سرقة الكابلات الهاتفية.. بين الإهمال والفساد والتخلف!
بانتشار ظاهرة الفساد وتعميمها في المجتمع، انتشرت ثقافة عامة بين معظم المواطنين، هي قبول وتبرير مظاهر الفساد وسلوك المفسدين ونتائج سرقاتهم، سواء كانت لأموال وأملاك المواطنين أو للأموال والأملاك العامة..
إن سرقة الأموال والأملاك العامة تترك آثاراً مدمرة على الاقتصاد الوطني والخزينة العامة، ولها منعكسات اجتماعية خصوصاً باعتبار البعض لها (شطارة). وهذه السرقات نوعان: منها ما هو مخطط ومدروس ونتائجه كارثية، ويقوم به كبار القوم أو من أصبحوا من كبار القوم. والثاني عفوي وجاهل، لكن نتائجه; أيضا كارثية، ويقوم به صغار القوم والجائعون منهم، وهذا ما ينطبق على سرقة الكابلات الهاتفية التي انتشرت بسرعة بالتزامن مع ارتفاع سعر النحاس عالمياً، حيث أصبح سعر الكغ من أسلاك النحاس التالفة 250 ل.س.
المثال الأول: متعهد في منطقة سياحية بطرطوس يقوم بأعمال إنشائية لمد كابل هاتفي سعة 600 خط. تأخر بأعمال الردم ليلاً، استيقظ في الصباح الباكر ليجد 72م قد نشر وسرق!! وباعتبار المتعهد مؤمناً لدى الشركة السورية للتأمين قبل يومين فقط، قامت الشركة السورية للتأمين بتقدير الأضرار، وكانت المفاجأة أكثر من 124 ألف ليرة سورية ستدفع للمتعهد، رغم أن الكابل المسروق يحتاج إلى أكثر من خمسة رجال لسحبه وشاحنة لقطره. أين ذهب بين مجموعة من البيوت السكنية؟؟
المثال الثاني: كابلات سعة 1200 خط، تربط المؤسسة العامة للاتصالات – طرطوس-2- ظهرت فوق الأرض عدة أمتار – أيضاً تعرضت للسرقة بالقص والنشر، ولن يباع هذا الكابل بعد تقطيعه بأكثر من 1000 ل.س بينما خسارة المؤسسة لا تقل عن 150 ألف ليرة سورية لإعادة وصله. عدا الأضرار المادية والاجتماعية لقطع الاتصالات بالكامل عن منطقة واسعة.
وعند كتابة هذه المادة علمت بأن الكابل نفسه قد تعرض للسرقة، أي بعد الحادثة الأولى بمدة زمنية لا تزيد عن الشهر!! وهذا يكلف كثير من الجهد والتعب لمهندسي وفنيي المؤسسة العامة للاتصالات، وعندما يتكلمون عن الحادثة يتحدثون بلهجة الغاضب جداً، وكأنهم يشعرون بأن موقع المؤسسة أصبح كما لو أنه في (حارة كل من أيدوا الو)..
إهمال
بعد ثورة الاتصالات، وما جرى من تطوير في سورية بموازاة الدول المجاورة والعالم، أصبحت كابلات الألياف الضوئية هي وسيلة مكثفة وذات تقنية عالية لنقل الاتصالات لداخل سورية وخارجها، ورغم رأي مهندسي المؤسسة العامة للاتصالات بأنه لا يجوز وضع نقاط علام تدل على وجود الكابل لأسباب أمنية، لكن هناك تعليمات لكل الأعمال الإنشائية في المنطقة مهما كان نوع العمل أن تخبر المؤسسة العامة للاتصالات بذلك للكشف إن كان الحفر يتقاطع مع الكابل أم لا، لكن لغياب المحاسبة، الكل يعمل حسب شطارته، فمنهم من يعمل دون إخبار المؤسسة، ويقول بعض المتعهدين بأنهم لا يستطيعون تأجيل عملهم إلى حيث وصول مندوب من المؤسسة.. وأحيانا لا يأتي أحد..
في منطقة نائية على تخوم محافظة طرطوس، وبينما كان المتعهد يقوم بأعمال إنشائية لحفر عبارة لمياه الأمطار على طريق فرعي شبه زراعي، تفاجأ بأسلاك هاتفية في طرفي شفرة (الباقر) ولم يعرف نتائج ما فعله إلا بعد 15 دقيقة، حينما وصل رئيس مقسم المنطقة وأخبره عن نوعية الكابلات المقطوعة. ولأن المشروع مؤمن في الشركة السورية للتأمين قامت الشركة بحصر الأضرار فكانت الأضرار الإنشائية بسيطة لم تتجاوز 14 ألف ليرة سورية، أما إعادة وصل الكابلات واحتساب قيمة الأضرار الناتجة عن قطع الاتصالات والغرامات فقد فاقت 250ألف ليرة سورية، ستدفعها إما المؤسسة العامة للتامين أو مؤسسة الاتصالات.
تساؤلات
لماذا أصبحت الأخطاء التي ترتكب بحق الأملاك العامة غير محرمة لا دينياً ولا أخلاقياً ولا قانونياً؟ ما المانع أن تكون هناك قوانين صارمة أكثر من ذلك لردع الإهمال والسرقات وعدم التقيد بالقوانين، وأن تكون على الجميع دون تمييز بين صغير وكبير؟؟
وما المانع أن تنتشر ثقافة معاكسة لعدم القبول بظاهرة سرقة الأملاك العامة، كأن تصدر فتوى (حرام عليكم دمكم وعرضكم والأملاك العامة)؟ وما المانع أن يكون هناك أساليب أكثر تقنية وحضارية وأماناً في طريقة مد الكابلات الهاتفية، حيث لا تغري من تسوغ له نفسه سرقتها دون رادع؟؟
المثل الشعبي يقول: (الرزق الداشر بيعلم الناس على الحرام)..