محمود عبد الكريم محمود عبد الكريم

أمرٌ دُبِّر بليل

منذ سنوات طويلة، والحكومة تتبرم بالفقراء... بل بالأحرى بالكادحين، وسلعهم القليلة المدعومة كالمازوت والغاز والخبز...

تتبرم بتأفف شديد.. بقرف.. بغضب.. لكأن «كادحي سورية» عالة بل «بلوة» ابتلت بها الحكومة ولا تعرف تصريفاً لها.

منذ أكثر من خمس سنوات اتخذ قرار رفع الدعم، وكانت الدراسة تقضي بتوزيع «1200» ليتر بالسعر القديم على ذوي الدخل المحدود، والآن طارت المئتا لتر، وطار الغاز.. وطار المازوت وضرب بأربعة، وطارت الأسعار وطارت عقول المواطنين. وبالمناسبة نسبة الكادحين في سورية أكثر من 90 %، وهؤلاء هم الذين تتبرم بهم الحكومة وتتأفف، ولا تعرف كيف تجد صرفةً لهم.

نعم هذه الحكومة - وهذا رأيي الذي لن أتراجع عنه- تكره الفقراء وتحب أصحاب رؤوس الأموال حباً يفوق الوصف، إنها تموت بهم بدليل أنها لم ترمهم بوردةٍ مهما فعلوا ويفعلون، وهي جاهزة صباح مساء لإعطائهم كل ما يريدون تشجيعاً لنهبهم (عفواً أرباحهم) ولتهربهم من الضرائب، ولرفع أسعار كل ما يملكون من عقارات وأطيان وسيارات وقروض ميسرة بشرط أن يأخذوها ويهربوها من البلد..

هذه حكومة أصحاب رؤوس الأموال، إنها لا تمثل كادحاً واحداً في سورية، ولا فقيراً، ولا عاملاً بزنده أو بذهنه، ولهذا قلت في مقال سابق إنها باقية راسخة (كجبل قاسيون) على حد قول أعضائها الميامين، (ولا أحد يعرف السبب).

لو كانت الجريدة تحتمل لقلت فيها ما لم يقله «مالكٌ» في الخمر، ولصرخت صرخة أبي ذر العظيم، هذه الحكومة قد دفعت الحالة في بلادنا إلى نقطة اللاعودة، انحازت نهائياً وحتى الموت إلى جانب الأغنياء ضد الفقراء، أطلقت العنان للفساد والمفسدين والمرتشين والناهبين وممرري الصفقات المشبوهة بكل أنواعها، وجعلت الشعب يدفع الثمن. نحن كادحون فقراء... هذا صحيح... لكننا لسنا مساكين وعلى باب الله، ونعرف كيف ندافع عن خبزنا وزيتنا وزعترنا، ومازوتنا الذي أنتجناه بعرقنا وجهدنا لكي تبيحه الحكومة لأرباب المال، وتبيعنا إياه بأسعار مضاعفة، وتدَّعي أنها تستورده، وتضربنا بسكاكين منَّتها، لكأن البلد وما يحويه ملكها الشخصي وليس ملكاً للشعب. أين يذهب النفط السوري؟  أين تذهب أموال الاتصالات والضرائب والكهرباء والماء والعَرَصات والسيارات والهواء والزيتون والفستق الحلبي والسوداني ومياه دريكيش وبقين وأرباح التبغ؟ بالمناسبة تشتري هذه الحكومة كيلو التبغ الخام من الفلاح بمائة وخمسين ليرة سورية، وتبيعه إياه بألف وخمسمائة ليرة... نحن نقبل... ولكن هل يوجد مرابٍ على وجه الأرض يربح عشرة أضعاف من زبونه؟ هل يمكن أن نستخرج النفط من أرضنا ونبيعه لمواطنينا بالسعر العالمي؟.

أسأل هذه الحكومة: ماذا عن الفساد والبطالة؟ ماذا عن الأجور الأقل في العالم على الأرجح، رغم الزيادة الأخيرة التي كان من الواجب دفعها لمستحقيها منذ أكثر من سنتين؟ حكومة تتنمر علينا، بينما تتحول إلى ملاك أمام الأغنياء والمستثمرين، ولا تعرف كيف ترضيهم، حكومة لا تطيقنا ولا تتصورنا، ويخيل لي أحياناً وأنا أتابع (تبريراتها) وكأنها تود أن تلقينا إلى صحراء بعيدة لكي لا يسمع بنا أحد، حكومة ليست منَّا ولسنا منها، طلقناها من عقولنا وقلوبنا بالثلاث طلاقاً بائنا بينونةً كبرى، لا عودة فيه لا بالشرع ولا بالعرف، حكومة طعنتنا.. واستراحت.

حكومة «عطرتنا» بسم رفع الدعم، و«دردرت» أولادنا أمام همجية الحياة، وألقتنا على رصيفها، وهي صباح مساء تصفق للفاسدين والمفسدين والسماسرة والتجار وأصحاب رؤوس الأموال والنهابين في أمرٍ دبر بليلٍ مظلمٍ بهيم.

حكومة رؤوس الأموال... انتصرت لهم..

أما نحن الكادحين... الشعب... الفقراء الذين نحب بلادنا حبَّ العبادة والشهادة، فهي لا تطيقنا، وأنا لا أطيقها ولا أتصورها وأعتقد أن شعبي مثلي.

أيتها الحكومة ما الذي يمكن أن تفعليه بعد الكارثة؟؟؟

لقد ارتكبتها كاملةً... غير منقوصة.

لاأدري ما الفرق بينك وبين إعصار نرجس في ميانمار، فهو قد خرّب بالجملة وأنت قد اقتديت به..