استمرار مسلسل الخصخصة تحت شعارات وحجج براقة
في البداية صدقت بعض القوى الوطنية طروحات الفريق الاقتصادي، وبررت سياساته وبرامجه، أمام الوعود والتصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين السوريين وعلى رأسهم النائب الاقتصادي ووزيرا الاقتصاد والمالية، بأن لا خصخصة ولا تصفية للقطاع العام. ولما بدأت القوى الليبرالية التي يمثلها هؤلاء الوزراء بتمرير المشروع الاقتصادي خطوة خطوة، لربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد المعولم، وطرحت بعض الشركات الرابحة للاستثمار، جوبه هذا المشروع بمعارضة شديدة من اللجان النقابية والنقابات، وفشل في الجولة الأولى، ولكن الفريق الاقتصادي، تحت يافطة التطوير والتحديث، أصر على طرح الشركات الرابحة التي لا مبرر لطرحها للاستثمار، فهي تمثل الأمن الوطني، تجاه المخاطر المعروفة من الاستثمار الأجنبي.
ـ بعد صدور المرسوم 55 لعام 2002، الذي أزال صفة الوكيل الحصري عن التوكيلات الملاحية، سُمِح للقطاع الخاص أن يؤسس وكالات خاصة، بلغت حتى الآن 60 وكالة، تعمل بكل الوسائل للحلول محل التوكيلات الملاحية، وانتزعت القسم الأعظم من الأعمال التي كانت تقوم بها، فتراجع دورها وتراجع معه ما كانت تؤديه إلى الدخل الوطني.
ـ في العام 2001، حين كانت التوكيلات الملاحية الوكيل الحصري، بلغ حجم واردات مرفأ طرطوس 5.7 مليون طن، وبلغت أرباح التوكيلات منها 157 مليون ل.س، وفي عام 2002، ارتفعت واردات المرفأ إلى 8.473 مليون طن، حققت منها التوكيلات ربحاً قدره 648.6 مليون ل.س، أما في عام 2006، وبعد أن نشطت كل الوكالات الخاصة، بلغ حجم واردات المرفأ فقط 12.7 مليون طن، كان ربح التوكيلات منها 197.6 مليون ل.س، وهذا يظهر حجم الخسارة التي حلت بالتوكيلات. ففي عام 2005 كان ربح الوكالات الخاصة ما يقارب المليار ل.س، دخل منها إلى خزينة الدولة كضريبة أرباح مبلغ 4.882 مليون ل.س، بينما دفعت التوكيلات بالعام نفسه عن الأرباح البالغة 203.9 مليون ل.س، ضريبة دخل تساوي 69.9 مليون ل.س. فكم نتألم حين نقارن هذه الأرقام وندرك كم لحق بخزينة الدولة من خسارة هائلة. وقد تكرر هذا في العام 2006 حيث دفعت الوكالات الخاصة فقط مبلغ 4.43 مليون ل.س كضريبة دخل عن كل أعمالها، بينما دفعت التوكيلات 69 مليون ل.س. وكانت شروط العقد قد نصت على استقدام وكالات بحرية وبواخر وخطوط ملاحية جديدة، واستقدام 500000 حاوية سنوياً، وقد قبلت الشركة المستثمرة بذلك، ولكنها لم تنفذه، بل عمدت إلى سرقة البواخر والخطوط الملاحية التي كانت بعهدة شركة التوكيلات الملاحية، وهذه عملية قرصنة واضحة، وبدلاً من استقدام 500000 حاوية، بلغت الحاويات المستقدمة 35000 حاوية فقط، علماً أنه قبل تسليم المحطة للشركة المستثمرة، كان عدد الحاويات يزيد عن 40000 حاوية سنوياً، أي تم تنفيذ 7 % فقط من الخطة التي تعهدت بتنفيذها.
ـ سعت الحركة النقابية والجهات المهتمة بمصير القطاع العام ومستقبل الطبقة العاملة لإنقاذ هذه الشركة من الانهيار. ولدراسة مذكرة شركة التوكيلات الملاحية، عقد اجتماع للجنة القرار 337 برئاسة معاون وزير النقل لشؤون النقل البحري، عماد الدين عبد الحي، صاحب المبادرات لإنتاج أشكال الخصخصة. وبدلاً من اقتراح المساعدات اللازمة للتوكيلات الملاحية، لتجاوز تراجعاتها وضبط تجاوزات الوكالات الخاصة، خرجت اللجنة بتوصيات تضيق على التوكيلات، لدرجة أن رئيس اللجنة طلب منها الاستعداد لإلغاء العمولة التي تتقاضاها، ولوح بإمكان إخضاع نواقل النفط للوكالات الخاصة، وقد حدث هذا فعلاًً، استناداً للتعليمات التنفيذية الواردة بالقرار رقم: 750 تاريخ: 8/5/2003.
مرفأ اللاذقية.. الحلقة المكملة
في حلقة جديدة للخصخصة مكملة لما جرى في مرفأ طرطوس من طرح استثمار محطة الحاويات والرصيف رقم 7، وما لهما من خدمات، لشركة فلبينية قد تكون وهمية، قررت اللجنة الإدارية لشركة مرفأ اللاذقية بتاريخ 4/8/2005 وبموافقة الوزير والمدير العام لمرفأ اللاذقية الإعلان عن تطوير محطة متخصصة للحاويات بالسرعة الممكنة وطرحها للاستثمار وفق دفتر شروط يعد في مرفأ طرطوس ويشابه دفتر شروط إعلان استثمار محطة حاويات مرفأ طرطوس.
فيما يلي نبين التعرفة الأساسية لمرفأ اللاذقية، التي سيتم رفعها بشكل كبير لتساوي تعرفة محطة الحاويات في طرطوس، في خطوة لربط المرفأين بتعرفة موحدة، للضغط على البواخر والخطوط الملاحية لإعادة تعاملها مع محطة حاويات طرطوس، بعد أن قاطعتها بسبب التعرفة العالية، وتوجهت للتعامل مع مرفأ اللاذقية.
جدول مقارنة لحاوية مبردة 40 قدم، مع بدل تخزين مدة 15 يوماً، بافتراض الحاوية 30 طناً
وهنا نرى أن تكاليف خدمة الحاوية، التي سمح بها العقد للشركة المستثمرة، والبالغة 715× 50 = 35750 ليرة سورية، تزيد عن ضعفي التسعيرة الرسمية، في مرفأ اللاذقية.
جدول مقارنة لحاوية 40 قدم، تفريغ بعد 15 يوماً، بافتراض وزن البضاعة ضمن الحاوية، ثلاثين طناً، (بضاعة محلية):
وهنا نرى أن تكلفة خدمة الحاوية في محطة طرطوس المستثمرة، تبلغ: 260×50=13000 ليرة سورية، أي ما يقارب ضعف التسعيرة في مرفأ اللاذقية.
جدول تأجير الآليات (بالساعة)
يفاجئنا هذا الجدول، بأن الآليات والخدمات التي قدمها المرفأ للشركة المستثمرة مجاناً، يتم تأجيرها للبواخر التي تطلب الخدمة، وبمبالغ طائلة.
إن مكتب نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية اعترض على فكرة الاستثمار وأوضح أنه مع تطوير المرفأ وإنشاء محطة حاويات وساحات وأرصفة جديدة على أن تديرها الشركة العامة لمرفأ اللاذقية وفي مذكرة لمركز اتحاد عمال اللاذقية طلب من الاتحاد العام لنقابات العمال التدخل لدى القصر الجمهوري والقيادة القطرية ومجلس الوزراء، لإيقاف عملية الاستثمار في مرفأ اللاذقية، لأن المرفأ ليس خاسراً، وجاء في نص المذكرة «إن الحركة النقابية تطالب بوضع برنامج للتنمية الاقتصادية والتوقف عن تنفيذ الإجراءات الموجهة ضد القطاع العام وتتخوف من السماح لهذه الشركة الخاصة بالتوسع إلى الساحات الأخرى وحرمان الدولة من مداخيلها حيث يتم تقليص دور القطاع العام ونسف المكتسبات الاقتصادية والسياسية في البلاد».
ـ كل هذه الاحتجاجات وتوضيح الأخطار المرتكبة لم يثنِ رموز الليبرالية الجديدة عن المضي قدماً في خصخصة القطاع العام وطرح منشآته للاستثمار فقد أعلنت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية مؤخراً عن إنشاء صومعة جديدة مع رصيف حبوب موازن لها إضافة إلى إنشاء أرصفة جديدة وساحات خلفية في مرحلة متقدمة من التوسع في المرفأ وفق النموذج الذي أعده المعهد الروسي (سيوز مورني بروجكت)، وقررت إدارة المرفأ أنه بعد إنجاز هذه المرافئ سيتم طرحها للاستثمار الخاص، ما أدى مرة أخرى لاتخاذ موقف معارض من نقابة عمال النقل البحري في اللاذقية، واتحاد عمال اللاذقية، لكافة أشكال الاستثمار مع عدم ممانعتها من مشاركة القطاع الخاص بما يخص العملية الإنشائية فقط، أما فيما يخص الاستثمار فإنها ترى «أن الشركة لديها الإمكانات كافة والتجهيزات اللازمة للتشغيل، ولدينا أيضاً الكفاءات الوطنية القادرة على إدارة الشركة، والخط البياني المتصاعد للأرباح السنوية أكبر دليل على ذلك».
بعد كل ذلك يحاول وزير النقل السيد يعرب بدر، في تصريح للزميلة «تشرين» في العدد 10094 الصادر بتاريخ 5/2/2008، تجميل نيّة وتوجهات الفريق الاقتصادي، تحت حجة فصل الإدارة عن الملكية، وقال: «إن العقد المخصص لمرفأ اللاذقية، شبيه بما جرى بمرفأ طرطوس، ولكنه عقد إدارة فقط، وليس استثماراً، ويعني أن تأتي جهة مختصة بإدارة محطة الحاويات، وتديرها لفترة زمنية محدودة، بما يهدف إلى زيادة كفاءتها وسعتها، وتحسين أداء العمل فيها».
ـ إلى متى سيبقى هذا الفريق الاقتصادي، تحت كثير من الشعارات والحجج البراقة، يفرط بمنشآت ومكتسبات القطاع العام؟! أولم يدرك بعد أن مخططاته تواجََه دائماً بالرفض والاحتجاج والإدانة، من جميع شرائح المجتمع، وخصوصاً العمال وممثليهم النقابيين؟! نعم، لقد آن الأوان منذ زمن، كي يلملم مخططاته ويرحل، عسى أن يستلم زمام الأمور أناسٌ عينهم على حماية أمن واستقرار هذا البلد، وقلبهم يحس بمعاناة شعبه، ويعمل على حل جميع مشاكله المعيشية!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.