قرية قزحل في محافظة حمص تلوث بيئي خطير... وتقاعس من المحافظة والصحة والبلدية
تقع قرية «قزحل» على مسافة 13 كم غرب مدينة حمص، ويصل عدد سكانها إلى نحو ثلاثة آلاف نسمة، وتتميز بطبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة، وكان أهلوها يعيشون حياة ريفية بسيطة، إلى أن جاء من يعكر عليهم حياتهم ويهدد بقاءهم وينغص عيشهم..
لقد تم تشييد ثلاثة معامل للجبن في القرية يصل إنتاجها مجتمعة إلى حدود 40 طناً من الحليب ومشتقاته لأصحابها محمد وخالد علي عجو، ومحمد خالد شموط، وبدل أن تساهم هذه المعامل في تنمية القرية وتأمين فرص عمل لسكانها، راحت تملأ القرية تلوثاً وأوساخاً بسبب التصريف السيء لبقايا التصنيع.. فتشكلت المستنقعات الآسنة الجالبة للأمراض والحشرات والأوبئة، وبدأت صحة السكان بالتدهور.. وانتشرت الروائح الكريهة في كل مكان، وأصبحت القرية برمتها مكاناً منفراً غير صالح للسكن والحياة..
عرائض وطلبات من دون أي رد
تقدم أهالي القرية بأكثر من عريضة إلى بلدية قزحل، لكنها لم تحرك ساكناً، وبتاريخ 12/3/2007، قدم الأهالي معروضاً آخر جاء فيه:
«بسبب رمي مخلفات ونفايات المعامل الثلاثة في الفلاء بين الأراضي الزراعية، وتراكمها دون وجود مجرور صحي لها، فقد تشكلت مستنقعات حول المنازل الموجودة في القرية، مما أدى لانتشار الروائح الكريهة والمزعجة وانتشار البعوض والحشرات الضارة بشكل كثيف، وتسبب ذلك بأمراض وتحسسات.. لذلك نطلب إعادة النظر في الأمر والتحرك السريع لمعالجة المشكلة قبل قدوم فصل الصيف وازدياد الأمر سوءاً».
ثم قدم الأهالي عريضة أخرى مذيلة بعشرات التواقيع من سكان القرية إلى مديرية الصحة في حمص تحت الرقم الوارد /2978/ تاريخ 22/3/2007 وأخرى إلى محافظة حمص ديوان الشكاوي رقم الوارد /1104/ش تاريخ 20/3/2007.. ولكن دون جدوى حتى الآن..
رجل مهم أصبح فاسداً..
«قاسيون» لبت نداء الأهالي في قرية قزحل، وحضرت إلى القرية ورصدت واقعها بالعين المجردة، واستمعت إلى مطالب السكان:
السيد عدنان خضر باكير قال: لقد طرقنا جميع الأبواب من البلدية إلى المحافظة إلى مديرية البيئة، فلم نحصل على أي رد إيجابي وأصبحت على يقين بأن صاحب المعمل (؟) هذا الرجل أصبحت بيده مفاتيح جميع هؤلاء المسؤولين، فلم يعد يخاف من أحد وأصبح يتحايل بجميع أنواع الحيل والخداع.. لقد أصبحت دماؤنا فاسدة نتيجة هذا التلوث وهذه الروائح التي نستنشقها يومياً، التي لا يتحملها أي مخلوق.. وأقترح على السلطات المختصة أن تحول المحكومين بالإعدام لديها إلى قريتنا فيعدمون على طريقة الموت البطيء!!
مدير الناحية يرفض إغلاق المجرور
المواطن عدنان رفاعي قال: إن طول (نهر الجبن) أو بقايا الجبن يصل إلى حدود 1500م وفي بعض الأماكن يصل عمقه لـ3 أمتار، أي أن جميع الأهالي ليسوا فقط معرضين لروائح وحشرات هذه الكارثة البيئية، بل هم معرضون للغرق فيها مع أولادهم.. في السنة الماضية تقدم أحد الجيران بالشكوى لمدير الناحية طالباً إغلاق المجرور، إلا أنه رفض بحجة أن هذا المجرور الطبيعي السطحي هو هبة من الله تعالى، فإذا هو لم يغلقه كيف تتجرؤون في مخالفة مشيئته!! هذا هو الكفر بعينه!!!
● السيد محمد. ر قال: لم يعد هناك أي شيء مخفياً بالنسبة لأصحاب المعامل، فعند أي اعتراض تحضر جماعة الصحة ويأخذون المعلوم وتنكتين من الجبن، ويذهبون في حال سبيلهم أو يراقبون المكان الذي توضع فيه مادة لا أعرف اسمها، ولكنها حسب قولهم تحول بقايا تلك الملوثات إلى مياه عادية، فيذهب الموظفون بحال سبيلهم وتنكات الجبنة بأيديهم تتمايل يميناً ويساراً دون خجل أو خوف، وهم ليسوا خارج القاعدة السورية.. قاعدة الفساد المستشري في كل مكان.
● الحاج سليمان كاخيا قال: لم أعد أقتنع بوجود أي شيء من العدالة والحق والإنصاف بعد هذا العمر، فالمشاكل في ازدياد، ولا يوجد أي حل.. تصور أن صاحب أحد المعامل هو (صهري) ومع ذلك هكذا يتصرف: قبل أيام جاء ببراميل من نفايات معمله وفرغها أمام منزلنا، ولو لم نضبط أعصابنا لحصلت مذبحة.. ورغم أن الصرف الصحي للقرية لا يبعد عن المعمل أكثر من 500م، إلا أنه يومياً ينقل صهريجين فقط من تلك البقايا، لكي يوهم أهل القرية ورئيس البلدية بأنه يفرغها في المصرف..
لقد طالبناه أكثر من مرة أن نجتمع ونتعاون بعمل شعبي لمد مجرور نظامي من المعمل إلى المجرور الرئيسي للقرية، إلا أنه رفض ولم يبال بالموضوع، وهددنا بالأسماء التي يسند ظهره بها.
أمراض بالجملة
● السيدة س تقول: أصبحنا نعاني من عدة أمراض في الوقت ذاته، ودكتور القرية لم يعد باستطاعته معالجة كل هذه الأمراض.. تصور هنا في القرية تنتظر يوم أو يومين حتى يأتيك الدور.. (الله يعطيه) قبل فترة ما كان يشتغل شي، ولكن وللأمانة الدكتور كانت مواقفه مع أهالي الضيعة، وهو الذي وجهنا للمحافظة والصحة، وكتب لنا المعروض بعد أن ر فض رئيس البلدية كتابته، وهددنا أحد رجال الشركة بالقول «إنكم مثلما تكتبون الشكوى اليوم ستسحبونها غداً رغماً عنكم. فاذهبوا (وأحمض ما عندكم اطبخوه».
البلدية أذن من طين وأذن من عجين
يقول المواطن محمد علي البلدية لم تعد تهتم فينا أبداً، وفي إحدى المرات التي كانوا يفرغون براميلهم أمام البيوت، شاهدهم رئيس البلدية السابق ومع ذلك لم يحرك ساكناً، أما رئيس البلدية الحالي والذي عين منذ أسبوع، فلم نعرف خيره من شره بعد، ولكنه صرح لنا بأنه يتابع الموضوع وأنه طرحه في مجلس المحافظة والنتائج ستظهر قريباً..
مستوصف خارجي
تداوم في المستوصف دكتورة لمدة ساعتين في اليوم، أما الممرض المرسل من وزارة الصحة، فلم يتقبل أي وجهة نظر من قبل الأهالي، قال إنه ليس له أية علاقة بالموضوع، وليس بإمكانه مواجهة هذا الرجل الذي خوف المنطقة كلها، والجميع يعلم بتصرفاته ولكن لا أحد يجرؤ على مواجهته بحجة نفوذه وعلاقاته الواسعة.
من هو مدير الناحية؟
● المواطن ع. د. قال: أصبحت أشك بشخصية من هو مدير الناحية؟ أو بالأحرى أعتبر هذا الرجل هو مدير الناحية، لأن مدير الناحية ينفذ جميع الأوامر التي يطلبها دون حساب لابن امرأة، لقد انقلبت الدنيا.. وأصبح الفقير تداس كرامته وإنسانيته، والمسؤولون لا حول لهم ولا قوة أمام الرشوة والمحسوبيات والطرق الملتوية.
نساء بكمامات
● السيد عمر. ر قال: لقد أصبحت معظم النساء يضعن الكمامات عند المرور بمنطقة مكب النفايات، وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الوقوع فريسة الأمراض بما فيها الكوليرا التي أتوقع أن تحدث حالات منها هذه السنة. وأي زائر للقرية من هذا الطريق لن يكرر زيارته لأن «ريحتنا طلعت».
السيد أحمد قره خالد رئيس البلدية الجديد الذي تعذر علينا لقاؤه لدى زيارتنا للقرية، أخبرنا في اتصال هاتفي أنه قام بثلاثة إجراءات:
1 - طلب من أصحاب المعامل عدم فتح المجرور الذي يصب في القرية.
2 - الطلب من أصحاب المعامل القيام بحفر حفر كبيرة مؤقتة فرب معاملهم لتستوعب مخلفات الإنتاج ريثما يصار إلى إيجاد حل نهائي..
3 - إلزام أصحاب المعامل بتجفيف المياه الآسنة التي تملأ القرية..
وقد أكد لنا رئيس البلدية أنه في حال عدم التزام أصحاب المعامل بذلك سيقوم باستحضار صهاريج المحافظة لسحب المياه على حسابهم..
كما أكد أنه لا يمكن القبول بمد مجرور مباشر من المعامل إلى الصرف الصحي، لأن مخلفات التصنيع تحتاج بداية إلى معالجة.. ونوه أنه سيستمر بمتابعة الموضوع بجدية حتى تخليص القرية من هذا الحيف الذي طالها..
الحكي مو متل الشوف
عندما قررنا زيارة المنطقة بعد طلب الأهالي لم نتوقع أن تكون حجم الكارثة قد وصلت إلى هذا الحد الفظيع، وأن يصل الأمر بالمسؤولين في المحافظة ومديرية الصحة والبيئة وبلدية قزحل في عدم الاكتراث إلى هذه الدرجة، حتى صديقنا «أبو أديب» صاحب السيارة التي أوصلتنا من مركز المحافظة إلى القرية لم يصدق ما رأته عيناه من تلوث.. فالروائح الكريهة والمستنقعات تملأ المكان، وتنتشر حول البيوت السكنية مطوقة لها، حتى بات من الصعب فتح أية نافذة ولو لدقيقة واحدة.. وحين أخذنا طريق العودة صرح لنا وأقسم (مؤكداً أنه لا يبالغ) أنه قد حصل معه ضيق في التنفس، وأنه كان يسمع عما يحصل في القرية، ولكن (الحكي مو متل الشوف)..
مطالب الناس في قرية «قزحل» بسيطة وعادلة وممكنة التنفيذ، ونحن في «قاسيون» ندعمها ونعد بمتابعتها والاستمرار في تذكير المسؤولين القيام بها.. إنها باختصار: إغلاق هذه المجارير الملوثة العشوائية، ومد مجارير من تلك المعامل إلى خطوط الصرف الصحي في القرية وتجفيف المياه من المستنقعات قبل أن يقع الفاس بالرأس ويحصل ما لا يحمد عقباه بين السكان الصابرين حتى الآن، وبين أصحاب المعامل المتجبرين..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.