، فإن أغلب أعضاء هذه الهيئات، سيكون مرتبطاً بالجهة التي نجحتها وأمنت لأعضائها الكراسي والمكاسب، وأصبحت هيئاتهم اسمية جرى إفراغها من محتواها ودورها، وتحولت إلى مكاتب شبه حكومية، تتساهل في الدفاع عن مصالح قواعدها التي انتخبتها.
وفي مثل هذه التصرفات غير القانونية التي مورست في انتخابات سابقة، يكمن تفسير عدم اكتراث الشعب بها وضعف إقباله عليها.
ورغم توقعي ـ وآمل أن يبوء بالفشل ـ بأن الانتخابات المقبلة، ستزيد من عدد ودور ونفوذ حيتان المال بين أعضاء مجلس الشعب، إلا أنني أرجو الحكومة بما تبقى من وقت أن تصدر تعليمات تنفيذية صارمة للقانون الانتخابي الموجود ريثما يجري تغييره كلياً في أقرب وقت، وأن تتقيد عملياً بمضمونها، وأن تتخلى عن التصرفات السابقة لإعادة ثقة الشعب بها.
أترى يتحقق أحد هذين الرجاءين، أم أن حليمة متشبثة بعادتها القديمة؟
■ عبدي يوسف عابد