دور المعلم في العملية التربوية... طموح وإمكانات
تتراكم الصعوبات النفسية والاقتصادية على المعلمين في سورية، ويزيد منها الضعف والتراجع المتزايد لاعتمادات التعليم، وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وانخفاض الرواتب والأجور، وانتشار حالات اللامبالاة والفوضى في المدارس، وتفضيل بعض الأهالي المقتدرين تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة نتيجة لانخفاض المستوى التعليمي في المدارس العامة.
أمام هذه الوقائع لا بد من التفكير بتطوير العملية التربوية والتعليمية برمتها على اعتبار أن البلاد أمام استحقاق مشروع نهضوي وإصلاحي شامل، والذي يتطلب من دون شك تفعيل دور القوى النظيفة في المجتمع والدولة..
وانطلاقاً من ذلك تزداد أهمية تطوير العملية التربوية ضمن مشروع حيوي واستراتيجي لأنه يشكل محوراً هاماً ينعكس بتجلياته وأبعاده على ذهنية وثقافة المجتمع، وبالتالي لا يمكن جعل دور المعلم ثانوياً على اعتباره يتميز بالقدرة الفعلية والحقيقية على ترجمة وثيقة المعايير الوطنية للمناهج مستقبلاً، وصولاً لإنتاج عقول قادرة على التصدي لكل المهام الوطنية، وبالتالي فالمعلمون هم البناة الحقيقيون لكافة مقومات التنمية البشرية.
وبرؤية موضوعية علمية لماضي العملية التربوية في جميع جوانبها يصل المرء إلى استنتاج مفاده أن مكانة المعلم التي كانت تحظى بكل احترام وفخر قد تعرضت لاهتزازات أدت إلى تشويه بنيته العلمية والمعرفية، ولذلك فإن أي إصلاح لتلك العملية يهدف إلى تنمية حقيقية شاملة، لا بد له من إعادة اعتبار تلك المكانة عبر معالجة الأسباب التي خلقت تلك الحالة المشوهة، وهذا يتطلب بدوره إجراء دراسة صحيحة من خلال معايير عصرية لقاعدة العملية التربوية والتعليمية لمعرفة مواقع الخلل والهموم في مسيرة حياة المعلمين. وبرأينا إن تسليط الأضواء على بعض جوانب تلك الهموم قد تعزز من دوره إذا ما تمت معالجتها وفق أساس ومعايير واضحة وشفافة والمتمثلة بما يلي:
1 ـ دور المعلم التربوي: بالملاحظة العلمية لواقع الكثافة الصفية في الصفوف والمدارس حيث يشكل عددهم في الشعبة الواحدة حوالي (45 ـ 50) طالباً، يستنتج المرء أنه من غير الممكن بل شبه مستحيل على المعلم أن يتابع نشاط (التلاميذ والطلاب) الصفي والمنزلي، فكل طالب يحتاج من الوقت على الأقل نصف دقيقة، وبكل تأكيد سيكون ذلك على حساب عدم إجراء أي تقويم شفهي. كل ذلك ضمن فترة زمنية قصيرة حوالي /45/ دقيقة وبأساليب تقليدية قد عفا عليها الزمن، وخاصة إذا ما أخذنا تأثير الفضائيات وهو أكثر من المدارس بكثير.
2 ـ مجلس المدرسين دوره وصلاحياته: لقد تحولت هذه المجالس إلى اجتماعات هيكلية لا دور لها فهي تعقد فقط عند الضرورة وخاصة إذا كان هنالك موضوع يخص المدير والمقربين منه وتحديداً عند اتخاذ قرار بنقل طالب من المدرسة وبرأينا أن تفعيل دور المعلم يشمل توسيع صلاحيات هذه المجالس وأن تكون هنالك اجتماعات دورية تحدد مهامها وبحضور مندوب من مديرية التربية مرتين على الأقل أو أربع مرات.
3 ـ تأمين حصانة المعلم: بعد إلغاء الضرب من المدارس وفرض إلزامية التعليم في الحلقة الثانية وإلزام المدارس بقرارات من شأنها تحديد نسب نجاح مرتفعة مسبقاً دون مراعاة مبدأ الفروق الفردية، أدت إلى وجود حالة لا مبالاة وضعف في المستوى العلمي لدى الطلاب وبالتالي تمادي عدد من الطلاب على معلميهم وبأشكال مختلفة، ونعتقد أن في ذلك تهديدا حقيقيا لمجمل القضية التربوية والتعليمية في البلاد، وبالتالي ستكون الكارثة والانهيار عنواناً لمستقبل أجيالنا إذا لم يتم تطوير منظومة العقوبات بما يخدم مكانة المعلم، لأنها بشكلها الحالي لا ترضي معظم شريحة المعلمين وهكذا لا بد من البحث عن معايير وضوابط موضوعية تحد من حالة اللامبالاة لدى معظم الطلاب والمعلمين كتفعيل درجة السلوك والتقويم الشفهي، وتأمين حقوق المعلمين في المجالات الأخرى الإجازات ـ الأذون الإدارية ـ التكافل الصحي...الخ. وتعريفه بمنظومة الاعتراضات ضد القرارات الجائرة بحقه، وبهذه الأساليب يمكننا النهوض بالعملية التربوية والتعليمية وتحقيق عملية التنمية المجتمعية.
■ عابدين رشيد