أحكام قراقوش في سلم درجات اللغة العربية
ـ موضوع التعبير الإجباري: بدأت به أولاً لأن درجاته ست عشرة درجة، وهي أكثر من ربع درجات مادة العربي، ولأن التجاوزات بالسلم قد فاقت كل تصور. ولكي يكون الطرح منهجياً ومنطقياً، أضع بين أيديكم صيغة الموضوع بحرفيتها، ثم أتناول، بالأدلة، ما شاب سلم التصحيح، من عيوب فيها غبن واضح للطلاب جميعاً، وللمتميزين منهم بشكل خاص.
نص الموضوع هو التالي: «قيل: خلّد الأدباء العرب في العصر الحديث رموز النضال العربي، ففضحوا جرائم المستعمر الغربي الوحشية، وممارساته الهمجية، تجاه هذه الرموز، ومجدوا بطولاتهم الفردية في مواجهة الاستعمار».
وفي استعراض سريع لرموز النضال العربي في مواجهة الاستعمار العربي وفق ما هو مقرر في الكتاب المدرسي للثالث الثانوي نجد:
1 ـ يوسف العظمة: من خلال معركة ميسلون، في نص «الفاجعة» صفحة 91 من كتاب الأدب، وكذلك من خلال دراسة الكتاب للنص، الصفحة نفسها، وتسمية معركة ميسلون باسمها.
2 ـ عمر المختار: من خلال نص «بطل الصحراء» صفحة 94 و95.
3 ـ نجيب الريس: من خلال «مناضلة الاستعمار»، كدراسة مقررة، ملزم بها الطالب، في الصفحات 87 و88 و89، من الكتاب نفسه، على أنها جزء لا يتجزأ من محور نضال الإنسان العربي في مواجهة الاستعمار.
4 ـ جميلة بوحيرد: من خلال نص «رسالة إلى جميلة» صفحة 147 و148.
وبموضوعية نقول:
أ ـ أوجه التشابه متطابقة بين يوسف العظمة وعمر المختار، من حيث مقاومة المستعمر الغربي والمصير المشترك، (الشهادة)، والقدرات الرجولية التي تدل على بطولة فردية يتمتع بها كلا الرجلين، وصولاً إلى بذل الروح دفاعاً عن كرامة الوطن. وكلاهما ضمن المقرر. وقد أهمل السلم بطولات يوسف العظمة الفردية، حتى لو استطاع الطالب توظيفها كما عرفها في كتابي التاريخ والأدب، ووفق صيغة موضوع التعبير.
ب ـ أوجه التشابه متطابقة، هي الأخرى، بين جميلة ونجيب الريس. فكلاهما قاوم المستعمر الفرنسي تحديداً، وكلاهما سحن ولاقى أصنافاً من التعذيب في سجنه، وكلاهما صبر وتحدى السجن والسجانين، فنجيب الريس يقول:
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا فجر مجد يتسامى
وقد أهمل السلم نجيب الريس، فكان لزاماً على القائمين على اللغة العربية في وزارة التربية، أن يستثنوا بتعميم، أسماء بذاتها من المقرر قبل الامتحان. وطالما أنهم لم يفعلوا، فمن حق الطالب أن يوظف معلومات المقرر، وفق ما هو مطلوب في صيغة السؤال.
ج ـ لقد حوصر الطالب، هذا العام، بثقافة الكتاب. وقد كنا في على مدار عمر الشهادة الثانوية، نطالبه أن يوظف ألوان ثقافته وحسن اطلاعه، في موضوع تعبيره. وقد كانت تلك ميزةً، إلا أنها على ما يبدو قد أصبحت في سلم درجات هذا العام خطاً أحمر.
وزاد حصار السلم، فاستثنى، مزاجياً، رموزاً يمكن توظيفها على أحسن وجه في هذا الموضوع. وقد تأكد لي من زملائي المصححين أن أعداداً كبيرة من أبنائنا قد كتبوا ما هو صحيح، بل وأبدعوا، فعاقبهم المعلم على إبداعهم.
ويزداد الحصار حتى في الجزئيات، بصورة تدل على قصد الضرر، أو على قصر النظر. ومن ذلك، على سبيل المثال، ورد في الفقرة (ب) صفحة 96 من نص «بطل الصحراء» السؤال التالي: «هات من الأبيات تشبيهاً واستعارةً وكنايةً واشرحها».
فإذا قال الطالب في قول الشاعر «يا أيها السيف المجرد في الفلا» كناية عن شجاعة المختار، كانت إجابته صحيحة ودقيقة، وإذا ما وظف هذه الكناية البيت نفسه في شجاعة عمر المختار في موضوع التعبير، أهملت إجابته وفقد درجته. لا لشيء إلا لأن السلم قد أغفل ذلك.
د- النتائج السلبية لسلم الدرجات:
1 ـ ظلمٌ لَحِقَ بالطلاب المبدعين لهذا العام، قد يؤدي إلى إلحاق ضرر فادح في مستقبل حياة الكثير منهم.
2 ـ سوف يلغي الطلاب المتميزون كل معلوماتهم وقدراتهم، مستقبلاً، ويتقيدون بحرفية الكتاب ويفقدون ثقتهم بأنفسهم، وتقتلع بذور الإبداع من نفوسهم في مرحلة تشكلها وبداية نموها.
3 ـ سوف يفقد الطالب، مستقبلاً، الثقة بمقرره، لأنه سيقتنع استناداً إلى سلم الدرجات لهذا العام، بأن المطلوب ليس الذي تعلمه في المقرر، بل ما تأتي به مفاجآت سلم الدرجات.
4 ـ سلّم الدرجات لهذا العام ضيَّقَ واسعاً، وحرم المبدعين ثمرة إبداعهم.
ـ ملاحظات أخرى تتعلق بجوانب أخرى من السلم:
1 ـ ورد في السؤال الخامس: «حدد سمتين من سمات الواقعية الجديدة في النص» وقد أغفل السلم سمة الوضوح في الصفحة 43 من كتاب الأدب العربي الحديث، حيث ورد في دراسة سمات الأدب الملتزم ما جاء في المقرر حرفياً: (الأديب يستلهم موضوعاته من الشعب فيجب أن يكون قريباً من فهمه فهو يكتب عن الشعب وله). فالكتاب هنا يشير بوضوح إلى (الوضوح)، كسمة من سمات الأدب الملتزم، أما إذا ذكرها الطالب، فلا ينال درجة إجابته الصحيحة، ووافق المقرر لأن سلم الدرجات قد أغفل هذه السمة.
2 ـ في السؤال الأول من أسئلة القراءة «أذكر ثلاثة من العوامل البشرية المسؤولة عن التصحر» أهمل السلم عامل (هجرة أبناء الريف إلى المدن) وبذلك أضاع على كثير من الطلاب درجة قد يكون البعض بأمس الحاجة إليها.
هذا وقد أرسلت إلى وزارة التربية ـ قسم الامتحانات ـ قبل البدء بالتصحيح عسى أن يتلافوا الأخطاء قبل فوات الأوان، ولم تكن هناك أية استجابة، فما ذنب الطالب إذا فهم المقرر، كما يجب أن يفهم، وأجاب في الامتحان ما يجب أن يجاب؟!!