تناقضات.. وحقوق ضائعة بين شركة الهندسة الزراعية «نماء»، وفلاحي قرية المريعية
من المعروف أن «كبار الملاكين العقاريين»، أو ما يسمون بـ«الإقطاعيين»، استولوا على مساحات كبيرة من أراضي الفلاحين، في النصف الأول من القرن العشرين، بأساليب شتى كالغش والخداع واستغلال ظرف الفلاح، وبالقوة أحياناً، عبر أجهزة الحكومة التي كانوا يسيطرون عليها، أو عن طريق أزلامهم.
وخاض الفلاحون صراعات دامية معهم، وقاموا بانتفاضات فلاحية، واستطاعوا استرداد جزء من أراضيهم، كما حدث في «قرية موحسن» في ريف دير الزور، والتي سميت على إثرها «موسكو الصغرى»، بسبب مساهمة الشيوعيين الفعالة إلى جانب الفلاحين، هؤلاء الشيوعيون الذين هم من فلاحي القرية وطلابها، مع المحامين الشيوعيين في المدينة، الذين دافعوا عنهم في هذه الانتفاضة، أثناء توقيفهم وسجنهم من حكومة الإقطاع (الملاك).
ثم جرى الاستيلاء على قسم آخر من أراضي الملاكين، بالقانون رقم 161 لعام 1958، ووُزع جزء منها بالقرار الوزاري رقم 743 لعام 1966، على الفلاحين «المنتفعين». هذه حال أراضي قرية «المريعية» التابعة لناحية موحسن، ذات التاريخ العريق في مقاومة الاستعمار الفرنسي، ومقارعة الملاكين العقاريين (الإقطاع).
خصم قديم بعباءة جديدة
العقار 299، من أراضي استيلاء 1958، خُصص لجمعية تعاونية، ومركز بحوث، وللفلاحين المنتفعين، وحرماً للمطار، وأملاك دولة عامة بنحو 18.5 هكتاراً تقريباً. ولقلة المياه وظروف أخرى، هجر الكثير من الفلاحين الأرض، وأقيمت عليها مزرعة بني تغلب، العائدة للدولة، التي حُلت فيما بعد.
وفي عام 1992، خُصصت شركة الهندسة الزراعية للاستثمار بمساحة ثلاثة آلاف دونم، ثم جرى تمليكها لها بقيمة 792 ليرة سورية، للهكتار الواحد، وبقيمة إجمالية 396000 ليرة سورية، واعتبرت قيمة الأرض مساهمةَ الدولة في الشركة، كقطاع مشترك، ومن هذه الملكية 1300 دونماً في العقار 299، والذي هو عقار على الشيوع، بين الشركة من ناحية، والفلاحين المنتفعين الذين لديهم سندات تمليك من ناحية ثانية، وعددهم 157 منتفعاً، وأملاك الدولة في مديرية الزراعة بدير الزور، من ناحية ثالثة.
في عام 2003، ونتيجة المطالبة المستمرة عبر الشكاوى التي لدينا نماذج منها، أعيد توزيع وتسليم الفلاحين المنتفعين من الأراضي، على الواقع، بمحاضر رسمية من مديرية الزراعة، ووضعت حدوداً على الأرض.
وخضع العقار 299، كبقية المنطقة، لقانون استصلاح الأراضي رقم 3 لعام 1984، وبالتالي فهو مشمول بالنفع العام، ولا يجوز التصرف به إلا بعد انتهاء المشروع، ليعاد توزيع الأرض بلجنة مختصة من مؤسسة حوض الفرات الأدنى واتحاد الفلاحين.
ومنذ تملك شركة نماء لجزء من العقار، لم يلحظ أي نشاط يمكن اعتباره إسهاماً في تنمية الزراعة واقتصاد الوطن، سوى تربية أغنام في فترة قليلة جداً، كما لم يحصل المهندسون الزراعيون المساهمون في الشركة، إلا على مبلغ زهيد جداً لا يكاد يذكر، كأرباح، ولا ندري من أين أتت! على مدى خمسة عشر عاماً مضت.
وقد حدث تنازع بين شركة «نماء»، والفلاحين المنتفعين على الأرض، وتذكرت الشركة أن لها أرضاً، وربما ذكرها بها مرسوم رئيس الجمهورية، القاضي بحق «المستثمر» في التملك، وأن الفلاحين متجاوزون على أرضها، علماً أنهم يفلحون ويزرعون، منذ أربع سنوات على الأقل، أي منذ التوزيع الأخير عام 2003، ولمّا يسقط بعد بالتقادم!
وفي 5/12/2007، وبأمر من محافظ دير الزور لشرطة ناحية موحسن، وبمؤازرة شرطة حفظ النظام، وحضور مدير الشركة، تمت حراثة الأراضي المزروعة من الفلاحين، رغم رجائهم وتوسلاتهم لمدير الناحية بتأجيل ذلك، لمراجعة المسؤولين على الأقل، ولكنه رفض ذلك بقسوة، علماً أن كتباً سابقة جاءته للتنفيذ، لكنه لم ينفذ إلا أمر المحافظ، وأزيلت بعض القنوات التي أقامتها مؤسسة حوض الفرات الأدنى لري الأرض، لإقامة ساتر ترابي حدودي بطول حوالي 500 متراً، وإغلاق طريق الري الزراعي، على حساب الأرض التي سويت من مؤسسة حوض الفرات، كجزء مهم في عملية الاستصلاح، وأعيدت السواقي إلى ما كانت عليه.
تساؤلات لا بد منها
نورد هنا بعض التساؤلات، ونطرح بعض الحقائق، وكلها تتعلق بمصلحة الشعب عامة، والفلاحين في قرية «المريعية» خاصة، لأننا لاحظنا العديد من التناقضات:
ـ من أحق بالأرض؟ أليس صاحبها الأصلي «الفلاح»؟ قبل أن يستولي عليها الملاك العقاري؟!! والفلاحون من أبناء الشعب المنتجين، حتى ولو كانوا متجاوزين؟
ـ ماذا قدمت شركة «نماء» منذ تأسيسها؟ أي منذ 15 عاما! وأين كانت منذ أربع سنوات، عندما عاد الفلاحون للزراعة ثانية؟! ولماذا لم تعترض؟!
ـ لماذا هذا السعر الزهيد الذي بيعت به الأرض؟!
في سؤال وجهناه لأحد المهندسين الزراعيين المساهمين في الشركة: ما الذي يضمن أن الشركة لن تبيع الأرض وتقوم بالمضاربة العقارية؟! قال: إن الشركة تعتبر أن الأرض «كالعِرض»، ولن تفرط بها كما قيل لنا، فأجبناه: ألا ترى أن «القوى الليبرالية» و«الفاسدين» يسعون لبيع وخصخصة «القطاع العام» و«قطاع الدولة»؟ بعد إفشاله بحجج متعددة؟ فكيف بالقطاع المشترك؟! وأنت تعرف أنه سبق أن حُلت مزارع الدولة، رغم كونها ناجحة وبالأرقام، ورغم الفساد. وأيضاً حُلت شركة «الكرنك»، وهي قطاع مشترك وكانت ناجحة وأُفشِلت، لإفساح المجال أمام شركات النقل الخاصة، ذات الاستثناءات العظيمة، والإعفاءات الكبيرة، ومحاولات حل وحدة الكونسروة بالميادين، والأمثلة كثيرة.
ـ العقار 299 خاضع للنفع العام، عملاً بقانون استصلاح الأراضي رقم /3/ لعام 1984، وهو خاضع لمؤسسة حوض الفرات الأدنى واتحاد الفلاحين، وليس من اختصاص أملاك الدولة في مديرية الزراعة، وما يؤكد ذلك: كتاب مدير أملاك الدولة في وزارة الزراعة، «محمد نور درموش» إلى وزير الزراعة رقم 824 تاريخ 5/8/2002، حول عقار في المنطقة نفسها، وكتاب مدير الزراعة «عايد درويش الخزام» لمحافظ دير الزور رقم 9868/م د، تاريخ 16/10/2005.
ـ لماذا يؤازر السيد المحافظ وينحاز لشركة نماء؟ وذلك بتوجيه أوامره إلى مدير ناحية «موحسن» وشرطة حفظ النظام، علماً أن هناك كتاب من السيد صبحي الحنان، رئيس اتحاد الفلاحين بدير الزور، يطلب فيه من المحافظ نفسه «الإيعاز» لمدير ناحية «موحسن» بمؤازرة الفلاحين لاستلام أرض انتفاعهم، وذلك بالكتاب رقم 944 تاريخ 12/4/2007، أي قبل طلب شركة نماء!
ـ العقار 299 بالنفع العام وعلى «الشيوع»، بين أملاك الدولة والفلاحين المنتفعين، وشركة نماء، إذا قبلنا بقرار التمليك، والشيوع ينظمه القانون المدني السوري في المادة 762 والقانون 21 لعام 1986، الخاص بإزالة الشيوع في الأراضي الزراعية، والذي يبين أن «على السلطة الإدارية (والمقصود هنا المحافظة)، أن تحترم حقوق الطرفين، ولا تنحاز إلى طرف دون آخر»، وقد وُضِعت الحدود دون حضور الطرف الآخر، وهم الفلاحون، الذين يفلحون منذ أربع سنوات! والعقار لم يفرز من بلدية المريعية، والمادة 35 من قانون التنظيمات الإدارية رقم 496 تاريخ 21/12/1957، تقول: «إذا وقع غصبٌ بيّن على عقار، أو على حقوق عينية عقارية، (فللمحافظ) أن يقرر إعادة الحالة الراهنة إلى ما كانت عليه قبل الغصب. وله عند وقوع اعتداء من شأنه إيجاد خلاف على الغلال، ويؤثر على الأمن، أن يتخذ التدابير اللازمة للمحافظة على الأمن».
والفقرة /ج/ تقول: يجب مراجعة الإدارة لإزالة الغصب، أو الاعتداء، خلال شهرين من تاريخ حدوثهما، وخلال ثلاثة أشهر للغائب عن الأراضي السورية، وإلا خرج الخلاف عن اختصاص الإدارة، أي المحافظ، وأصبح من اختصاص القضاء.
والفلاحون يزرعون منذ أربع سنوات، أي أكثر من شهرين، ولم تعترض نماء، وبالتالي خرج الأمر من اختصاص الإدارة إلى القضاء! فهل يعقل أن يكون المحافظ مخالفاً للقانون، وهو الذي أقسم في قََسَم المحافظين أن يحترم قوانين البلاد؟!
ـ شركة نماء تملكت في العقار 299 ما يقارب 1300 دونماً، يقتطع منها 14% للسواقي والطرقات، بحسب أنظمة الاستصلاح، أي 182 دونماً، وبالتالي هي المتجاوزة لأن نسبة الاقتطاع لم تحسب، وكذلك في العقار301، حيث تملكت 17010 دونمات، لم تحسب النسبة وبتقرير المساح الذي أحضره الفلاحون، تحتجز 2040 دونماً، وهي المتجاوزة أيضاً!! لماذا يجري عكس الحقائق؟ ومن وراء ذلك؟!
ـ القرار رقم 5/م. د تاريخ 15/11/1986، يقول في إحدى مواده:
«مع مراعاة الأحكام الخاصة في صكوك إحداث الشركات الخاصة، يمنع بيع أراضي أملاك الدولة إلى الأفراد، أو إلى أية جهة خاصة، إلا بقرار من مجلس الوزراء». فهل حل السيد وزير الزراعة، محل مجلس الوزراء؟! وهو الذي يعتبر مساهماً أيضاً.
الأمل المتناقص
وأخيراً نتساءل: أين اتحاد الفلاحين؟ وأين القيادة السياسية؟ أليست الأرض لمن يعمل بها؟ لماذا لا تعطى شركة نماء أراضي في مكان آخر؟ أو إيجاراً لمدة محدودة تقدم خلالها إنتاجاً؟. وإلا فإن الأمور فيها أكثر من «إنّ»، ولماذا لا يعاد منح الأراضي للفلاحين؟ مع توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، لأن من الأسباب المهمة لتراجع الزراعة هو «قلة الحيازات»، وهذا ما جعل الفلاح يستثمر أرضه باستمرار، مما أضعفها، وبالتالي انخفض إنتاجها. وإذا أردنا أن نحقق «تنمية في المنطقة الشرقية»، سيكون الجزء المهم فيها، توفر الأرض والمياه، والفلاحون الكادحون، هم طبقة منتجة، تساهم مساهمة فعالة في اقتصاد الوطن، وتمنحه الاستقلالية والقوة في مواجهة المخططات المعادية، وكرامتهم من كرامة الوطن، على عكس من يريدون الخصخصة، واللبرلة والسوقنة، وإقامة استثمارات وهمية، وفق وصفات خارجية، وبالتالي تصب في مصلحة أعداء الوطن.
إن العودة عن الخطأ فضيلة، والعودة عن بيع أملاك الشعب فضيلة، وأملاك الدولة أملاك الشعب، والفلاحون جزء هام من الشعب، وإن إعادة الحقوق إلى أصحابها، يجنب المنطقة مشاكل اجتماعية وعشائرية، ومحافظ دير الزور يدرك ذلك، وذكره في كتابه إلى مديرية الزراعة ذي الرقم 3053 تاريخ 20/3/2005، فلماذا تتغير المواقف وتتناقض؟! يجب إعادة الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أصحابها، طالما لا يزال الفلاحون يحاولون عبر القنوات الرسمية والقضاء الحصول على حقوقهم، ولجؤوا إلينا، بينما لم يتجاوب معنا محاموهم، تاركاً الأمر للقضاء، ولاعتبارات خاصة، ونأسف لذلك.
فهل تُحل التناقضات قبل أن يفقد الفلاحون الأمل؟! ويلجؤوا إلى أساليب أخرى؟!
■ زهير مشعان ـ دير الزور