هدم محال غير نظامية بضاحية الإسكان العسكرية بمخيم الوافدين.. الموظفون.. أولاً: يعيقون ويمنعون.. ثانياً: يرتشون.. وثالثاً يهدمون!!
كان السكن في ضواحي المدن في الأزمنة الغابرة مقتصراً على الملوك والأمراء والرؤوساء، حيث كانوا يقيمون فيها منتزهاتهم ليقضوا فيها أوقات الاصطياف والنقاهة والصيد، ومع بداية الثمانينات من القرن المنصرم طرأ تعديل على الصورة التاريخية في بلدنا حين قام التجار والمتنفذون بغزو بعض هذه الضواحي وبناء «فيلاتهم» الفارهة، مقسمين هذه الأماكن الواقعة على أطراف المدن إلى قسمين: قسم للفقراء وقسم للمترفين..
وفي وقتنا الحالي، أصبح عدد من الضواحي المجدبة وأطراف المدن مقراً للفقراء والمستأجرين الذين نزحوا إليها طمعاً برخصها، حتى ولو كانت بعيدة عن المدينة، وعن الخدمات، فهي وكونها عشوائية وغير نظامية بعيدة عن العيون أيضاً. لكن المتنفذين الجدد لم يتركوا أولئك بحالهم، بل راحوا يستعبدون فقراء الضواحي ويبتزونهم ويهينونهم، في البيع والشراء، في الإيجار والاستئجار، في منح الخدمات وفي حجبها، في الأعراس والجنائز.
هذا ما يحصل بالضبط مع سكان ضاحية الإسكان العسكرية بمخيم الوافدين التي تضم حوالي /67/ محضراً كل منها مؤلف من/16/ شقة لا تتمتع بأدنى مستويات الخدمات والاهتمام.
في هذه الضاحية لا توجد سوى مدرسة واحدة ابتدائية، وقد أدى ذلك لحرمان الأطفال فيها من التعلم لأن بعض الأهالي امتنعوا عن إرسال أطفالهم إلى مدارس بعيدة عن منطقة سكنهم. كما أنه لا يوجد مقسم هاتف مخصص للضاحية، و90% من السكان لا تصل لهم المياه بشكل منتظم وشرعي، والباقي تصلهم لمدة ساعتين في الأسبوع، وأحياناً ساعة، وذلك حسب مزاج العامل المتحكم بإغلاق وفتح المياه. أما عمال التنظيفات فيأتون حسب فراغهم وبناء على تنبيهات متعهد النظافة في الضاحية، والإنارة في الشوارع معدومة كلياً مما يزيد من المشاكل والسرقات والتجمعات المشبوهة وبعض التحرشات في المزارع المحاذية للضاحية .
ضاحية للإيواء فقط
إن الضاحية وحسب قواعد السكن النظامي قد أشيدت بشكل علمي ومنظم. «ولكن للإيواء فقط» فلم تضم مؤسسة الإسكان العسكرية للمحاضر أي محل تجاري لخدمة السكان. وبالوقت نفسه لم ينهوا المجمعات التجارية المخصصة لهذا الغرض، وعلى ما يبدو أن القائمين على المشروع منذ بدايته قد وضعوا في الحسبان أخذ المعلوم عند التفكير بإقامة أي محل من الأهالي.
رشوة لأربع حيطان
سكان الضاحية وقبل نحو أربع سنوات اضطروا لبناء محلات تجارية تحت المحاضر وضمن السور النظامي للبناء، فقاموا باقتطاع أجزاء من منازلهم لاستخدامها كمحال تجارية لدعم رواتبهم المضعضعة، وبدأ مسلسل الرشاوى والتي اختلفت من شخص إلى آخر، حسب المحل ونوعية البضاعة التي تستخدم، فكانت ما بين 5 ـ 10 آلاف كلها راحت تصب في جيوب المسؤولين عن الضاحية. حيث أصبحت هذه المحلات «مزراب ذهب لهم»..
وجاءت هدية عيد الحب في الرابع عشر من شهر شباط 2007، لأصحاب المحلات حين قامت دورية تابعة للإسكان العسكري مؤلفة من أكثر من مائة عنصر بكامل عتادهم بمحاصرة الضاحية مدعمين بعناصر من الشرطة العسكرية ومنعت أي صحفي من التغطية الإعلامية وهددوا بإخلاء المحلات خلال دقائق معدودات، وإلا سوف تهدم فوق رؤوسهم.
أحد المواطنين قال إن رئيس الدورية كان يتوعد ويهدد بأنه في المرات القادمة سيأتي بجرافات ليزيل كل مخالفة عن بكرة أبيها، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط المحضر بكامله وأنه حزين جداً ومحبط نفسياً بسبب عدم تأمين المؤسسة له هذه الجرافات وما يلزم للهدم. «الله يذكرك بالخير يافلسطين»!! ويضيف المواطن أن قسماً كبيراً من المحلات لم يتم إنذارها إلا أن جميعها هدمت، وتصل أعدادها إلى خمسين محلاً بنيت من عرق جبين الأهالي، وعلى حساب لقمة أولادهم.
ضرب.. واستياء شعبي
عملية الهدم أدت لحصول استياء شعبي كبير لدى جميع سكان الضاحية فراحت الشتائم تذهب في كل الاتجاهات ولم ترحم أحداً..
السيدة س تقول: لقد بقيت داخل المحل مع أولادي إلا أنهم أقسموا بأنهم سوف يهدمونه فوق رؤوسنا ولو كلف ذلك أرواحنا. هم يريدون أن نموت جوعاً حتى يشبعوا هم ومن يدعمهم، لقد أصيب الأولاد بصدمة نفسية نتيجة رؤيتهم العسكر والسلاح..
أما الشاب ف يقول: هذا الذي أصبح كوماً من الرمل لم يكن محلاً وهو بالأصل كان غرفة صغيرة قد عمرتها من مساحة حديقة المنزل لكي أتزوج فيها فانظر ماذا فعلوا. أين سأسكن؟ والحديث عن الجمعيات لم يعد مجدياً، فلم أستطع الحصول على السكن لا بالسكن الشبابي ولا بالعجائزي. حتى السكن الشعبي الذي يتحدثون عنه منذ سنين لم نحظ به، وحسب حالة الفقر التي نعاني منها رضينا بهذه الغرفة ولم يتركونا بحالنا، هم في النهاية يدفعوننا لنسب ونشتم الحكومة على مثل هذه التصرفات...
كرمى لعيون التجار
بينما كنا في مواقع الهدم نجري لقاءات مع المتضررين ونستمع لآرائهم بخصوص ما حصل، كان التجار أيضاً يقومون بجولة لمشاهدة الدمار من أجل إعطاء الإكرامية للمسؤولين عنها، وكل حسب حجم الكارثة!!
يقول المواطن م ح: من أجل عيون هؤلاء تم هدم محلاتنا بحجة أن المجمع أو السوق التجاري المشاد في الضاحية سوف يلبي حاجة المواطنين جميعاً، رغم أننا وضعنا كل ما نملك من أجل بناء هذه المحلات المتواضعة، مع العلم أن نسبة كبيرة من المواطنين موظفون في الإسكان وقد سحبوا قروضاً من أجل بناء هذه المحلات. والآن كيف سندفع أقساط القروض ونحن لا نملك شيئاً سوى الراتب الذي لا يكفي لثلث الشهر.
أما السيدة ش فقالت: هم فعلوا كل هذا كرمال التجار الذين «تسلبطوا» سلفاً على مزاد المحلات التابعة للمجمع الذي يضم 36 محلاً، وهي غير جاهزة لأنها مازالت على الهيكل. وكما يجري الحديث بين الأهالي فقد بيعت على الخالص للتجار سوى محلين واحد لزوجة أحد المسؤولين عن الضاحية والثاني لراقصة تابعة أو إحدى صديقات أحد المشرفين «فنعم الصداقة»..
مشاهدات حية
• لا يوجد في الضاحية سوى روضة واحدة وهي عبارة عن «ممر بناية» فقط!!
• سعر المحل التجاري ضمن المجمع القائم بين 800 ألف إلى مليون وخمسين ألف «يا بلاش»..
ليست هناك بلدية، والضاحية تمشي حسب مزاج المدير العام.
• المياه تباع بالصهاريج ولا أحد يعرف مصدرها ومدى صلاحيتها للشرب.
• الشخصان الوحيدان اللذان استطاعا تصوير ما حدث بالهاتف الجوال نتيجة منع الشرطة للصحفيين من رصد ما يحدث، تم حجزهما مع الهواتف.
• القمامة في كل مكان وأينما اتجهت.
• العيادة الوحيدة التي كانت متواجدة في الضاحية أزيلت بالكامل ولم يبق سوى بقايا لافتتها.
• بضاعة المحلات المهدمة كانت في العراء، وعندما سألنا أحد المتضررين عن مصيرها.. أجهش بالبكاء...
• همس في أذني أحد «الواشين» أن بلدية الريحان هي التي طلبت من المسؤولين هدم المحلات كون هذه الضاحية ستصبح تحت مسؤوليتها قريباً، وبالتالي سيستفيد موظفوها من «إعادة الإعمار» المخالف مرة ثانية.. والله أعلم؟؟!
■ قاسيون - قسم التحقيقات