انتخابات الإدارة المحلية

مع اقتراب موعد انتخابات الإدارة المحلية، التقت «قاسيون» كلاً من الرفيق عدنان درويش عضو مجلس محافظة ريف دمشق، والمهندس علاء عرفات عضو المكتب التنفيذي السابق في محافظة دمشق، وعضو مجلس محافظة دمشق السابق الرفيق محمد خليل قادري، وحاورتهم في أهمية دور الإدارة المحلية ومجالسها في المرحلة الحالية..

 علاء عرفات: إن الانتخابات الحالية، من حيث الظروف المحيطة، وخاصة الظرف السياسي الذي يعيشه البلد، يفترض أن تكون بحجم الوضع السياسي القائم، ومحققاً للمطالب الجماهيرية، وعلى جميع المستويات، ومنها مشاكل المياه، والسكن، والكهرباء وارتفاعات الأسعار، وخدمات الطبابة، والتعليم وغيرها. إن هذه المسائل تعتبر من القضايا الهامة والضاغطة على الناس. لذلك فإن على المرشحين الذين سيتعاملون مع هذه العملية الانتخابية أن ينطلقوا من هذه النقاط التي ترتبط بها مصالح الوطن والشعب ارتباطا شديدا.
في ظل هذه الظروف، جاءت الانتخابات في دورتها هذه، بعد انتخابات مجلس الشعب التي تميزت بوجود ما سُمي بـ «تماسيح المال» الذين كانوا نجوم تلك الانتخابات، كما تميزت بصرف الأموال الكثيرة على الحملات الإعلانية فيها، هذه الانتخابات التي أصابت الناس بنوع من القرف، ظهر تأثيرها على شكل عزوف شديد عن عملية التصويت، لا بل وعن عملية الترشيح أيضاً، الأمر الذي بات واضحاً للجميع.
 
• ما دور قانون الإدارة المحلية كمشرع؟.

عدنان درويش: إن قانون الإدارة المحلية يتيح إيجاد أحد المنابر الهامة التي يتحدث فيها الناس بكل حرية، ولكن هذا يتوقف على نوعية الناس الذين سيقومون بالتمثيل عبر هذه المنابر، نيابة عن الشعب الذي سيمثلونه. عملياً، هناك ثغرات في قانون الإدارة المحلية، مما يتطلب التعديل في الكثير من مواده، ومنها على سبيل المثال: يجب أن يكون رئيس المجلس من أعضائه وليس المحافظ، فتمثيل المحافظ هو تمثيل تنفيذي وتشريعي في الوقت ذاته، وهو الوحيد الذي يمتلك في سورية هذه السلطة كمشرع ومنفذ معاً، على اعتباره رئيس المجلس، وأكدت التجربة أن تبديل المحافظين وتغييرهم أمران دائمان، حيث يتم تغيير المحافظين، في بعض المحافظات، مرتين أو ثلاث خلال ست سنوات فقط، وعملياً، فإن المحافظ عندما يتولى إدارة محافظة ليس ابنها، فهو لن يعرف بالضبط ماهي المشاكل المهمة التي تعاني منها، مما يضطره للاعتماد على الجهاز الموجود في الدائرة للاطّلاع على ما هو موجود، أما عندما يكون المحافظ من أبناء المحافظة ذاتها، فإنه سيكون على علم بكل القضايا المسببة للمشاكل في أية قرية، أو ناحية، أو مدينة. وهذه واحدة من الثغرات المهمة في قانون الإدارة المحلية والتي يجب تعديلها. ففي مصر مثلاً، يكون رئيس المجلس أحد الأعضاء المنتخبين، أما المحافظ فيكتفي بحضور جلسات المحافظة كحضور رئيس مجلس الوزراء لجلسات مجلس الشعب، بحيث تكون مهمته محاسبة المعيقين لتنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس، وبذلك لا يكون هو نفسه من المعيقين للقرار.
خليل قادري: مع علمنا بأن هذا القانون صدر قبل أكثر من 35 عاماً، وبأنه لم يخضع لأي تبديل أو تعديل، فإن الانتخابات يجب ألا تتم عبر قوائم تحد من عملية الانتخاب، الأمر الذي يساهم في إبراز مرشحين على حساب آخرين.
ولابد من التأكيد على أهمية أن يكون عمل الإدارة المحلية إيجابياً، على اعتبار أنها تتناول أهم القضايا الشعبية، كمحاربة الفساد والرشوة، والحفاظ على البيئة، والعمل من أجل تأمين السكن الشعبي، وتأمين المياه الصالحة للشرب، ومعالجة القضايا التي تمسّ المواطنين وأمنهم. نأمل أن يكون الأعضاء الممثلون على مستوى من الوعي، يؤهلهم أن يطرحوا هذه القضايا بكل جرأة وحرية.

• ما أهمية البرامج الانتخابية، مقابل الصور الفارغة؟.

علاء عرفات: إن للبرامج الانتخابية دور كبير، ولكن للأسف فإن الكثير من المرشحين يعتمدون على صورهم وقاماتهم، متناسين دائماً أهمية البرامج، وأعتقد أنه آن الأوان الذي يكون فيه لكل مرشح برنامج واضح يتبناه.
ولكن يبقى هناك بالمقابل، تلك الإشكالية الجدّية مع أجهزة الدولة حول موضوع البرامج، فنظرياً، وحسب القانون، يحق لأي مرشح أن يقدم برنامجه الانتخابي للمحافظة، لكن ما يحصل فعلياً، هو أن هذه البرامج تتعرض للرقابة، ويجري التضييق على المرشح وبرنامجه، وغالباً ما يتم حذف الكثير من أجزاء هذه البرامج.
عدنان درويش: المفارقة أنه، وعلى خلفية تقديم المرشحين لبرامجهم الانتخابية، فإنهم مطالبون بعقد اجتماع شعبي، يقدمون فيه لما حققوه خلال أدائهم التمثلي في الدورة المنتهية، فمع أن هذه النقطة هي من صلب القانون، إلا أن أحدهم لا يقوم بتنفيذها.

• في ظل الوضع الداخلي المتردي الذي يعانيه كافة المواطنين السوريين، ماذا لدى المرشح لكي يقدمه لهذا المواطن؟.

عدنان درويش: إن مشكلة المواصلات مثلاً، تمثل معاناة حقيقية ويومية لكل القرى والمدن وفي جميع المحافظات، وخاصة دمشق وريفها، وحلب، مما يظهر الكثافة السكانية بأقسى مظاهرها متمثلةً بالازدحام المروري، فضلاً عن مخالفات البناء، والتجاوزات على الأراضي الزراعية والأملاك العامة، وغلاء الأسعار، واستشراء الفساد. وأمام التحضير الدائم والمستمر تحسباً لمعركة متوقعة مع إسرائيل، فيجب أن يكون لدى الحكومة السورية برنامج حاضر للمقاومة، ولا ننسى قضية التعليم التي تعتبر إحدى القضايا الهامة، فدخول الجامعة أصبح حلماً، رغم مأساة قيام الكثير من الجامعات الخاصة التي أعلنت قرب انتهاء مجانية التعليم، وقضية انعدام فرص العمل، مما يدفع شباب الوطن للتفكير الفعلي بالهجرة إلى الخارج.
خليل قادري: أنا أرى أن كل مواطن مسؤول، بقدر مسؤولية السلطة أمامه، ولابد من التركيز على قضية مكافحة الفساد في كل المواقع، وهذا وحده ما سيصلح حال البلد، لأن الفساد أثبت بأنه الأساس لكل العوائق الرازحة في طريق بناء مستقبل صحي وآمن.

• ما هي مهمات المجالس المحلية ومجلس الشعب؟.

عدنان درويش: وضع برامج متكاملة لمحاربة الفساد، وخلق فرص حقيقية للعمل، ورفع المستوى المعاشي، الثقافي، الاجتماعي، والصحي للمواطنين، وهنا تكمن مسؤولية الحكومة في المحاسبة على تنفيذ البرامج التي يتم تقديمها، سواء من قبل المجالس المحلية، أو من قبل مجلس الشعب.
علاء عرفات: قانونياً، إن للمجالس المحلية صلاحيات واسعة، لكن، وعلى مدى السنوات الطويلة الماضية، استمرت محاولات تحجيم هذه الصلاحيات من قبل المحافظين والإدارة نفسها، وكان أحد أشكال هذا التحجيم، السعي الدائم لمجيء أعضاء ضعفاء لهذه المجالس، غير قادرين بشكل حقيقي على تمثيل أحد، فأضعف مثل هذا السلوك نشاط المجالس كما أضعف دورها الرقابي، لذلك، فإن وصول وجوه قوية إلى هذه المجالس، قادرة على أن تفرض دورها الرقابي على الإدارات فيها، يعتبر من المواضيع الأساسية، فالمسألة هنا ليست مسألة انتخابات فقط بالمعنى الشكلي، إنما هي مسألة وصول ممثلي الشعب الحقيقيين لهذه المجالس، وهو الأمر المفتقد الآن، مما أدى إلى عزوف عدد كبير منهم عن هذه الانتخابات، وبتنا نشاهد في الدورات الأخيرة إقدام عدد غير قليل من أصحاب الملايين على الترشح، وهذا دليل على أن الأغنياء والأثرياء يسعون بجد للسيطرة على هذه المجالس، وبالتالي فرض مصالحهم ومطالبهم، بدلاً من الدفاع عن الناس وهمومهم. ولابد من العمل الجاد المسؤول، لأن انتخابات المجالس موضوع له ارتباطاته الوطنية والطبقية، وليس موضوعاً ثانوياً كما قد يظن البعض، وإن كان نشاط الدولة وأجهزتها يصب في خانة معاكسة تماماً، وسلبية، عبر القوائم التي تنظم والتي لا تضم في الكثير من الأحيان وجودها قادرة، حقّاً، على الدفاع من أجل مصالح الناس، علماً أن حتى أحزاب الجبهة لا تخلو من أولئك، ولابد من التنويه أيضاً لخطورة قوائم الظل التي تقتحم في كل دورة، العملية الانتخابية.
خليل قادري: إن إيصال ممثلين حقيقيين، يجب أن يلقى الاهتمام الأكبر، من كافة القوى السياسية، فللمجالس المحلية مهام كبيرة منوطة بها، وتكبر هذه المهام تبعاً لازدياد المشاكل والتعقيدات في البلد والتي تتعلق بمستوى المعيشة، والارتفاعات المستمرة في الأسعار، والاستملاكات....الخ، وعلى هذا، يجب أن تكون فعالية هذه المجالس عالية جداً، بحيث تقوم بدورها الرقابي الحقيقي على أجهزة الدولة، وخاصة ما يتعلق بمكافحة الفساد، وفرض مطالب الناس على هذه الإدارات، وهو ما ينص عليه القانون، وليس من وظيفة المجالس المحلية القيام بالترويج لآراء الإدارات، وهو ما كان يجري، إلى حد بعيد، في الفترات السابقة.
عدنان درويش: قبل حوالي 1400 سنة، رأى «عمر بن الخطاب» بأن الرجل المناسب لهذه المهمات: «هو من يكون قائداً في قومه، وإذا استلم هذا المنصب أصبح واحداً منهم»... وهذا ما نريده من الإدارة المحلية، تماماً بالشكل الذي كان الخطاب يريده آنذاك.

• كيف ستحسّن المجالس من دورها الحقيقي؟

علاء عرفات: إذا أرادت المجالس أن تحسن من دورها، ينبغي أن يتم إلغاء تدخل أجهزة الدولة في انتخابات أعضائها، عن طريق ترك الحرية للناخبين باختيار ممثليهم الحقيقيين، وينبغي أيضاً أن تختفي قوائم الظل وما يشبهها، لمنع إفراغ العملية الانتخابية من محتواها ومضمونها.