التوظيف الصوري، بطالة مقنَّعة
أقامت وزارة التربية، وما زالت تقيم، المسابقات لانتقاء الموظفين، العاملين في مجال التدريس أو في مجالات إدارية، تدَّعي الوزارة أنها تحتاج لمن يقوم بها.
ولنأخذ على سبيل المثال، إحدى المحافظات التي تعاني فعلاً من نقص في موظفيها عموماً، محافظة الرقة.
ففي العام الماضي، عينت وزارة التربية عدداً من الناجحين في مسابقة، بالإضافة إلى ملحق عيّن بعد الدفعة الأولى، من بين هؤلاء عدد من خريجي الجامعات من كلية الآداب قسم المكتبات, وعندما يسمع أي شخص بأن خريج قسم المكتبات قد عُيّن، يتبادر إلى الذهن أنه سيشرف على مكتبة ضخمة، يرتب ويصنف ويوزع جميع أصناف الكتب، الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما أن يعيَّن هؤلاء الخريجون في مناطق الريف البعيدة، فهذا أمر يستوجب التساؤل.
أجاب الموظف المسؤول بأن تعيينهم في الريف البعيد، هو مكافأة لهم، فهل يعقل أن يكافأ من يدرس أربع سنوات جامعية، ثم ينجح بمسابقة تعيين بفرزه إلى الريف البعيد؟! وإلى مدارس معظمها لا تحوي مكتبة؟! فيكون عمله فقط توزيع الكتب المدرسية على الطلاب في بداية العام، واستلامهم في نهايته، ويبقى طيلة العام الدراسي من دون عمل، ويتقاضى أجره الشهري كاملاً, مثله مثل المدرس الذي يعمل في الأسبوع الواحد 23 حصة درسية, مع العلم أن النصاب هو 19 حصة درسية.
هل يعقل أن يعين في الريف، وفي المدينة شواغر كثيرة؟ مثل: أمين مكتبة و معاون أمين مكتبة, أمين سر ومعاون أمين سر, أمين غرفة حاسوب ومعاون أمين عرفة حاسوب, مدير مكتبة ومعاون مدير مكتبة. أليست هذه الحالة شكلاً من أشكال البطالة المقنعة؟
لماذا لا يكلف خريج المكتبات بالإشراف على مجموعة من مكتبات المدارس الرئيسية في المدينة؟! بدل مكافأته بالعمل في مدرسة لا يوجد فيها مكتبة وفي الريف البعيد.
عن الموظفين العاطلين عن العمل، نورد مثالاً آخر: الثانوية الزراعية في المنصورة، حيث يبلغ عدد طلابها الإجمالي 37 طالباً، ويبلغ عدد الموظفين في هذه المدرسة بين 30 و 40 موظفاً, أي ما يقارب، أو يفوق عدد الطلاب. وُظِّف أحدهم، مثلاً، للعناية بالحديقة والأشجار المزروعة في المدرسة, والسؤال هو: لماذا لا يقوم طلاب المدرسة نفسها بهذا العمل؟ وخاصةًً أنه محور دراستهم، كونهم طلاب مدرسة زراعية.
وهل عدد طلاب هذه المدرسة فعلاً يستحق كل هذا الكادر؟!
إن ميزانية هذه المدرسة كبيرة، وعلى الوزارة التأكد من ذلك والإجابة على السؤال:من أين نبدأ التصحيح؟
إن من أخطر الأمراض التي تعترض تقدم المجتمعات هو البطالة, والبطالة المقنعة لا تقل خطورة عنها, حيث جيوش من العاطلين عن العمل.